كيف يمكنك صيانة جسمك على المستوى الخلوي لتعيش حياة طويلة؟

كيف يمكنك صيانة جسمك على المستوى الخلوي لتعيش حياة طويلة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ CI Photos

أثارت علامات الشيخوخة اهتمام البشر منذ آلاف السنين، حيث إن عيش حياة صحية وطويلة هو حلم غالبية الناس، ما حفّز العلماء لدراسة الوسائل الممكنة لزيادة عمر الإنسان. فقد نُشر أول مقال علمي يبحث هذا الموضوع عام 1838م، واستمرت دراسات آلية الشيخوخة وكيفية إطالة العمر، الأمر الذي نتج عنه إنجاز مهم في أبحاث الشيخوخة: وهو اكتشاف التيلوميرات.

ما هي الشيخوخة وما دور التيلوميرات في حدوثها؟

الشيخوخة هي عملية بيولوجية معقدة تتضمن انقسام الخلايا وتكاثرها بهدف تجديد الخلايا التالفة واستبدالها، لدعم نمو أعضاء جسم الإنسان. لكن هذه العملية الطبيعية تصبح تدريجياً أقل كفاءة مع تقدم الإنسان في العمر، ما يؤدي إلى تدهور وظائف الأعضاء وصحة الأنسجة عموماً. وعلى الرغم من أن هناك عوامل مختلفة -منها عوامل وراثية- تسهم في عملية الشيخوخة، فإن العلماء تمكنوا من تحديد عامل أساسي اُعتبِر سمة مميزة لعملية الشيخوخة وهو قُصر التيلوميرات.

تحتوي كل خلية في جسم الإنسان على 23 زوجاً من الكروموسومات في نواة كل خلية، وهي أجزاء مجهرية تتألف من خيوط الحمض النووي الدي إن أيه (DNA)، وتحمل المعلومات والصفات الجينية وتنقلها من جيلٍ إلى آخر. وتعمل التيلوميرات غطاءً واقياً للجزء الأخير من الكروموسومات، فتحميها من التلف وتضمن الاستقرار الجيني في أثناء انقسام الخلايا، وبالتالي تؤدي التيلوميرات دوراً أساسياً في الحفاظ على سلامة المادة الوراثية.

تقصر التيلوميرات في كل مرة تنقسم فيها الخلية. ومع تقدم البشر في العمر، وعندما تصل إلى طول حرج، لا يعود بإمكانها توفير الحماية، ما يتسبب في توقف انقسام الخلايا وشيخوختها ثم وفاتها. ويسهم هذا في الإصابة بالأمراض المزمنة المرتبطة بالعمر مثل: ألزهايمر وأمراض القلب والسكري. لذلك، فإن الحفاظ على التيلوميرات وصيانتها أمر بالغ الأهمية لإطالة العمر.

من أهم مسببات تقصير التيلوميرات هو ما يُعرف بالإجهاد التأكسدي، فأثناء عملية التمثيل الغذائي الخلوي الطبيعية والتي تهدف إلى إمداد الخلية بالطاقة اللازمة للنمو والإصلاح، تنتج مركبات ضارة غير مستقرة تُعرف بالجذور الحرة عادة يُتخلص منها بواسطة مضادات الأكسدة في الخلية التي تعمل كنظام دفاع خلوي مضاد يضمن التوازن بين مضادات الأكسدة والجذور الحرة. إلّا أنه عند التعرض لعوامل خارجية ضارة، يختل هذا التوازن، وتتراكم الشوارد الحرة بكميات تزيد على قدرة دفاع الخلية، مسببة الإجهاد التأكسدي الذي يؤدي إلى تلف الخلايا والحمض النووي، ما يتسبب في تقصير التيلوميرات.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تكشف المؤشرات الحيوية المشتركة بين مَن يعيش 100 عام

عوامل تقلل الإجهاد التأكسدي الخلوي

يجدر بالذكر أن العلماء توصلوا إلى تحديد عدة عوامل تؤدي دوراً رئيسياً في تقليل الإجهاد التأكسدي، وتعزيز طول العمر. ومن هذه العوامل ما يلي:

النشاط البدني

ارتبط النشاط البدني المنتظم دائماً بالصحة العامة، إذ أظهرت الدراسات أن التمارين المنتظمة يمكن أن تبطئ الشيخوخة الخلوية عن طريق زيادة مستويات مضادات الأكسدة الطبيعية وتقليل الضرر المرتبط بالإجهاد التأكسدي، ما يساعد في الحفاظ على طول التيلوميرات. اقترحت الأبحاث الحديثة وجود صلة بين سرعة المشي وطول التيلوميرات المرتبطة بتحسين الصحة والشيخوخة. ولذلك، يوصى بالحركة من خلال ممارسة الأنشطة المنتظمة كالمشي أو السباحة أو اليوغا للحفاظ على قوة العضلات وإبطاء عملية الشيخوخة.

الغذاء

للتغذية دورٌ محوري في تنظيم عملية الشيخوخة، فقد وجد العلماء أن اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن يساعد في الحفاظ على صحة الخلايا وإبطاء الشيخوخة. فعلى سبيل المثال، تحمي الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة مثل التوت والخضروات الورقية الخضراء والحمضيات والأسماك التيلوميرات من الإجهاد التأكسدي، وتؤخّر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر. وعلى العكس، فإن اتباع نظام غذائي سيئ يفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية، والاستهلاك المفرط للحوم المصنّعة والمشروبات السكرية يقصر التيلوميرات ويسرّع الشيخوخة. إضافة إلى ذلك، قد يسهم نقص الفيتامينات أيضاً في تسريع الشيخوخة؛ حيث ترتبط المستويات المنخفضة من فيتامين د وفيتامين سي بالشيخوخة. 

الضغط النفسي

أثبتت الأبحاث العلمية ارتباط الضغوطات النفسية المزمنة وضغوطات الطفولة بزيادة خطر الإصابة المبكرة بالأمراض المرتبطة بالعمر، حيث تتسبب هذه الضغوطات في إفراز الهرمونات المسؤولة عن التوتر التي تسرّع عملية الشيخوخة، وعلى العكس، لوحظ أن خفض مستويات التوتر يحسّن الصحة الخلوية وصيانة التيلوميرات. لذلك، فإنه من المهم إدارة التوتر وممارسة ما يساعد على الاسترخاء كالتنفس العميق والتأمل واليوغا وزيارة المختصين إن لزم الأمر للحد من آثار الضغط النفسي.

التدخين والكحول

العلاقة بين التدخين وتدهور الصحة علاقة وطيدة وواضحة، فقد أظهر العديد من الدراسات أن للمدخنين تيلوميرات أقصر مقارنة بغيرهم، حيث يتسبب التدخين في توليد الجذور الحرة التي تسبب الإجهاد التأكسدي، ما يؤدي في النهاية إلى تقصير التيلوميرات بشكلٍ كبير ويتسبب ذلك بتلف الخلايا وموتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخين يؤثّر في إنتاج الكولاجين، وهو البروتين الذي يحافظ على صحة الجلد ومرونته، وذلك يؤدي إلى شيخوخة الجلد المبكرة والتجاعيد.

وبالمثل، يرتبط الاستهلاك المفرط للكحول أيضاً بالتسارع في الشيخوخة للأسباب نفسها. وفقاً لدراسة من جامعة أكسفورد فحصت بيانات نحو 250.000 شخص، أدّت زيادة استهلاك الكحول إلى تقصير طول التيلوميرات، ما أدّى في النهاية إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر.

النوم

أظهرت نتائج الأبحاث العلمية التي أُجريت عبر فئات عمرية مختلفة أن مدة النوم لها دورٌ مهم في الحفاظ على الآليات المسؤولة عن صيانة التيلوميرات والتقدم في العمر، وأن الأشخاص الذين يحصلون على ساعات أقل من النوم، يميلون إلى الحصول على تيلوميرات أقصر مقارنة بأولئك الذين يستمتعون بفترات نوم أطول، لذلك فإنه يوصى بالحفاظ على روتين نوم منتظم لمدة 7-8 ساعات كل ليلة.

اقرأ أيضاً: من درجة الحرارة إلى النزيف: ما الظروف القصوى التي يحتملها الإنسان قبل أن يموت؟

الشمس والعوامل الخارجية الأخرى

أظهرت عدة دراسات أن الإفراط في التعرض للأشعة فوق البنفسجية مسؤول عن 80% من علامات شيخوخة الوجه الظاهرة، وذلك بسبب الإجهاد التأكسدي وتلف الخلايا الناتج. لذا يجب الحرص علـى حماية الجلد من هذه الآثار الضارة بالحد من التعرض للشمس واستخدام العوامل الواقية منها. 

إضافة إلى ذلك، هناك العديد من العوامل الخارجية التي تسبب ظهور علامات الشيخوخة لأنها مسبب للجذور الحرة، مثل: التلوث، ودخان السجائر، وبعض المبيدات الحشرية، والمنظفات.

إن التركيز على إطالة عمر الإنسان يتجاوز مجرد زيادة عدد سنين العمر، بل يهدف إلى العيش بصحة أفضل. وقد برزت اكتشافات عديدة من خلال الجهود البحثية التي كُرِّست لدراسة إمكانية تحسين صحة الإنسان، ممهدة الطريق لاستراتيجيات فعّالة بشأن تحقيق طول العمر. ومع وجود عوامل مختلفة يمكنها الإخلال بالتوازن البيولوجي للخلايا والجسم، يصبح من الضروري اعتماد أسلوب حياة صحي ومتوازن، يشمل: نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة بانتظام، والنوم الكافي، وإدارة التوتر، وتجنب السلوكيات الضارة مثل التدخين. وبذلك الإسهام في إبطاء عملية الشيخوخة، والتخفيف من الأمراض المرتبطة بالعمر، ما يسمح لنا بالتقدم في العمر بصحة وعافية.

المحتوى محمي