هل يمكن أن يزيد التعاون بين البشر والدلافين معدل نجاح صيد الأسماك؟

هل يمكن أن يزيد التعاون بين البشر والدلافين معدل نجاح صيد الأسماك؟
دلفين يعطي الإشارة لصياد في شاطئ برايا دا لاسونا في مدينة لاغونا البرازيلية. بيانكا روميو، أستاذة في قسم البيئة وعلم الحيوان، جامعة سانتا كاتارينا الفيدرالية.

لأكثر من عقد من الزمن، درس الباحثون أساليب صيد الأسماك التي يتبعها نوعان من المفترسات في قمة السلسلة الغذائية؛ وهما البشر والدلافين. يعمل البشر والدلافين معاً في صيد الأسماك، ويحدث ذلك عندما تقود الدلافين أسراب الأسماك تجاه السواحل وتزيد عدد الأسماك التي يتمكن البشر من صيدها باستخدام الشباك. ويبدو أن هذا التعاون يفيد كلا النوعين، وليس البشر فقط.

الاستعانة بالدلافين لصيد الأسماك كتقليد قديم

تُعتبر الاستعانة بالدلافين لصيد الأسماك تقليداً ثقافياً في مدينة لاغونا التي تقع على الساحل الجنوبي للبرازيل. لأكثر من 140 سنة، تم تناقل أسلوب الصيد هذا عبر أجيال صيادي الأسماك، وأجيال الدلافين أيضاً.

وتوثق دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 20 يناير/ كانون الثاني 2023 في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم الطريقة التي يتعاون وفقها البشر والدلافين بعمق، وكيف تساعد هذه الطريقة على زيادة عدد الأسماك التي يتم صيدها. استخدم مؤلفو الدراسة السماعات المائية (الهايدروفونات) والكاميرات تحت المائية والطائرات من دون طيار لمراقبة تعاون البشر والدلافين بشكل لحظي، ثم قاموا بإجراء مسوحات سكّانية طويلة الأمد لجماعات الدلافين، وقابلوا صيادي الأسماك وراقبوهم لتحديد العواقب طويلة الأمد وقصيرة الأمد على البشر والدلافين على حد سواء.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر المواد الكيميائية صعبة التفكك على مستهلكي الأسماك؟

الدلافين كمرشد للصيد

بيّنت أحزمة المعاصم المتصلة بنظام تحديد المواقع التي قام الصيادون بارتدائها في الدراسة، أن الصيادين يتحركون تجاه المياه بسرعة عند وصول الدلافين وأنهم يلقون الشباك بمعدل أكبر عند وجود الدلافين في المنطقة التي يصيدون الأسماك فيها. وعلى الرغم من أن انجذاب الدلافين إلى هذه المنطقة بسبب وجود الأسماك فيها هو مجرد احتمال، فإن الصيادين يتوجهون إلى المناطق التي توجد الدلافين فيها.

وفقاً لنتائج الدراسة؛ يمكن أن يزيد التعاون بين البشر والدلافين من احتمال نجاح عملية الصيد وعدد الأسماك التي يتم صيدها. بالإضافة إلى ذلك، ازداد معدل بقاء الدلافين التي تتعاون مع الصيادين بنسبة 13%. وعند وجود الدلافين، يبلغ احتمال النجاح في صيد أسماك البوري (وهو نوع الأسماك المشمول في الدراسة) 17 ضعف احتمال الصيد في غيابها؛ كما يصيد الصيادون كمية من الأسماك عند وجود الدلافين تبلغ نحو 4 أضعاف الكمية التي يصيدونها في غياب الدلافين.

قال عالم الأحياء في معهد الثدييات البحرية في جامعة ولاية أوريغون والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، ماوريسيو كانتور (Mauricio Cantor)، في بيان صحفي: "نعلم من قبل أن الصيادين يراقبون سلوك الدلافين لتحديد أوقات إلقاء الشباك؛ ولكننا اكتشفنا أيضاً أن الدلافين كانت تنسّق جهودها بشكل متعمّد مع الصيادين"، وأضاف: "تمكنّا باستخدام الطائرات من دون طيار والكاميرات تحت المائية من مراقبة سلوك الصيادين والدلافين بتفصيل غير مسبوق، ووجدنا أن الصيادين يصطادون المزيد من الأسماك من خلال مزامنة عملهم مع تحركات الدلافين".

اقرأ أيضاً: كيف يتذكر سمك الدانيو المخطط طريق العودة إلى موطنه؟

سمة تعاونية نادرة غير وراثية

يُعتبر التزامن في تحركات أسراب الطيور والأسماك شائعاً على سطح المياه؛ لكن هذا النوع من السلوك المتزامن الذي يتبعه نوعان مختلفان مثل دلافين جزيرة لاهيل قارورية الأنف وصيادي الأسماك البرازيليين الذين يستخدمون الشباك، يُعدّ أكثر ندرة. ووفقاً لكانتور؛ تقتصر هذه العلاقة التعاونية لصيد الأسماك على هذه الجماعة من الدلافين، وهي ليست سمة وراثية.

قال كانتور: "من وجهة نظر الصيادين، يُعتبر هذا التعاون جزءاً من ثقافة المجتمع من أكثر من جانب"، وأضاف: "يكتسب هؤلاء المهارات من الصيادين الآخرين، وتنتشر المعارف من خلال التعلم الاجتماعي حيث يشعر الصيادون أيضاً بالارتباط بالمنطقة التي يعيشون فيها وبأنهم ينتمون إلى المجتمع".

قام فريق المؤلفين الذي يشمل باحثين من الولايات المتحدة والبرازيل وسويسرا وأستراليا باستخدام النماذج التنبؤية لدراسة جماعات أسماك البوري التي يصطادها كل من البشر والدلافين. مع ذلك، تستمر أعداد هذه الأسماك ذات اللون الفضي بالتناقص؛ ما يمكن أن يهدد قابلية استخدام الاستراتيجية التعاونية الفريدة بين البشر والدلافين.

جوانب حيوية لهذه الاستراتيجية

لاحظ الباحثون بالفعل علامات تبين تراجع استخدام هذه الاستراتيجية. وقال عالم الأحياء في جامعة سانتا كاتارينا الفيدرالية في البرازيل والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، فابيو داورا-جورجي (Fábio Daura-Jorge)، في بيان صحفي: "إذا اتخذنا إجراءات لتوثيق المعارف والجوانب الثقافية لهذه الاستراتيجية والحفاظ عليها، يمكننا التأثير بشكل إيجابي وغير مباشر في الجوانب الحيوية أيضاً".

اقرأ أيضاً: على طريقة مناعة القطيع: شعاب مرجانية يمكن أن تنقذ أنوعاً أخرى مهدّدة بالخطر

وأشار مؤلفو الدراسة إلى أن كلاً من جهود الحفاظ على جماعات سمك البوري وتوفير الحوافز مثل تحديد أسعار مرتفعة للأسماك التي تم صيدها بتطبيق هذه الاستراتيجية، ضروري لضمان استمرارية هذه الاستراتيجية التكافلية.

قال داورا-جورجي: "لا نعلم ما قد يحدث في المستقبل ولكننا نتوقّع باستخدام أدق البيانات المتوفرة وأكفأ النماذج التي صممناها أنه إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء؛ سيتخلى الصيادون أو الدلافين عن هذه الاستراتيجية التعاونية في المستقبل".

المحتوى محمي