بدأت درجات الحرارة على طول الساحل الشرقي الأميركي بالتقلب بشكل كبير الشهر الماضي، من طقس بارد كبرد الشتاء - وهو أمر طبيعي في شهر فبراير – إلى حرارة مرتفعة كحرارة الصيف في اليوم التالي – وهو أمر غير عادي أبداً. ويعدّ ذلك مؤشراً بارزاً على تغير المناخ العالمي، وتحولاً مزعجاً للأحداث، لأنه يجبر الناس على تبديل ملابسهم، وإعادة ضبط موازين الحرارة وأجهزة التكييف بين يوم وآخر.
وكما اتضح، فإن مثل هذه التقلبات المفاجئة في درجة الحرارة قد تكون سيئة أيضاً لصحتك. إذ ربط باحثو أمراض القلب في ميشيغان مؤخراً بين التغيرات اليومية الشديدة في درجات الحرارة والزيادة الكبيرة في النوبات القلبية، وهي النتيجة التي تثير احتمالاً مزعجاً لآثار أخرى ضارة على صحة الإنسان لكوكبنا الذي يزداد حرارة.
وقالت هيدفيغ أندرسون – الباحثة في أمراض القلب بجامعة ميشيغان: "من المتوقع أن يسبب الاحترار العالمي ظواهر مناخية شديدة، مما قد يؤدي بدوره إلى تقلبات كبيرة في درجة الحرارة اليومية. وتشير دراستنا إلى أن مثل هذه التقلبات في درجة الحرارة في الخارج قد تؤدي إلى زيادة عدد النوبات القلبية وتؤثر على صحة القلب في العالم مستقبلاً".
إن العديد من الآثار الصحية الضارة الناجمة عن تغير المناخ تعتبر مؤكدة، وتتراوح بين تفاقم الحساسية الموسمية وانتشار الأمراض المُعدية، إلى التأثير المميت لموجات الحرارة والفيضانات والجفاف وغير ذلك.
وتشير الدلائل الموجودة أيضاً إلى أن تغير المناخ يرتبط بالفعل بمشاكل القلب، من الآثار الخطيرة لتلوث الهواء - بما في ذلك حرائق الغابات التي يغذيها المناخ - إلى حالة الإجهاد، وهي أحد عوامل الخطر المعروفة للإصابة بأمراض القلب. ففي عام 2016 على سبيل المثال، أفاد باحثو أمراض القلب في نيو أورليانز عن ارتفاع النوبات القلبية بنسبة ثلاثة أضعاف في السنوات التي تلت إعصار كاترينا، وذلك على الأرجح بسبب المعاناة التي يسببها الإجهاد والذي يتعرض له الكثير من السكان الذين خضعوا للانتقال وإعادة البناء في أعقاب العاصفة.
وأشار علماء ميشيغان - الذين أفادوا عن نتائجهم خلال اجتماع عقد مؤخراً للكلية الأميركية لأمراض القلب - إلى وجود مجموعة كبيرة من الأدلة العلمية التي تبين الآثار الضارة لدرجات الحرارة في الخارج على معدل النوبات القلبية، بما في ذلك الرطوبة العالية، وكذلك الحرارة والبرد الشديدين، مع حقيقة أن الطقس البارد يؤدي إلى أعلى المخاطر. ولكن معظم الأبحاث السابقة ركزت على درجات الحرارة اليومية بشكل عام، بينما تعدّ هذه الدراسة الجديدة من بين أولى الدراسات التي تبحث في العلاقة بين النوبات القلبية والانحرافات المفاجئة في درجة الحرارة.
وإلى جانب ازدياد درجات الحرارة الإجمالي، من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى مزيد من الظواهر المناخية المتطرفة وموجات الحرارة وموجات البرد اعتماداً على المكان الذي يعيش فيه الناس. وهناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن تغير المناخ - والاحترار في القطب الشمالي على وجه الخصوص - قد يؤدي إلى مجرىً نفاث أكثر تقلباً، والذي ينتج عنه مستويات متطرفة في درجات الحرارة والأمطار والجفاف وما إلى ذلك في مناطق خطوط العرض الوسطى مثل الولايات المتحدة، وذلك أحد أسباب معاناة أجزاء من البلاد من تقلبات حادة في درجات الحرارة في أوقات غريبة وغير متوقعة.
وأضافت أندرسون بأن العلماء ما زالوا لا يعرفون الآلية الأساسية الدقيقة التي قد تقف وراء ذلك، وقالت: "على الرغم من أن للجسم أجهزة فعالة في الاستجابة لتغيرات درجة الحرارة، إلا أن التقلبات الأكثر سرعة وشدة قد تخلق مزيداً من الضغط على تلك الأجهزة، مما قد يساهم في حدوث مشاكل صحية".
وشدّد هتندر غورم - أستاذ الطب ومساعد رئيس الأطباء السريري في كلية الطب بجامعة ميشيغان وأحد الباحثين المشاركين في الدراسة - على أن النتائج التي توصلوا إليها لا تثبت بالضرورة بأن التقلبات المفاجئة في درجات الحرارة هي السبب في زيادة النوبات القلبية، ويجب أن يستمر الناس في التركيز على عوامل الخطر الأخرى المساهمة، مثل التدخين وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول.
وقال: "نحن نعلم بأن التدخين ومرض السكري وارتفاع الكوليسترول والبدانة وعدم ممارسة الرياضة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأمراض القلب، وهي أمور قابلة للتغيير. ويجب أن يركز الناس على هذه الأمور لأننا نعلم بأن تغييرها يمكن أن يحدث فرقاً. وفي الوقت الحالي فإن أفضل ما يمكن أن يفعله الشخص هو الانتباه لهذه الأشياء. فهي أكثر أهمية بكثير من القلق بشأن درجات الحرارة. ومع ذلك، فمع التغييرات المتوقعة في أنماط المناخ والطقس في العالم، فإننا نحتاج إلى دراسة هذا الأمر لأنه لا يتعلق بالمستقبل فحسب، وإنما يحدث اليوم أيضاً، ويمكن أن يصبح مشكلة صحية عامة ومهمة".
ويعتمد البحث على بيانات من أكثر من 30 ألف مريض تم علاجهم في 45 مستشفى في ميشيغان بين عامي 2010 و2016. وقد خضعوا جميعاً للتدخل التاجي عن طريق الجلد، وهو إجراء يستخدم لفتح الشرايين المسدودة بعد تشخيص إصابتها باحتشاء عضلة القلب مع ارتفاع المقطع ST، وهو أخطر أشكال النوبة القلبية.
وقام الباحثون بحساب تقلبات درجة الحرارة التي سبقت كل نوبة قلبية استناداً إلى سجلات الطقس للمنطقة الخاصة بالمستشفى، مع تعريف التقلبات اليومية في درجات الحرارة على أنها الفارق بين أعلى وأدنى درجة مسجلة في يوم حدوث النوبة القلبية.
وبشكل عام، فقد أظهرت النتائج بأن خطر الإصابة بالنوبة القلبية قد ازداد بنسبة 5٪ تقريباً مع كل قفزة قيمتها 5 درجات مئوية في الفارق بين درجات الحرارة، أو 9 درجات فهرنهايت. وارتبطت التغيرات التي تزيد على 25 درجة مئوية - أو 45 درجة فهرنهايت – مع زيادة أكبر في معدلات النوبات القلبية بالمقارنة مع زيادة أصغر مع تقلبات درجات الحرارة التي تتراوح من 10 إلى 25 درجة مئوية - أو 18-45 درجة فهرنهايت - وفقاً للباحثين.
وكان التأثير أكثر وضوحاً في الأيام التي يرتفع فيها متوسط درجة الحرارة. وبعبارة أخرى، يبدو بأن التقلب المفاجئ في درجة الحرارة له تأثير أكبر في الأيام الدافئة كما يقول الباحثون. وبناءً على حساباتهم، فقد توقع الباحثون بأنه قد يكون هناك ضعف عدد النوبات القلبية في يوم صيفي حار تتراوح فيه تقلبات درجات الحرارة بين 35 و40 درجة مئوية - أو 63 إلى 72 درجة فهرنهايت - بالمقارنة مع الأيام التي لا يوجد فيها أي تقلب. وقال غورم: "هذه زيادة بارزة".
وقام الباحثون بإجراء تعديلات حول مجاميع هطول الأمطار وأيام الأسبوع والاتجاهات الموسمية لعزل تأثيرات التقلبات اليومية في درجات الحرارة عن العوامل البيئية المحتملة الأخرى.
وقال غورم: "بشكل عام، نحن نفكر في عوامل خطر الإصابة بالنوبة القلبية مثل تلك التي تنطبق على المرضى الأفراد، وبالتالي قمنا بتحديد تغييرات نمط الحياة أو الأدوية لتعديلها. وتحتاج عوامل الخطر على مستوى السكان إلى نهج مماثل. فتقلبات درجة الحرارة تعدّ شائعة وغالباً ما يمكن التنبؤ بها. وهناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث لفهم الآليات الأساسية لكيفية زيادة تقلبات درجات الحرارة لخطر الإصابة بالنوبات القلبية، مما سيسمح لنا ربما بابتكار نهج وقائي ناجح".