في منتصف شهر مايو/ أيار 2023، دخل مراسلو صحيفة نيويورك تايمز إلى ما وراء الكواليس في حديقة حيوانات أوريغون لإلقاء نظرة مباشرة على البيوض المزيفة التي طورها الخبراء في هذه الحديقة ضمن برنامج حضانة نسور الكندور المهددة بالانقراض.
تكمن فكرة هذا البرنامج في أن مقدمي الرعاية يمكنهم وضع بيوض ذكية مكان البيوض الحقيقية التي تضعها هذه الطيور، ولها الشكل والملمس نفسهما. زُوّدت هذه البيوض المصممة خصيصاً والمطبوعة في الطابعات الثلاثية الأبعاد بأجهزة استشعار يمكنها مراقبة البيئة العامة للأعشاش والسلوكيات الطبيعية التي تتبعها نسور كندور كاليفورنيا (مثل مدة حضانة البيوض والأوقات التي يتبادل الأبوان الأدوار فيها).
بيوض ذكية لمراقبة سلوك الطيور
تحتوي البيوض الذكية أيضاً على أجهزة صغيرة لتسجيل الصوت تستطيع التقاط الأصوات المحيطة، بالإضافة إلى أنها قادرة على جمع البيانات المتعلقة بدرجة الحرارة والحركة المحيطة. ولكن ما هدف كل ذلك؟
يهدف الخبراء في حديقة حيوان أوريغون إلى استخدام البيانات التي تجمّعها البيوض لإعادة إنشاء الظروف الطبيعية بصورة أدق داخل الحاضنات الاصطناعية، سواء تطلّب ذلك تعديل درجات الحرارة في هذه الآلات أو دمج ميزة الحركات الدورية فيها أو تشغيل الأصوات المأخوذة من الأعشاش الحقيقية، ما سيحسن من جودة نتائج عملية الحضانة في أحسن الأحوال. خبراء هذه الحديقة ليسوا الوحيدين الذين يستخدمون هذه التكنولوجيا.
اقرأ أيضاً: لماذا تحتاج الطيور التي لا تطير مثل النعامة إلى الريش؟
"فرس نهر جاسوس"
قد تبدو نشاطات برنامج حضانة نسور الكندور الذي يجريه خبراء حديقة حيوانات أوريغون مألوفاً بالنسبة لك إذا كنت من معجبي برنامج "جاسوس في البرية" (Spy in the Wild) الذي يُعرض على شبكة بي بي إس (PBS). تتمثل فكرة هذا المسلسل الرئيسية في أن المهندسين يصنعون روبوتات واقعية للغاية لها أشكال الحيوانات والبيوض والصخور وغيرها، وذلك للتقرّب من مختلف أشكال الحياة البرية من جميع أنحاء العالم.
إذا تطلّبت عملية الرصد الخفية لتفاصيل حياة الحيوانات في حدائق الحيوانات تطبيق حلول تكنولوجية مبتكرة، فلك أن تتخيل التحديات التي تواجه دراسة الحيوانات التي تعيش في بيئاتها الطبيعية ضمن مناطق خطيرة أو مؤذية للبشر وليس من الممكن زيارتها. وبأخذ حقيقة وجود الكاميرات والمعدات الثقيلة الأخرى في الاعتبار، تصبح الرحلات إلى هذه المناطق أصعب أيضاً. بدلاً من الاعتماد على البشر لتطبيق طريقة جين غودال (وهي عالمة رئيسيات وأنثروبولوجيا مشهورة) التي تتضمن الانخراط في مجتمعات الحيوانات، يمكن أن يوفر الجواسيس المتخفون رؤى لا تقدر بثمن لسلوك المجموعة أو الأفراد وعاداتهم دون أن يفرطوا في التطفل أو التدخل في حياة الحيوانات العادية.
عربة جوالة على شكل بطريق
اختبار الطرق غير التقليدية مثل هذه ضروري للباحثين حتى يتمكّنوا من فهم الحيوانات المهددة بالانقراض قدر الإمكان؛ إذ إنهم يضطرون لجمع المعلومات المهمة عنها في إطار زمني ضيق نسبياً للإسهام في الحفاظ عليها.
بيّنت دراسة أجريت عام 2014 ونُشرت في مجلة نيتشر (Nature) أن استخدام عربة جوالة على شكل بطريق يساعد على جمع كمية أكبر من البيانات المفيدة عن مستعمرات البطريق مقارنة بالباحثين البشر الذين أدى وجودهم إلى ارتفاع مستويات التوتر لدى هذه الحيوانات، ما يثبت أن هذه الاختراعات لها فائدة عملية وليست أجهزة تهدف لجذب الانتباه فقط.
اقرأ أيضاً: كيف نجت الطيور من كارثة الانقراض
ما الهدف من عمليات التجسس على الحيوانات هذه؟
لطالما كان التخفيف من التأثيرات التي يولدّها العلماء تحدياً صعباً في الأبحاث السلوكية في مجال العلوم الطبيعية. تتسبب أجهزة الاستشعار الجديدة الإبداعية مثل بيوض التجسس بإحداث تغيير في هذا المجال البحثي، إلى جانب التقدمات الجديدة في التكنولوجيات الأخرى مثل الكاميرات الأعلى جودة ونقل البيانات الفوري. تتمثّل إحدى الفوائد الأخرى في تمتع أشخاص آخرين من غير العلماء بالقدرة على الدخول الحصري إلى حياة هذه الحيوانات ورصد تفاصيلها، كما يفعلون في البرنامج الوثائقي، "جاسوس في البرية" (Spy in the Wild)، والاستفادة من هذه التفاصيل للتفاعل مع العالم من حولهم.