ما السبب وراء اندفاعنا لنشر أخبار غير صحيحة على الإنترنت؟

5 دقائق
فكر قبل أن تنشر خبراً قد يكون خاطئاً

تسمح لنا وسائل التواصل الاجتماعي بالاطلاع على الأخبار بشكل فوري، ولكنها أيضاً تسهل كثيراً من انتشار المعلومات الخاطئة. وقد نُشرت دراسة حديثاً في مجلة ساينس Science تقترح أن الأخبار المزيفة، سواء أكانت مجرد أخطاء غير مقصودة أو دعاية خبيثة، تنتشر في الواقع بشكل أسرع من الأخبار الحقيقية.

ولكن، من وجهة نظر علم النفس، فإن هذه النتيجة ليست مفاجئة كثيراً. حيث أن بنية هذه الأكاذيب تعتمد على استغلال بعض من أكبر الثغرات ونقاط الضعف في الإدراك البشري.

عادة ما يحصل أغلب الأشخاص على المعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي بدون التفكير بمصادرها، وما إذا كانت وسيلة إعلامية تقليدية ما قد نشرتها، ولهذا قرر الباحثون من مختبر الإعلام في إم آي تي، سوروش فوسوفي، ديب روي، وسنان أرال، ألا يركزوا فقط على "الأخبار المزيفة" المنشورة على شكل مقالات كاملة، بل أن يتتبعوا "الإشاعات المتضاعفة"، أو انتشار التغريدات التي تتضمن أي شكل من المعلومات، مثل المعلومات النصية أو الصور أو الروابط إلى مقالات كاملة، والتي تزعم أنها أخبار حقيقية. وهنا لا بد من تنبيه صغير: لا تتمحور هذه الدراسة بالضرورة حول قدرتنا على تقييم النبأ، من حيث وجود التحيّز-إلى درجة كبيرة- أو الكذب الفاقع. حيث أن التغريدة التي تحتوي على كذبة تختلف عن مقالة مليئة بالمعلومات المغلوطة. ولكن، وعلى الرغم من أن "الأخبار المزيفة" موضوع شائك وجاذب للأضواء، فإن أكاذيب الإنترنت عموماً قد تكون خطيرة أيضاً.

لنعد إلى طريقة العمل. حيث تعتبر كل معلومة منفردة إشاعة، ونحصل على تكرار في كل مرة تم تقديمها بشكل مستقل على أنها خبر. تنمو التكرارات مع كل إعادة للتغريدة (ريتويت)، وقد يكون لإشاعة واحدة عدة تكرارات من الحجم 1 إذا ما قام عدة أشخاص بتغريد هذه المعلومة بدون أن يردد أحد تغريداتهم، أو قد يكون لإشاعة واحدة تكرار واحد ضخم إذا قام 1,000 شخص بإعادة التغريد التي تحتوي عليها.

قام الفريق بالتنقيب في بيانات تويتر ما بين 2006 و 2017، واكتشفوا حوالي 126,000 تكراراً نشرها حوالي 3 مليون شخص لأكثر من 4.5 مليون مرة. ومن ثم قاموا بالتحقق من صحتها بالمقارنة مع مصادر موثوقة (snopes.com politifact.com، factcheck.org، truthorfiction.com، hoax-slayer.com، urbanlegends.about.com)، وحسبوا مدى وسرعة انتشار كل إشاعة.

وفقاً للتحليل الذي أجراه الفريق، فقد كانت المعلومات المزيفة تحصل على ترداد أولي للتغريدة أكثر من الحقيقية بنسبة 70%. وبشكل عام، أورد الفريق أن "المعلومات المغلوطة تنتشر إلى مدى أبعد، وبشكل أسرع، وأعمق، وعلى نطاق أوسع من الحقائق، وبالنسبة لكل فئات المعلومات". غير أن التأثيرات كانت أقوى بالنسبة للأخبار السياسية المزيفة، مع ارتفاع حاد في إجمالي الإشاعات الكاذبة في نهاية 2013 و2015، ومرة أخرى في نهاية 2016، بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وحتى لا توجهوا اللوم إلى البوتات (برامج تقوم بالدردشة بشكل آلي على الإنترنت)، فقد استخدم الباحثون بعض البرمجيات في محاولة لتحديدها وحذفها. ويبدو أن روبوتات الدردشة هذه (روبوتات برمجية للتغريد) كانت تنشر الأخبار الصحيحة والمزيفة بنفس القدر على تويتر، على الأقل بناء على الحسابات المزيفة التي تمكن الباحثون من تحديدها، أما البشر فهم الذين تفوقوا في نشر الأخبار المزيفة.

إضافة إلى ذلك، لا يمكن أن نلوم أصحاب الحسابات التي تتمتع بعدد كبير من المتابعين، لأن باحثين إم آي تي لاحظوا نسبة أكبر من الأكاذيب تنتشر بسرعة أكبر من مستخدمي تويتر ذوي الحسابات الأقل أهمية، من حيث عدد المتابِعين وعدد المتابَعين. وبعد تفحص نوعية الصياغة المستخدمة في مشاركة أكثر الاكاذيب انتشاراً، وجد الباحثون أن جدّتها ومحتواها العاطفي سرّع من انتشارها.

غير أن هذه الدراسة لا تعني أننا عالقون جميعاً في دوامة أبدية من المعلومات المزيفة. يقول دانكن واتس، أخصائي في شبكات التواصل الاجتماعي في مركز أبحاث مايكروسوفت، وهو غير مشارك في هذه الدراسة، لمجلة Nature: "أعتقد أننا لا يجب أن نصاب بالذعر حول الأخبار المزيفة على تويتر". ويشير إلى وجود باحثين آخرين يقترحون أن معظم الناس يميلون إلى الأخبار الحقيقية بدلاً من المزيفة، وبشكل كبير. كما يشير روبنسون ماير في مجلة The Atlantic إلى نقطة صحيحة، وهي أن الأسلوب المستخدم في الدراسة قد يكون تجاهل سهواً الأخبار المتفق عليها، أي القصص التي لا يمكن الشكل بصحتها لدرجة أن تلك المواقع لا تتحقق منها، ولكن النتائج تبقى مثيرة للقلق.

تقول ريبيكا ترومبل، بروفسورة في العلوم السياسية في جامعة ليدن في هولندا، لمجلة The Atlantic: "الشيء الأساسي الذي يمكن أن نستنتجه من هذه الدراسة هو أن المحتوى الذي يثير ردة فعل عاطفية قوية ينتشر على تويتر بشكل أبعد، وأسرع، وأعمق، وعلى نطاق أوسع. هذه النتيجة تحديداً تتوافق مع العديد من الأبحاث في مجالات مختلفة، بما في ذلك علم النفس ودراسات التواصل. كما أنها بديهية إلى حد ما".

بالفعل، فإن فكرة انجذابنا للمعلومات المزيفة ليست مفاجئة على الإطلاق. ويمكن تلخيص الموضوع بأن أدمغتنا الساذجة ترغب فقط بأن تصدق الأشياء التي تتناسب مع معتقداتنا المسبقة.

تحوي أدمغتنا على الكثير من التحيزات الإدراكية، وهي وسائل لمعالجة المعلومات بسرعة بدلاً من التفكير بها بشكل منطقي، وهي على الأرجح ميزة تطورية لمساعدتنا على اتخاذ قرارات سريعة قبل أن نتعرض للافتراس مثلاً. إضافة إلى هذا، فهي مزعجة للغاية، فبسببها نتذكر الماضي على أنه أفضل مما كان عليه فعلاً، ونميل إلى تصديق الأشياء كلما ترددت أكثر على مسمعنا، ونسمح للأحداث الجديدة بتغيير نظرتنا للذكريات القديمة، وغير ذلك، غير أن حبنا للأكاذيب يعود بشكل رئيسي إلى ما يسمى بتحيز التأكيد.

بشكل عام، لا يقوم الناس بمشاركة أية معلومات يشتبهون بأنها غير صحيحة، وبالتالي يمكن أن نقول إن الشائعة الكاذبة ستنتشر بشكل أكبر إذا قال أحد ما عنها: "أجل، بالتأكيد، يبدو هذا منطقياً بالنسبة لي!". ولسوء الحظ، فإن تكويننا يفرض علينا محاولة ربط كل معلومة جديدة مع المعلومات التي نعرف أنها صحيحة. ويمكن لهذا أن يؤدي بنا إلى اعتبار أدلة التغير المناخي غير صحيحة وضوحاً، أو يشجعنا على انتقاء بعض الأجزاء من البيانات التي تدعم فكرة حدوث التغير المناخي بشكل طبيعي بدون تأثير البشر (وهي فكرة خاطئة بشكل مثبت). إن أدمغتنا تسعى، وبكل قوتها، إلى الحصول على أدلة تثبت صحة ما نعرفه من قبل، وهو ما يدفعنا بشدة إلى تصديق المعلومات التي تناسبنا. لا تحاول الإنكار: فحتى لو كنت واثقاً أنك لست ممن ينشرون الأخبار الكاذبة، فإنه من شبه المؤكد أنك نقلت شيئاً خاطئاً لمرة واحدة على الأقل في حياتك، فقط لمجرد أنه يتوافق مع ما تعرفه من قبل. إنه لشعور رائع أن تسمع معلومة ما تتوافق مع معتقداتك، ما يدفعك لنقل هذه المعلومة إلى الآخرين.

أيضاً، يبدو أننا نميل إلى العثور على الأنماط في كل مكان، حتى لو لم تكن موجودة فعلياً، ما يؤدي إلى انتشار وبقاء جميع أنواع نظريات المؤامرات على تويتر ومواقع أخرى. باختصار، تتصف أدمغتنا بالحماقة.

يعتقد باحثو إم آي تي أن عنصر المفاجأة قد يكون من العوامل المؤثرة. حيث أن الأخبار المفبركة تبدو مفاجئة أكثر من الأخبار الحقيقية (يمكن أن نلاحظ أن تفاصيل الأحداث الحقيقية تتكشف بطريقة تدريجية)، وبالتالي، تدفعنا حماسة المفاجأة إلى نشر الخبر. بالطبع، يمكن أن يقول الكثيرون أن المفاجآت أصبحت أمراً معتاداً في الأخبار لدرجة أن تأثيرها في نشر الأخبار المزيفة لن يدوم طويلاً.

على أي حال، وبما أن المهندسين المشرفين على مواقع التواصل الاجتماعي المفضلة لدينا غير قادرين على إيقاف انتشار الأكاذيب، فليس أمامنا سوى تشغيل عقلنا. قد نكون مخلوقات بسيطة ومتحيزة، ولكن يمكننا أن نكون أكثر تعقلاً إذا تمهلنا للتفكير بمدى صحة الأخبار (أو التحقق من مصادر أخرى، حتى لو بدا هذا أكثر من اللازم) قبل أن نضغط زر إعادة التغريد. وقد وجدت دراسة حديثة أخرى أن زيادة الأخبار على الصفحة الرئيسية بشكل كبير يزيد من صعوبة تمييز الأكاذيب، ما يقترح أن إتاحة المزيد من الوقت للتفكير قد يعني فرقاً كبيراً.

في نهاية المطاف، قد يعثر العلماء وشركات التواصل الاجتماعي على طريقة أخرى للتعامل مع هذه المشكلة. ويأمل فريق إم آي تي باستكشاف هذه الخيارات في دراسات لاحقة. يقول ديب روي، أحد مؤلفي الدراسة، لوكالة رويترز: "قد نظن أننا دخلنا عالماً مظلماً من الأكاذيب بدون وسيلة للخروج، ولكن يجب ألا نعتبر هذا الوضع قدراً مفروضاً علينا".

المحتوى محمي