مع ارتفاع درجات حرارة المناخ والحرائق التاريخية المدمرة التي تجتاح كوكبنا، أصبح العثور على طرائق جديدة ومستدامة لحماية البشر والأنظمة البيئية من المخاوف المتزايدة بشأن الحرائق أمراً بالغ الأهمية. في السنوات الأخيرة، أصبح الغزل الفطري أو المايسيليوم (mycelium)، وهو هيكل يشبه الجذر يتكون من خيوط فطرية دقيقة، واحداً من أهم اكتشافات التكنولوجيا وأكثرها شعبية؛ إذ يُستخدم بوصفه أحد مكونات أجهزة الكمبيوتر التي يمكن ترقيتها ومواد البناء والجلود الصناعية. في الآونة الأخيرة، قطع الباحثون في المعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن (Royal Melbourne Institute of Technology) في أستراليا، خطوات واعدة لتحويل هذه المادة الفريدة إلى مادة مقاومة للحرائق تُستخدم في تغطية الأسطح.
مواد مقاومة للحرائق من الفطر
يقول الأستاذ في معهد رويال ملبورن للتكنولوجيا، والخبير في خصائص قابلية الاشتعال والخصائص الحرارية للمواد الحيوية، إيفرسون كانداري (Everson Kandare)، في بيان صحفي: "الميزة العظيمة في الغزل الفطري هي أنه يشكل طبقة حرارية واقية من الفحم أو المواد الكربونية عند تعرضه للاحتراق أو الحرارة المشعة، وكلما ارتفعت درجة الحرارة وزادت مدة التعرض لهذه الحرارة، زادت فعالية استخدام هذه الطبقة الحرارية الواقية بوصفها مادة مقاومة للحرائق".
اقرأ أيضاً: أقل من نصف قرن: دراسة تحدّد موعد انهيار غابات الأمازون
نشر كانداري وزملاؤه أبحاثهم حول الغزل الفطري بوصفه عاملاً مقاوماً للحرائق في مجلة "بوليمير ديغراديشن آند ستابيليتي" (Polymer Degradation and Stability) في وقت سابق من هذا الشهر. تمكّن الفريق من صنع صفائح رقيقة من الغزل الفطري المستخلَص من الفطريات القاعدية الصالحة للأكل أو التي تسمَّى "باسيديومايكوتا" (Basidiomycota)، وذلك باستخدام أحواض تحتوي على دبس السكر ذي المذاق الحلو، ثم أضافوا هيدروكسيد الصوديوم لتحويل مادة الكايتين (chitin) الموجودة في الغزل الفطري إلى مادة الكيتوزان (chitosan).
مادة الكيتوزان
وفقاً لمجلة "نيو ساينتست" (New Scientist)؛ عند تعرض الكيتوزان لألسنة اللهب التي تصل درجة حرارتها إلى 800 درجة مئوية، يتحول بسرعة إلى طبقة واقية من الفحم. تقول المؤلفة المشاركة، تيان وين (Tien Huynh)، لمجلة "نيو ساينتست": "اشتعلت النيران في المادة المصنوعة من الكيتوزان لمدة ثانية واحدة ثم انطفأت من تلقاء نفسها".
في الوقت الحاضر، يحتوي العديد من الألواح المركبة المستخدَمة في إكساء الأبنية على مواد بلاستيكية؛ إذ تشكل هذه المواد كابوساً لصحة الإنسان والبيئة عندما تحترق. يقول كانداري في البيان: "تُعد مثبطات الحرائق التي تحتوي على البروميد واليوديد والفوسفور والنيتروجين فعالة؛ لكنها تسبب آثاراً سلبية خطِرة على الصحة البشرية والبيئة لأن المواد المسرطنة والسموم العصبية يمكن أن تتسرب من هذه المواد وتنتشر في البيئة وتسبب ضرراً للحياة النباتية والحيوانية". وفقاً للباحثين؛ فإن الحل الذي ابتكروه باستخدام الغزل الفطري لا ينبعث منه سوى الماء وثاني أوكسيد الكربون ما يعني أنه لا توجد أي انبعاثات كيميائية ضارة.
اقرأ أيضاً: اكتشاف نوع نادر من النباتات الآكلة للفطريات
بالطبع، البلاستيك أرخص بكثير وأسهل في الإنتاج من زراعة الفطر؛ لكن تضيف وين في البيان إن بقايا النفايات العضوية من صناعة الفطر المتنامية يمكن أن تساعد يوماً ما على زيادة حجم مثل هذه المنتجات.
تقول وين: "يمكن أن يساعد التعاون مع صناعة الفطر في الاستغناء عن إنشاء مزارع جديدة؛ إذ يمكن إنتاج مجموعة من المنتجات التي تلبي احتياجات السلامة والوقاية من الحرائق بطريقة مستدامة وصديقة للبيئة، وذلك باستخدام مخلفات النفايات العضوية الناتجة من صناعة الفطر".