دراسة جديدة: المرجان يتكاثر نهاراً خلافاً للتوقعات

أدلة جديدة تبيّن أن المرجان يتكاثر في وضح النهار
كشفت جهود مؤسسة تاما نو تي تايروتو غير الربحية ("أطفال البحيرة" باللغة التاهيتيّة) وفريق يتألف من أكثر من 100 متطوع أن مرجان بوريتس روس يفرّخ بتزامن مثير للإعجاب، حتى إذا كانت الشعاب على بعد آلاف الكيلومترات عن بعضها. مصدر الصورة: مؤسسة تاما نو تي تايروتو غير الربحية

يذهب عالم البحار المولود في تاهيتي، فيتيا لياو، للغوص في الصباح الباكر 3 مرات أسبوعياً، ولكنه تأخّر ذات يوم. يحب لياو البدء بالغوص عند بداية شروق الشمس. ولكن في أحد الصباحات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، بدأت الشمس بالفعل تدفئ البحيرة قبالة جزيرة موريا، الجزيرة الشقيقة لتاهيتي في أرخبيل بولينزيا الفرنسية، عندما غاص لياو في المياه.

نظر لياو إلى الأسفل، ورأى الفروع المألوفة للنوع بوريتِس روس (Porites rus)، وهو مرجان شائع يعيش حول الجزر الغربية للأرخبيل ويشبه إلى حد ما الزنجبيل المنقوش ببذور الفراولة. رأى لياو أيضاً شيئاً آخر لم يره من قبل. كانت كتلة من الضباب الخفيف تتصاعد من الشعاب المرجانية. بدا له وكأن المرجان يصدر الدخان.

بحث لياو عن زملائه في المركز الفرنسي لأبحاث الجزر والمرصد البيئي في جزيرة موريا في بولينزيا الفرنسية ليخبرهم، ولكن لم ير أحدٌ أي شيء مثل هذا من قبل. مع ذلك، قدّم أحد الزملاء تفسيراً ينص على أن سبب هذه الظاهرة قد يكون أن الشعاب المرجانية تتكاثر.

فرضية جريئة مخالفة للتوقعات

هذه الفرضية جريئة؛ إذ يُعتقد أن تكاثر المرجان هو نشاط ليلي بأغلبه. تفرز كتل مختلفة من الشعاب المرجانية سحباً من البيوض الصغيرة والحيوانات المنوية في الماء في الوقت نفسه استجابة للمؤشرات البيئية مثل ظهور البدر والتقلبات في درجات الحرارة وحتى مدة الليل، وتخصَّب هذه البيوض ثم تتحرك مع التيار وتستقر في النهاية في مناطق جديدة في الشعاب. رصد العلماء تكاثر الشعاب المرجانية في وضح النهار بضع مرات قبل عام 2014، ولم يحدث ذلك في بولينزيا الفرنسية من قبل. هل يمكن أن مرجان بوريتس روس الذي رآه لياو كان يتكاثر؟

تطلق إناث هذا النوع بيوضاً تنجرف مع التيار لتتحد مع الحيوانات المنوية التي يطلقها الذكور. على الرغم من أن الأنواع الأخرى المعروفة من المرجان في المحيطين الهندي والهادئ، مثل التي تنتمي إلى جنس قمي المسام (Acropora)، تتكاثر مرة أو مرتين فقط سنوياً، يمكن أن تتكاثر شعاب بوريتس المرجانية أكثر من مرة خلال عدة أشهر متتالية. مصدر الصورة: مؤسسة تاما نو تي تايروتو غير الربحية

لم يشهد لياو هذه الظاهرة مرة أخرى لسنوات، على الرغم من أنه عاد إلى البحيرة عدة مرات. بعد ذلك، في عام 2018، رصدت إحدى صديقاته المياه الضبابية من منزلها الذي يطل على بحيرة أخرى في تاهيتي. حدث ذلك بعد ساعات قليلة من الفجر، تماماً كما حدث مع لياو. بعد التأكّد من الموعد المناسب للبحث، سرعان ما عثر لياو على أدلة تثبت ما افترضه زميله، وهو أن الضباب ناجم عن تكاثر المرجان في وضح النهار.

وثّق لياو ونحو 12 عالماً آخرون أحداث التفريخ خلال النهار في مختلف مناطق تاهيتي وموريا و4 جزر أخرى في الأرخبيل خلال العامين التاليين. اكتشف لياو في النهاية أن تكاثر بوريتس روس منتظم للغاية، إذ إنه يبدأ بعد 5 أيام من ظهور البدر من أكتوبر/ تشرين الأول إلى أبريل/نيسان من كل عام، بعد نحو ساعتين بعد الفجر، أي قرابة الساعة السابعة صباحاً في بولينزيا الفرنسية. يبدأ تكاثر المرجان من النوع نفسه في الشعاب الأعمق قرابة الساعة العاشرة صباحاً.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التلوث الضوئي على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر والخليج العربي؟

تكاثر الشعاب المرجانية في وضح النهار

يعمل لياو حالياً مع فريق يتألف من أكثر من 100 شخص من السكان المحليين، ويشمل العائلات وأطفال المدارس والصيادين والغواصين المتطوعين. أبلغ الفريق عن 226 حدث تفريخٍ خلال النهار في شعاب بوريتس روس، ومسح أفراده أكثر من 100 من الشعاب في 14 جزيرة، منها العديد من الشعاب الحلقية النائية. يقول لياو: "كان جمع هذه المعلومات سيستغرق وقتاً طويلاً من دون مساعدة السكان المحليين".

في عام 2020، رصدت عالمة الأحياء البحرية، كاميل ليونارد، دقة التفريخ خلال النهار في المركز الفرنسي لأبحاث الجزر والمرصد البيئي، حيث كانت تراقب نمو مرجان بوريتس روس في الخزانات في الوقت نفسه الذي كان الغواصون يراقبون فيه أحد الشعاب القريبة. تقول ليونارد: "فرّخ مرجان بوريتس في الدقيقة نفسها تماماً [في مكانين مختلفين]". كان التوقيت الذي وثقه لياو دقيقاً تماماً. تضيف ليونارد قائلة: "قلت لنفسي إن معلومات لياو دقيقة بالفعل".

لا يقتصر هذا التزامن المدهش في تكاثر المرجان على الأنواع التي تعيش في جزر بولينزيا. في ديسمبر/ كانون الأول 2022، بعد القراءة عن أبحاث لياو على موقع فيسبوك، وثّق عالم المرجان، فيكتور بونيتو، مع شركة ريف إكسبلورر فيجي، حدث تفريخٍ لشعاب بوريتس روس المرجانية بعد شروق الشمس بساعتين في دولة فيجي، على بعد أكثر من 3 آلاف كيلومتر عن جزر بولينزيا. رُصد التفريخ أيضاً في أوقات مماثلة بالقرب من جزيرة ريونيون التي تبعد 15 ألف كيلومتر وتقع في المحيط الهندي. مع ذلك، ما تزال أحداث التفريخ خلال النهار نادرة للغاية عموماً.

لم ينشر لياو حتى الآن بحثه الذي أجراه تحت مظلة مؤسسة تاما نو تي تايروتو (Tama No Te Tairoto) غير الربحية ("أطفال البحيرة" باللغة التاهيتيّة) وخارج وظيفته المتمثّلة في تنمية زراعة اللؤلؤ المستدامة في قسم الموارد البحرية في بولينزيا الفرنسية. يقول لياو إن نشر البحث يأتي في المركز الثاني في قائمة أولوياته بعد مشاركة المعارف مع السكان المحليين الذين ساعدوا في رصد الشعاب المرجانية.

العمل الذي أجراه الفريق مثير للإعجاب. يقول الباحث في المرجان في جامعة نيوكاسل في إنجلترا، جيمس غيست، والذي أطلق قاعدة بيانات تحمل اسم تفريخ المرجان: "لم أسمع من قبل بأي مشروع من مشاريع علم المواطنين حول تفريخ المرجان يتمتّع بنطاق واسع لهذه الدرجة". ساعدت إسهامات لياو في قاعدة البيانات هذه، والتي يجمع مطوروها البيانات حول أوقات تفريخ المرجان في المحيطين الهندي والهادئ ويشاركونها، على سد فجوات في الأدلة العلمية حول مرجان بوريتس. يقول غيست: "يركّز الباحثون على [مرجان] قمي المسام بصورة خاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تحديداً".

اقرأ أيضاً: الشعاب المرجانية معرضة للانقراض، والحل في تجميدها

اكتشاف قد يساعد على مساعدة المرجان على التعافي

ما يثير الإعجاب بالدرجة نفسها أن الباحثين يستغلون هذا الاكتشاف الجديد بالفعل لمساعدة المرجان. بفضل بحث لياو، توصي اثنتان من أكبر شركات الاستشارات البيئية في بولينزيا الفرنسية الآن بأن يوقف المطورون العقاريون الأعمال جميعها في المناطق الساحلية القريبة خلال فترة تفريخ مرجان بوريتس روس؛ لتجنّب التسبب باضطراب في عملية التكاثر.

يقول غيست إنه من المحتمل أن يصبح المرجان من جنس بوريتس هو المرجان المهيمن في الشعاب عبر المحيطين الهندي والهادئ مع استمرار تغير المناخ. يضيف غيست قائلاً إن هذا الجنس يتمتّع بقدرة تحمّل كبيرة. إذ إن الأنواع التي تنتمي إليه قادرة على تحمّل الظروف التي تتسبب بالضرر لأنواع المرجان الأخرى، مثل ارتفاع درجات الحرارة وتحمّض المحيطات وتعكّر المياه. تتكاثر هذه الأنواع أيضاً بمعدّل أعلى. يقول غيست: "لا شك في أنها تتمتّع بمقاومة أكبر بقليل من الأنواع الأخرى". ولكن "إذا اضطربت عملية [تكاثرها]، فسيكون تعافي الشعاب أبطأ، وذلك إذا تمكّنت من التعافي في المقام الأول".

اقرأ أيضاً: الشعاب المرجانية تُظهر تأثيرالتغير المناخي عليها، لكن لا يزال هناك أمل

مع ذلك، ما يزال العامل المسؤول عن التوقيت المميّز لتفريخ مرجان بوريتس روس غير معروف. قد يكون السبب مقداراً معيناً من الإشعاع الشمسي، أو ارتفاعاً محدداً في درجة الحرارة، أو كليهما، أو سبباً آخر. لم يتوقف لياو عن دراسة هذه الظاهرة؛ إذ إنه ركّب مؤخراً بتمويل من مؤسسة تاما نو تي تايروتو المحدودة الميزانية أجهزة تحمل اسم مقاييس الإضاءة في الشعاب للتحقّق مما إذا كان التفريخ مرتبطاً بطول موجي معين من الضوء. يقول لياو: "ربما لن نكتشف السبب وراء هذه الظاهرة". سواء تمكّن لياو من اكتشاف سبب هذه الظاهرة أم لا، ستستمر الشعاب المرجانية حول العالم بالتكاثر في أوقات دقيقة وفي وضح النهار.

المحتوى محمي