هل تعمل حالياً في مهمة مستعجلة لكن عقلك في مكانٍ آخر؟ يعلم الجميع مشكلات التركيز، خاصةً عندما نكون في أمس الحاجة له.
إلى جانب القوة العقلية، فإن التركيز هو أهم مطلب لنجاحك على المستوى الشخصي والمهني، سواء في المكتب أو في الحياة الشخصية. ومع ذلك، في عالم اليوم سريع الخطى والمليء بالمشتتات، يمكن أن يمثّل الحفاظ على التركيز تحدياً حقيقياً. في هذا المقال سنتعرف إلى أسباب ضعف التركيز وبعض الحيل والنصائح لتحسينه.
أسباب ضعف التركيز
يعمل الدماغ كآلة عالية الأداء؛ فهو يتلقّى المعلومات ويقيّمها ويعالجها كل ثانية. لكن في بعض الأحيان، يمكن لهذه الآلة أن تتباطأ ويتراجع أداؤها، ليبدو الأمر وكأن الأفكار تتجول في الدماغ بلا هدى. هناك عدة أسباب محتملة لذلك، ومنها:
- تزاحم المعلومات: على سبيل المثال، قد تبدأ بالعمل على حاسوبك الشخصي، ثم يتعالى صوت التلفاز في الخلفية تدريجياً، وتتوالى الرسائل والإشعارات إلى هاتفك المحمول. مع هذا الفيض من المعلومات قد يتشتت الدماغ ويفقد القدرة على تصنيف المعلومات وفقاً لأولويتها ومعالجتها. وقد بيّن فريق دولي من الباحثين من خلال المراجعة المنشورة في دورية "ورلد سايكيتري" (World Psychiatry)، أنه من الصعب التركيز على مهمةٍ واحدة عندما تكون متصلاً بالإنترنت، ويستمر هذا التأثير حتى عندما يكون المتصفح مغلقاً. على سبيل المثال، كان الأشخاص المشاركون في البحث، والذين زاروا مواقع التسوق عبر الإنترنت لمدة 15 دقيقة، أقل قدرة على التركيز على المهام من مجموعة المقارنة التي سبق لها قراءة مجلة.
- عوامل الإجهاد الجسدي: الإصابة ببعض الأمراض أو الحالات الصحية مثل اضطرابات النوم والاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
- الآثار الجانبية للأدوية: يمكن لبعض الأدوية، وخاصة مضادات الكولين المستخدمة لعلاج سلس البول أو الاكتئاب أو الحساسية، أن تبطئ سرعة المعالجة وقدرتك على التفكير بوضوح.
نصائح لتحسين التركيز
لحسن الحظ، هناك العديد من الأساليب والنصائح المساعدة على تحسين قدرتنا على التركيز، ومنها:
1. قيّم مستوى تركيزك الذهني
لتحديد الأسلوب الأمثل لزيادة التركيز، عليك بداية تقييم درجة تركيزك الحالية، وذلك من خلال النقاط التالية:
تركيزك جيد عندما تتمتع بـ:
- يسهل عليك البقاء في حالة انتباه وتأهب.
- يمكنك تحديد أهدافك بسهولة، وتقسيمها إلى أجزاء مهام وإنجازات صغيرة.
- تأخذ فترات استراحة قصيرة بين الحين والآخر، ثم تعود للعمل.
تركيزك ضعيف عندما:
- تعيش في عالم أحلام اليقظة في معظم الأوقات.
- يصعب عليك التخلص من المشتتات.
- تفقد مسار تقدمك.
إذا كنت أكثر ميلاً للمجموعة الأولى فأنت تتمتع بمهارات تركيز جيدة، ولكنك تحتاج إلى القليل من التدريب. أمّا إذا وجدت نفسك في المجموعة الثانية، فربما تحتاج إلى تحديد العوامل المشتتة لك، وتحسين بعض عاداتك.
2. تخلص من المشتتات
التخلص من المشتتات هو أول خطوات تحسين التركيز. وعلى الرغم من استخفاف بعض الأشخاص بعدد من عوامل التشتت التي تمنعهم من التركيز على المهمة التي يقومون بها، فإن الأشياء البسيطة هي التي يجب البدء بها، مثل:
- الانتقال إلى منطقة هادئة.
- إيقاف تشغيل الإشعارات على هاتفك أو إيقاف تشغيل هاتفك تماماً.
- إغلاق باب مكتبك.
- تنبيه من حولك بتجنب تشتيت انتباهك لفترة من الوقت.
- إغلاق البرامج أو التطبيقات التي ليست ضرورية على جهاز الكمبيوتر الخاص بك.
- تشغيل موسيقى هادئة أو ضوضاء بيضاء.
- إلغاء الفوضى في المكان الذي ستعمل فيه.
3. قلل مهامك
يبدو تعدد المهام سمة مميزة للبعض، إلا أنه قد يفوق قدرات البعض الآخر. في دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2009 على عينة مكونة من 100 طالب، ونُشرت في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية (PNAS)، أشار نصف الطلاب المشاركين إلى أنفسهم على أنهم متعددو المهام، بينما لم يرَ النصف الآخر في نفسه ذلك. استنتج الباحثون أن أولئك الذين يقومون بعدة مهام في الوقت ذاته يمكن لأي شيء أن يشتت انتباههم.
اقرأ أيضاً: أفضل 8 عادات صباحية لتعزيز صحتك ونشاطك وإنتاجيتك
4. مرّن دماغك
اقترحت دراسة نشرت في دورية بلوس ون (PLoS One)، وأجريت على 4715 بالغاً، أن تدريب الدماغ لنحو 15 دقيقة يومياً ولـ 5 أيام في الأسبوع، يمكن أن يحسّن من التركيز، كما أن ألعاب تمرين الدماغ قد تسهم في تطوير الذاكرة العاملة والذاكرة قصيرة المدى، بالإضافة إلى مهارات المعالجة وحل المشكلات. على سبيل المثال يمكنك تجربة:
- سودوكو.
- الكلمات المتقاطعة.
- الشطرنج.
- الألغاز.
- البحث عن كلمة المفقودة.
- ألعاب الذاكرة.
اقرأ أيضاً: 10 أنشطة لتقوية الذاكرة بعد سن الـ 40
5. الجأ إلى تقنية بومودورو لإدارة الوقت
تساعد إدارة الوقت في إنجاز الجزء الأكبر من المهمة أو أكبر عدد من المهام في أقل وقت ممكن، إلا أنه وبقدر ما يبدو هذا سهلاً لا يكون التنفيذ بتلك السهولة عادة. لكن تقنية بومودورو (Pomodoro Technique) قد تساعدك على تدريب عقلك للبقاء في مهمة لفترات قصيرة. وتعمل بالشكل التالي:
- اضبط المؤقت لمدة 25 دقيقة، وابدأ العمل.
- خذ استراحة لمدة 5 دقائق لدى انتهاء الوقت.
- اضبط المؤقت مرة أخرى.
- كرر العملية لـ 4 جولات، ثم يمكنك حينها أخذ استراحة أطول، ما بين 20-30 دقيقة.
6. غذِّ دماغك
الجوع والغضب هما العدوان الأساسيان للتركيز، لذا حاول دائماً رفع مستويات الطاقة لديك، وتهدئة مشاعرك، وتأكد من عدم تأخير أو تخطي وجبات الطعام، للحفاظ على تركيزك.
للحصول على غذاء متوازن، حاول تضمين وجبتك الغذائية العناصر التالية:
- البروتينات الخالية من الدهون: مثل لحم الدجاج والمأكولات البحرية وبياض البيض.
- الكربوهيدرات المعقدة: كما في الحبوب ومنتجاتها مثل الخبز الأسمر والبازلاء والفاصولياء والأرز والبطاطا.
- الدهون الصحية: كما في الأفوكادو والجوز والأسماك الدهنية والزيوت النباتية.
بشكلٍ عام، يوصي الباحثون في كلية الطب في جامعة هارفارد، بتناول الأغذية التالية:
- الخضار الورقية مثل اللفت والسبانخ والبروكلي.
- الأسماك الدهنية مثل السلمون.
- التوت والعنب البري والفراولة والعليق.
- الشاي والقهوة باعتدال.
7. مارس التأمل
يمكن أن تساعد تمارين اليقظة على زيادة الوعي لبقية اليوم من خلال توجيه انتباهك بمهارة إلى ما هو موجود الآن، لأنها تتطلب تركيزاً عالياً. لا يتضمن فقط الجلوس بصمت وعيناك مغمضتان، بل يمكنك تجربة اليوغا والتنفس العميق والعديد من الأنشطة الأخرى في التأمل.
كشفت الدراسة المنشورة في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية (PNAS)، أن الطلاب الذين مارسوا التأمل لنحو 20 دقيقة في اليوم ولمدة 4 أيام، تحسن أداؤهم بشكلٍ ملحوظ في بعض الاختبارات المعرفية.
وفي دراسة أخرى نُشرت في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية (PNAS)، كان الأشخاص الذين مارسوا التأمل أقل عرضة للانخراط في "شرود الذهن" وأكثر سعادة بشكلٍ عام. اقترح الباحثون في الدراسة أن السبب في ذلك يعود لتراجع انخراط المشاركين بما يُسمّى نشاط شبكة الوضع الافتراضي، وهي وظيفة من وظائف الدماغ مرتبطة بقضايا الانتباه والقلق والاكتئاب.
اقرأ أيضاً: الاسترخاء اليقظ العميق: نصيحة سوندار بيشاي الرئيس التنفيذي لجوجل لممارسة التأمل
8. مارس التمارين الرياضية
وجدت الدراسة المنشورة في دورية بيوميد للبحوث الدولية (BioMed Research International)، أن ممارسة طلاب الصف الخامس للنشاط البدني اليومي ساعدت على تحسين التركيز والانتباه بعد 4 أسابيع.
علاوة على ذلك، أفادت الدراسة المنشورة في دورية آفاق في علم الأعصاب الخلوي (Frontiers in Cellular Neuroscience) بأن التمارين المنتظمة، مثل الجري والسباحة ورفع الأثقال، قد تساعد على تحفيز إطلاق مادة كيميائية تُعرف بعامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF) تساعد على توصيل دارات الذاكرة.
تذكر أن تطوير هذه العادات يستغرق وقتاً، لذا كُنْ صبوراً مع نفسك بينما تسعى لتعزيز قدراتك على التركيز.