ما هي عملية «التجديد العصبية» التي يخضع لها الدماغ بعد سن الأربعين؟

3 دقيقة
ما هي عملية «التجديد العصبية» التي يخضع لها الدماغ بعد سن الأربعين؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ jm13129

في عمر الأربعين، يبدأ الدماغ بالخضوع لعملية تجديد شاملة، وهذا التجديد لا يطول الخلايا العصبية، فهي غير قادرة على التجدد، وإنما الروابط التي تصل الخلايا والتي تُدعى بالمشابك العصبية، ما يؤدي إلى تكامل الشبكات العصبية من جديد كطريقة للتغلب على تراجع الكفاءة العصبية المترافقة مع التقدم بالسن، والسبب الرئيسي الذي يدفع الجهاز العصبي للقيام بذلك هو تضاؤل الموارد وشيخوخة مكونات الجسم العصبية.

اقرأ أيضاً: إصابات الرأس المتكررة تسبب الاكتئاب مع التقدم بالعمر

تجديد المشابك العصبية الدماغية بعد سن الأربعين كطريقة للحفاظ على الشبكة العصبية

أجرى باحثون من جامعة موناش الأسترالية مراجعة منهجية برئاسة هيميش ديري، وهو باحث في معهد تيرنر للدماغ والصحة العقلية في جامعة موناش، ونُشرت في دورية علم النفس الفيزيولوجي، وذلك بهدف البحث والتعمق بكيفية تطور وتبدل الاتصال في الدماغ البشري على مدار سنوات.

تشير المعلومات والأدلة التي جُمِعت من المراجعات أنه ومع التقدم بالعمر وعند بلوغ الأربعين يحدث أمر استثنائي في الدماغ، إذ تصبح الروابط العصبية التي تصل الخلايا بعضها بعضاً أكثر تكاملاً واتصالاً على مدى العقود التالية، والذي بدوره يؤثّر في الإدراك -المتناقص مع التقدم بالعمر- بشكلٍ إيجابي.

ينظر الباحثون وعلماء الأعصاب إلى الدماغ باعتباره شبكة معقدة، تتكون من عددٍ كبيرٍ من الوحدات الفيزيولوجية التي ترتبط مع بعضها هيكلياً ووظيفياً بالمشابك العصبية. كانت الفكرة الأولية هي دراسة التغيرات التي تُصيب هذا المشابك مع التقدم بالعمر، لهذا درس فريق جامعة موناش أكثر من 144 دراسة استخدمت التصوير المقطعي المحوسب (PET-CT Scan) لمراقبة نشاط دماغ ما يزيد على عشرات الآلاف من المشاركين، فتقنيات المسح المتقدمة هذه تُمكّن الباحثين من مراقبة الدماغ بشكلٍ وظيفي؛ أي تتلون وتضيء الأجزاء النشطة منه، ويمكن لهذا التصوير تحديد شدة فاعلية الأداء أيضاً، فكلما كانت شدة الإضاءة أكبر كان النشاط أكبر.

ومن خلال معاينة النتائج، استخلص الباحثون اتجاهاً عاماً وغير نوعي حول كيفية تغير الدماغ مع الوقت، وتبين أن كبار السن يميلون إلى إظهار تفكير أقل مرونة وبشكلٍ خاص حول تكوين مفاهيم جديدة والتفكير المجرد، فضلاً عن انخفاض التفكير الرياضي الرقمي والقدرات اللفظية، كما تمكن الباحثون من ملاحظة تغييرات في الوظيفة التنفيذية، والتي تصل إلى نقطة انعطافها في العقد الرابع والخامس.

اقرأ أيضاً: ما الأسباب الكامنة وراء حدوث كهربائية الدماغ عند الأطفال وكيف تُعالج؟

الخبر السار أن ذلك لم يترافق مع أي تبدل في الإدراك لدى المشاركين، ما يعني بدوره أن هناك عاملاً يحمي الدماغ من التراجع بشكلٍ ملحوظ، فكبار السن ما زالوا قادرين على القيام بالمهام التي تعتمد على العمليات التلقائية والتي كانت أقل تأثراً مع التقدم بالعمر.

كيف فُسِرت النتائج؟

للدماغ في سنوات المراهقة والشباب شبكات عصبية متفرعة بشدة وذات مستويات عالية من الاتصال الداخلي، ما يعكس بدوره القدرة على حدوث معالجة متخصصة، وهذا أمر منطقي، فسنوات الشباب هي الأكثر جدوى لتعلم اللغات والرياضات وتنمية المواهب. وبدءاً من منتصف الأربعينيات، يبدأ الدماغ بتكثيف الارتباط بين الشبكات العصبية بينما يصبح الارتباط أضعف ضمن الشبكة العصبية نفسها.

فلمَ تحدث هذه التغييرات في الدماغ في المقام الأول؟ قدّم المراجعون بعض التكهنات حول ذلك، حيث أشاروا إلى أن الدماغ عضو متعطش للموارد، ومتعطش للغلوكوز، ففي الوقت الذي يمثّل فيه الدماغ البالغ نحو 2% من إجمالي وزن الجسم، فإنه يحتاج إلى ما يعادل 20% من إجمالي إمدادات الغلوكوز.

وبالتالي، فإن التغييرات في الاتصالات العصبية ما هي إلّا نتيجة لإعادة تنظيم الدماغ نفسه ليعمل بشكلٍ جيدٍ مع تضاؤل الموارد وشيخوخة الخلايا العصبية. بكلمات أخرى، مع تقدمنا في السن تصبح أجسامنا أبطأ وأدمغتنا أقل كفاءة في استخدام الغلوكوز كوقود من جهة، وينقص الوارد من الغلوكوز من جهة أخرى، والذي يُفترض أن يؤثّر سلباً في الصحة العصبية والأداء الذهني لتبرز الفجوة واضحة بين دماغ اليافعين ودماغ كبار السن.

اقرأ أيضاً: ما أعراض السكتة الدماغية؟

لا شك أن الآلية التي تعمل وتتطور من خلالها أدمغتنا غامضة بالفعل، ولكننا اقتربنا خطوات عدة من خلال هذه المراجعة المنهجية التي جمعت معلومات وأدلة مئات الدراسات وعشرات الآلاف من عمليات مسح الدماغ من الحصول على رؤية شبه واضحة لكيفية تطور أدمغتنا مع الوقت.

والتفاعلات التي تحدث في مرحلة الشيخوخة متعددة الأوجه؛ أي أنها حصيلة تفاعل العامل الوراثي والجسدي مع العامل البيئي. وانطلاقاً من هذه النقطة، يُنصح باتباع نظام غذائي سليم يُحافظ على صحة الدماغ مثل حمية مايند أو حمية البحر الأبيض المتوسط إلى جانب ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، فهذه إجراءات قادرة على الوقاية من حدوث التراجع الذهني المترافق مع التقدم بالعمر والحفاظ على الدماغ في حالة صحية وفيزيولوجية جيدة. 

المحتوى محمي