مثلما يعتمد البشر على عائلاتهم، تعتمد الذئاب على قطعانها، إنها البنية الاجتماعية الأساسية لجميع الأنواع. يعتمد بقاء قطيع الذئاب على ديناميكيات مختلفة، مثل تحديد القادة وتربية الجراء واستراتيجيات الصيد، والاستجابة للتهديدات.
لكن معظم الأبحاث التي تناولت الذئاب ركّزت حتى الآن على الذئاب ككل بدلاً من التركيز على كل قطيع على حدة. على الرغم من الوفيات التي يسببها النشاط البشري بين الذئاب، لا تزال أعدادها مستقرة نسبياً، ولكننا ندرك أيضاً أن بعضها يتجنب الاقتراب من الطرق المزدحمة، وأن الذئاب التي تتعرض للصيد المكثّف تزداد لديها مستويات هرمونات التوتر، وأن النشاط البشري وتطوره يؤدي إلى تمزيق مواطنها. دفعت هذه الفجوة في فهم الذئاب مجموعة من موظفي إدارة المتنزهات الوطنية وعلماء الأحياء للتساؤل: كيف يؤثر النشاط البشري في قطعان الذئاب الفردية؟
اقرأ أيضاً: كيف أثرت الحياة في أماكن معزولة على النظام الغذائي للذئاب؟
كيف يؤثر النشاط البشري في قطعان الذئاب الفردية؟
دفع هذا السؤال الباحثين إلى إجراء دراسة جديدة نُشرت نتائجها مؤخراً في مجلة فرونتيرز إن إيكولوجي آند إنفايرومنت" (Frontiers in Ecology and Environment). حللت الدراسة تأثر نحو 193 قطيعاً من الذئاب في 5 متنزهات ومحميات وطنية بموت الذئاب نتيجة لنشاط الإنسان، مثل الصيد والصيد الجائر وحوادث السيارات وأسر الحيوانات لأغراض البحث العلمي.
استخدم الباحثون البيانات التي تم جمعها من هذه المتنزهات منذ أواخر الثمانينيات حتى الوقت الحالي، وأشارت نتائجهم إلى أن أكثر من ثلث الذئاب التي ترتدي أطواق التتبع والتي تعيش بشكلٍ أساسي في تلك المتنزهات الوطنية، ماتت بسبب الأنشطة البشرية، وكانت لهذه الوفيات تداعيات سلبية على بعض القطعان.
كانت احتمالات تكاثر القطعان التي تأثرت بالوفيات التي يسببها الإنسان أقل من غيرها، بينما قلل فقدان قائد القطيع فرص بقاء الأفراد في القطيع أو إنجاب جراء في العام التالي. اكتشف الباحثون أن لحجم القطيع أهمية أيضاً: إذ كانت القطعان الأصغر حجماً أكثر عرضة للتفكك، بينما أظهرت القطعان الأكبر حجماً قدرة أكبر على التحمل.
اقرأ أيضاً: لنحرص على حمايتها: كيف يمكن أن تؤثر القنادس والذئاب على الأنظمة البيئية؟
تقول المؤلفة الرئيسية للبحث والباحثة المشاركة في مشروع يلوستون وولف التابع لإدارة المتنزهات القومية، كيرا كاسيدي، إن تكيّف الإنسان مع وفاة رب الأسرة أو وفاة فردين على التوالي أصعب بكثير ويسبب زعزعة أشد. في المقابل، تضم مجموعات الذئاب الأكبر حجماً عدداً أكبر من الأفراد القادرين على تولي المسؤوليات والواجبات التي يخلفها موت أحد أفراد القطيع.
كانت احتمالات تكاثر القطعان التي تأثرت بالوفيات التي يسببها الإنسان أقل من غيرها، بينما قلل فقدان قائد القطيع فرص بقاء الأفراد في القطيع أو إنجاب جراء في العام التالي.
الذئاب حيوانات هشة اجتماعياً
تقول كاسيدي إنها لاحظت هذا الأمر مؤخراً في مشروع يلوستون وتروي إحدى مشاهداتها في هذا الصدد. في أواخر عام 2021 وقبل موسم الصيد، كان عدد أفراد قطيع "جنكشن بيوت" (Junction Butte Pack) الذي يعيش في المحمية 28 فرداً، وكان يعتبر من القطعان الكبيرة نسبياً.
قتل الصيادون منه 8 ذئاب فتية بشكلٍ قانوني، إذ كانت تتجول خارج المتنزه. لكن سرعان ما تعافى القطيع وسُجلت 4 ولادات جديدة في ربيع عام 2022، وأصبح يضم الآن 25 فرداً. ربما لو كان القطيع أصغر حجماً لتشتت واختفى أو لم يكن سينتج هذا العدد من الولادات الجديدة. يقول المؤلف المشارك في الدراسة وكبير علماء بيولوجيا الذئاب في مشروع يلوستون الذي تقاعد حديثاً، دوغ سميث: "الذئاب حيوانات هشة اجتماعياً".
ويقول الأستاذ في جامعة مونتانا غير المشارك في الدراسة، والذي يدرس الذئاب وذوات الحوافر، مارك هيبلوايت، إن الدراسة تؤكد أهمية مراقبة قطعان الذئاب تحديداً بدلاً من التركيز على أعدادها فقط. يسلّط هذا الفهم الجديد الضوء على حقيقة أن من يعملون في إدارة الحياة البرية لا يمكنهم حمايتها دائماً بفرض الحدود التي يجب أن تعيش الحيوانات فيها.
اقرأ أيضاً: كيف تسبب الانتقاء الاصطناعي في ظهور سلالات الكلاب؟
يقول هيبلوايت: "يُبيّن هذا التقرير أن الحيوانات التي تعيش في المتنزه، مثل الذئاب وثيران البايسون، تكون عرضة للصيد حين تخرج منه. إذ تقضي معظم فصل الصيف وهي تشاهد مئات السيارات وآلاف الناس يمرون بالقرب منها دون أن يصيبوها بأذى. لذلك تتشجع على التجول خارج المتنزه وتقترب من مخيمات الصيد فتصبح فريسة سهلة للصيادين".
يأمل المؤلفون أن تحفّز الدراسة المزيد من التعاون بين المتنزهات الوطنية والدول المجاورة للحد من تأثير البشر على الذئاب التي تعيش بالقرب من حدود المناطق المحمية. تقول كاسيدي: "يؤكد هذا التقرير أهمية القطعان، كما يسلّط الضوء على ضرورة فهم مسؤولية البشر الكبيرة عما تعانيه الأنواع الأخرى. أنا فخورة لأن هذه الدراسة تعطي الناس معلومات لفهم تأثيرهم في قطعان الذئاب".