من البديهي أن الطائرة التي تنفث دخاناً أبيض وراءها عبر السماء الزرقاء تحلق على ارتفاع آلاف الأمتار عن سطح الأرض، ولكن ما هو ارتفاعها بدقة؟ اتضح أن ارتفاع الطائرة الدقيق في أي مرحلة معينة يتعلق بعدة عوامل، مثل وزن الطائرة ودرجة الحرارة والطقس وتفضيلات الطيارين والبروتوكول المتعلق باتجاه الطائرة، وبالطبع، تعليمات مركز مراقبة حركة الطيران.
إليك ما تحتاج إلى معرفته حول كيفية تحديد ارتفاع الطائرة.
كيف يحدد مراقبو الحركة الجوية ارتفاع الطائرات؟
يقول الطيار المتقاعد في مجال الطيران التجاري، جون كوكس، والذي يدير الآن شركة استشارية تُسمى سيفتي أوبريتنغ سيستمز (Safety Operating Systems): "تحلق الطائرات عادة على ارتفاعات تصل إلى أكثر من 30 ألف قدم، وقد يصل ارتفاعها إلى 40 وحتى 41 ألف قدم في حالات نادرة".
يتحدث مراقب الحركة الجوية المتقاعد والمدير الحالي للسلامة والتكنولوجيا في الرابطة العمالية الوطنية لمراقبي الحركة الجوية (NATCA)، توم أدكوك، عن أرقام تقديرية مماثلة، ويقول إن الطائرات تحلّق على ارتفاعات تزيد على 30 ألف قدم وقد تصل أحياناً إلى 41 وحتى 43 ألف قدم. ويضيف: "يختلف الارتفاع الأقصى الذي يمكن للطائرات الوصول إليه حسب نوعها، فطائرة بوينغ 757 يمكنها التحليق على ارتفاع 42 ألف قدم، بينما يمكن لطائرة بوينغ 767 التحليق على ارتفاع 43 ألف قدم، أما طائرة بوينغ 747-400، فيمكنها التحليق على ارتفاعات أكبر.
اقرا أيضاً: كيف تطير الطائرات؟
يأخذ مراقبو الحركة الجوية في الاعتبار الاتجاه الذي تسير فيه الطائرة عند تحديد الارتفاع للطيارين. على الرغم من أن الرقمين 39,000 و38,000 زوجيان، ينظر مراقبو الحركة الجوية إليهما بطريقة مختلفة، فيعتبرون الرقم 39,000 فردياً (يأخذون الرقم 39 في الاعتبار فقط)، وبالمثل يعتبرون الرقم 38,000 زوجياً.
على هذا النحو، تُوجه الطائرات المتجهة غرباً للتحليق على ارتفاعات زوجية مثل 38 ألف قدم، بينما تُوجه الطائرات المتجهة شرقاً للتحليق على ارتفاعات فردية مثل 39 ألف قدم. وبهذه الطريقة، يمكن توفير درجة معينة من الفصل الرأسي بين الطائرات التي تسير في اتجاهين متعاكسين. وإذا كانت الطائرة تسير في اتجاه الشمال الشرقي أو الجنوب الشرقي، يجب أن تحلّق على ارتفاع فردي أيضاً، أما إذا كانت تسير في اتجاه الشمال الغربي أو الجنوب الغربي، فيجب أن تحافظ على ارتفاع زوجي.
ويقول كوكس إن هناك استثناءات لهذه القاعدة، مشيراً إلى أنه من الناحية النظرية، يمكن للطيار طلب التحليق على ارتفاع 32 ألف قدم (ارتفاع زوجي) إذا ما كان يتجه شرقاً في الليل، ومن الممكن أن يرفض مراقب الحركة الجوية ذلك، وهو أسوأ ما قد يحدث.
بطريقة ما، يتبع نظام الارتفاعات الفردية والزوجية هذا نمطاً مشابهاً لنظام ترقيم الطرق السريعة بين الولايات على الأرض، والذي يعكس في الواقع اتجاهاتها؛ حيث تُعطى الطرق التي تمتد من الشرق إلى الغرب أرقاماً زوجية (على سبيل المثال، الطريق 80)، ويقل الرقم كلما اتجهنا جنوباً، بينما تُعطى الطرق السريعة التي تمتد بين الولايات الشمالية والجنوبية أرقاماً فردية وتبدأ الأرقام الأصغر في الغرب (على سبيل المثال، الطريق 5). لمزيد من المعلومات حول نظام ترقيم الطرق السريعة، انقر هنا.
اقرأ أيضاً: ما هو التلغراف وكيف يستخدم شيفرة مورس؟
تحديد الارتفاع الأفضل
تدخل عدة عوامل في تحديد الارتفاع الدقيق للطائرة في مختلف مراحل الرحلة، ويرى كوكس أنه من الأفضل بشكل عام التحليق على ارتفاعات أعلى، إذ يقول: "يجب التحليق على أعلى ارتفاع ممكن، لأن المحركات النفاثة تعمل بكفاءة أكبر عندها، كما أن مقاومة الهواء هناك أقل". ويشير كوكس إلى أن الطيارين يفضلون تقليل استهلاك الوقود لتوفير فائض احتياطي يفيدهم إذا ما اضطروا للبقاء فترة أطول في الجو.
ويقول إن قاعدة التحليق على ارتفاعات أعلى لتقليل استهلاك الوقود تنطبق أيضاً على الرحلات القصيرة: "حتى في الرحلات القصيرة، فإن الصعود بالطائرة إلى ارتفاعات عالية وتقليل الطاقة ثم زيادتها مجدداً عند الهبوط هو الطريقة الأكثر كفاءة لاستهلاك الوقود. قد أرتفع حتى 31 ألف قدم ولا أبقى هناك إلا 5 دقائق فقط".
يوفر كمبيوتر إدارة الرحلة للطيار بيانات حول الارتفاع المثالي للطائرة وأقصى ارتفاع يمكن أن تصل إليه مع مراعاة وزنها ودرجة حرارة الهواء. يمكن للطائرة الصعود إلى ارتفاعات أعلى بعد أن تستهلك الوقود وتفقد وزنه.
وفقاً لكوكس، يحاول الطيارون التحليق على الارتفاع المثالي أو الصعود إلى أقصى ارتفاع ممكن حيث تخلو الأجواء من المطبات الجوية ويمكن تجنب الرياح المعاكسة القوية، لا سيما عندما تتجه الطائرة إلى الغرب. في بعض الحالات، قد يطلب مراقب الحركة الجوية من الطيار زيادة ارتفاع طائرته بما يتجاوز قدراتها، وفي هذه الحالة يجب على الطيار رفض الطلب.
تحلق طائرات أخرى في الجو إلى جانب الطائرات التجارية؛ على سبيل المثال، تحلق الطائرات الخاصة في الرحلات القصيرة جداً، مثل طائرة سيسنا 172 (Cessna 172)، على ارتفاع أقل من 10 آلاف قدم (لا يمكنها الارتفاع أكثر لأنها غير مضغوطة)، وأحياناً تحلق على ارتفاع 5 آلاف قدم أو نحو ذلك. تحتل الطائرات التجارية ذات المحركات التوربينية العنفية موقعاً متوسطاً بين الطائرات الصغيرة والطائرات النفاثة الكبيرة، على سبيل المثال، صُممت طائرة بومباردييه كيو 400 (Bombardier Q400) التي تستخدمها خطوط ألاسكا الجوية لتحلق على ارتفاعات لا تتجاوز 25 ألف قدم، إذ يقول توم أدكوك إن نطاق مثل هذه الطائرات يتراوح بين 20 ألفاً و23 ألف قدم فقط.
أما الارتفاعات الأعلى فهي محجوزة للأثرياء الذين يمتلكون طائرات خاصة، مثل طائرات ليرغيت وغلف ستريم، والتي يمكنها التحليق على ارتفاعات أعلى من 45 ألف قدم ويمكن أن تصل حتى 51 ألف قدم.
الوصول إلى ارتفاعات أعلى مثير أكثر. يتذكر كوكس عندما كان في طائرة الكونكورد الأسرع من الصوت والتي حلقت على ارتفاع 60 ألف قدم: "عندما تصل إلى تلك الارتفاعات، تصبح السماء زرقاء داكنة جداً، ويمكنك رؤية خط نحناء الأرض. يبدأ الفضاء عملياً على ارتفاع أعلى من ذلك بكثير، ولكن عندما كنت على متن الكونكورد على ارتفاع 60 ألف قدم، تمكنت من رؤيته بوضوح".