اكتشف علماء الآثار في زامبيا هيكلاً خشبياً يبلغ عمره نحو 476 ألف سنة ويعود إلى العصر الحجري المبكّر (أو العصر البليستوسيني). يمثّل هذا الهيكل أقدم استخدام معروف للخشب في البناء من قبل أسلاف الإنسان. يعمّق هذا الاكتشاف الذي أُجري في موقع شلالات كالامبو الأثري، فهم العلماء للقدرات التقنية التي يُفترض أن أشباه البشر الأوائل تمتّعوا بها ليتمكّنوا من تشكيل جذوع الأشجار في بنى مجمّعة كبيرة. وُصفت النتائج في دراسة نشرت بتاريخ 20 سبتمبر/أيلول 2023 في مجلة نيتشر (Nature)، وهي تبيّن أن الهيكل نفسه يسبق ظهور نوعنا البشري (الإنسان العاقل) بما قد يتجاوز 120 ألف سنة.
اقرأ أيضاً: فترة عصيبة في تاريخ البشر أدت إلى موت نحو 99% من السكان قبل 800 ألف عام
هيكل خشبي من العصر الخشبي
شلال كالامبو هو شلال يبلغ ارتفاعه 235 متراً يقع على حدود زامبيا وتنزانيا، وهو ثاني أعلى شلال غير منقطع في القارة الإفريقية. يتألّف الهيكل الخشبي الذي اكتُشف في ذلك الموقع في عام 2019 من قطعتين من جذوع الأشجار المتشابكة المحفوظة والمتصلة جوانبها بوساطة شقٍ شُكّل عمداً. يبدو أن الجذع العلوي نُحت على نحو هادف، وعثر العلماء على علامات الأدوات على كلا الجذعين؛ كما عثروا أيضاً على مجموعة من الأدوات الخشبية.
يمثّل هذا الاكتشاف أقدم دليل معروف يبيّن أن أسلاف البشر تعمدوا تغيير شكل قطعتين من الخشب بهدف تركيبهما معاً. يعتقد مؤلفو الدراسة أنه ربما استُخدمت الجذوع لبناء منصة مرتفعة أو ممشى أو أساس للمساكن التي بُنيت في السهول الفيضية التي كانت تسودها الرطوبة دورياً في تلك المنطقة. كشفت الأبحاث السابقة عن أدلة تبيّن أن استخدام الخشب في هذا الوقت اقتصر على الحفر وصنع الرماح وإشعال النار. واكتُشف المثال الأقدم الآخر على هيكل خشبي مُعدّل بوضوح في جنوب إفريقيا عام 1952، وهو يعود إلى العصر الحجري المتوسّط.
قال عالم الآثار في جامعة ليفربول والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، لاري بارام، في بيان صحفي: "غيّر هذا الاكتشاف طريقة تفكيري في أسلاف البشر الأوائل. تسمية "العصر الحجري" لم تَعُد دقيقة لأن هؤلاء الأشخاص صنعوا شيئاً جديداً وكبيراً من الخشب. استخدم هؤلاء ذكاءهم ومخيّلتهم ومهاراتهم لصنع شيء لم يروه من قبل ولم يكن موجوداً من قبل".
لم تعد تسمية "العصر الحجري" دقيقة
بالإضافة إلى ذلك، يقول المؤلفون إن هذا الاكتشاف يتحدّى الادعاء الذي ينص على أن البشر في العصر الحجري كانوا رحّالة. يُفترض أن شلال كالامبو زوّد هؤلاء البشر بمصدر دائم للمياه؛ بينما زودتهم الغابة المحيطة بما يكفي من الخشب لإنشاء الهياكل الدائمة أو شبه الدائمة.
قال بارام: "غيّر البشر محيطهم لجعل حياتهم أسهل، حتى لو اقتصر ذلك على بناء منصة يمكنهم الجلوس عليها إلى جانب النهر لإنجاز مهماتهم اليومية. هؤلاء البشر يشبهوننا أكثر مما اعتقدنا من قبل".
استخدم الفريق تقنية تأريخ جديدة تحمل اسم "التأريخ بالتألّق" لتحديد عمر الهيكل الخشبي. يمكن تطبيق هذه الطريقة لتقدير الوقت الذي تعرضت فيه المعادن الموجودة في الرمال المحيطة بالخشب إلى أشعة الشمس آخر مرة. قدّر الباحثون بتطبيق هذه التقنية أن عمر القطعة الأثرية يقترب من نصف مليون سنة.
قال عالم الجغرافيا والمتخصص في التأريخ بالتألق في جامعة أبيرستويث والمؤلف المشارك للدراسة، جيف دولر، في بيان صحفي: "تأريخ الاكتشافات التي تعود لهذا العصر العظيم صعب للغاية، واستخدمنا التأريخ بالتألق لفعل ذلك. طرائق التأريخ الجديدة هذه لها آثار بليغة؛ إذ إنها تتيح لنا تأريخ العناصر الأقدم بكثير وجمع المكونات المختلفة للمواقع التي تساعدنا على فهم تطور البشر".
اقرأ أيضاً: مفاجأة أثرية في البيرو: اكتشاف مومياء عمرها 1,000 عام تحتفظ بشعر كامل وفك سليم
نقّب علماء الآثار في موقع شلالات كالامبو الأثري للمرة الأولى في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، قبل تطوير التقنيات التي أتاحت لعلماء الآثار فهم أهمية مكتشفاتهم بكثير. هذه المنطقة مدرجة حالياً في قائمة أوليّة وقد تُضم إلى مجموعة مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو نظراً لأهميتها الأثرية.
الدراسة الجديدة هي جزء من مشروع الجذور العميقة للإنسانية (Deep Roots of Humanity)، الذي يتألّف من فريق دولي متعدد التخصصات من الباحثين الذين يدرسون كيفية تطور التكنولوجيا البشرية في العصر الحجري.
قال بارام: "موقع شلالات كالامبو هو موقع استثنائي وأحد الأذخار التراثية الرئيسية في زامبيا، ويتطلع فريق مشروع الجذور العميقة للإنسانية إلى إجراء المزيد من الاكتشافات المثيرة في رمال هذا الموقع المغمورة بالمياه".