التيفلون: أحد الاختراعات المذهلة التي أتت بالصدفة

3 دقائق
كم هي زلقة!

لا يبدو روي بلانكيت كرجل قُدّر له أن يحقق أعمالاً عظيمة، وهو أمر صحيح بشكل أو بآخر، حيث أنه قدم لنا التيفلون (أو التيفال) الذي يعتبر من أعاجيب التكنولوجيا العصرية، ولكنه فعل ذلك بالصدفة.

كان بلانكيت يعمل كمهندس في شركة دوبونت، وقد كُلف بمهمة تصنيع سائل تبريد جديد، وعندما كان ينفذ بعض التجارب على غاز رباعي فلور الإيثيلين واجه مشكلة صغيرة، حيث تحول الغاز المضغوط إلى مادة شبيهة بالبلاستيك داخل المستوعب. لم تكن المادة الناتجة جيدة للتبريد، ولكن عندما فتح بلانكيت المستوعب، أدرك أن هذه المادة زلقة للغاية، وأنها بالتالي مفيدة.

وهكذا، بدأت ملحمة التيفلون. وتصادف هذه السنة الذكرى الثمانين لهذا الاكتشاف السعيد لبلانكيت. ولهذا، لنتأمل قليلاً بروعة التيفلون، ولنبدأ بمشاهدة هذا الفيديو الطريف لهذا الوزغ (أبو بريص) الذي يحاول جاهداً أن يتسلق إلى خارج مقلاة مانعة للالتصاق بدون فائدة:

يمكن للوزغ أن يتشبث تقريباً بأي شيء، لأن أقدامه تعتمد على قوى فاندر فالس، وهي قوى التجاذب الصغيرة ما بين الذرات والجزيئات. تتواجد هذه القوى تقريباً في كل مكان، ولهذا يستطيع الوزغ أن يتسلق أي سطح تقريباً، باستثناء التيفلون (والذي يعرف أيضاً باسم متعدد رباعي فلور الإيثيلين، أو PTFE اختصاراً، أما التيفلون فهو الاسم التجاري من دوبونت)، والذي لا يحتوي على هذه القوى بسبب تشكيله الكيميائي. وحتى نفهم ما يجري بالضبط، يجب أن نتحمل بعض الملل والصداع العلمي.

يمكن أن نقول أن التيفلون، وبشكل مبسط، عبارة عن سلاسل طويلة من ذرات الكربون التي تحيط بها جزيئات الفلور، كما لو أنه سلك نحاسي مغطى بطبقة حماية. يعتبر الفلور عنصراً شديد الكهرسلبية، أي أنه يجذب الإلكترونات ويحتفظ بها بقوة.   وعند الارتباط مع الكربون، يعني هذا أن بعض الإلكترونات المحيطة بالكربون ستنجذب إلى ذرات الفلور المجاورة. وفي الواقع، يكون هذا الانجذاب شديداً لدرجة أنها تبقى قرب الفلور تقريباً، ما يؤدي إلى ظهور شحنة سلبية قوية على كامل طول الجزيء من الخارج. تعتمد قوى فاندر فالس على إمكانية تحريض الشحنات الإيجابية والسلبية في الذرات والجزيئات، غير أن طبقة الفلور في التيفلون تتمتع بشحنة سلبية دائمة، وذلك لأن الإلكترونات تبقى في مكانها.

البنية الكيميائية للتيفلون. تمثل الكرات الرمادية الكربون، وتمثل الكرات الصفراء الفلور.
مصدر الصورة: بين مليز

تعتبر هذه البنية الكيميائية سبب الخمول الكيميائي الشديد للتيفلون. وعلى الرغم من أن ذرات الكربون تتفاعل عادة مع أي شيء تقريباً، إلا أن تغطيتها بجزيئات الفلور تجعل من المستحيل فيزيائياً أن تصل إلى أية ذرت أخرى لتتفاعل معها.

لهذا السبب، لا يمكن لأقدام الوزغ أن تتشبث بالتيفلون، ولنفس السبب، لا يلصق الماء أو الزيت على الأوعية المطلية بالتيفلون، حيث أن وجود شحنة سلبية متواصلة ومتجانسة يمنع الجزيئات القطبية واللاقطبية على حد سواء من الالتصاق.

أيضاً، لا يمكن للنمل أيضاً أن يتسلق على الأسطح المطلية بالتيفلون، وهو أمر مفيد للغاية للباحثين الذين يدرسون النمل. يكفي أن نرش بعض التيفلون على حواف مسكن النقل، وتركه مفتوحاً طوال النهار، ولن تتمكن نملة واحدة من المغادرة.

إضافة إلى هذا، فإن الخمول المذهل للتيفلون يجعله مفيداً بكثير من الطرق. فقد استفاد العاملون في مشروع مانهاتن (مشروع القنبلة الذرية في أميركا) منه بطلاء حشوات الإقفال به من أجل عزل اليورانيوم الذي كانوا يعملون عليه. يتمتع التيفلون بالخمول الكيميائي، والمقاومة للتآكل، واحتكاك شبه معدوم. يمكنك أن تغطي أنبوباً به وتضخ ضمنه أي نوع من الغازات، بما في ذلك غاز الفلور شديد الفعالية الكيميائية، بدون أن تخاف من حصول أي تفاعلات، وتنزلق السوائل ضمنه بسرعة أيضاً، بما في ذلك السوائل المسببة للتآكل.

نظراً لأن التيفلون كاره للماء، يمكن أن ترشه على الملابس التي يجب أن تتحمل الكثير من الانسكابات والمقاومة للبقع، وتستخدمه بعض الشركات المصنّعة للملابس المدرسية لهذا السبب تحديداً. كما يكفي تمطيط طبقة رقيقة من التيفلون لتشكيل بعض المسامات الصغيرة والحصول على طبقة عازلة للماء، خفيفة وتسمح بمرور الهواء، وتعرف أيضاً باسم جور-تكس.

يمكن أيضاً تحول التيفلون إلى بودرة واستخدامه على أي شيء كمزلق. وتنصح بعض المواقع الإلكترونية، والمختصة بالحل السريع لمكعب روبيك، بعدة بخاخات مبنية على التيفلون يمكن استخدامها لتزليق المكعب من أجل سهولة تحريكه بسرعة.

يقوم أطباء الأسنان بتغطية معداتهم بالتيفلون حتى لا تلتصق بمواد حشوات الأسنان، وفي بعض الأحيان، يستخدمونه لتغطية الأسنان المجاورة في حال وصلت مادة الحشوة إليها.

يتم طلاء مثبتات التزلج –أي الأجزاء التي تثبت الحذاء على الزلاجة- بالتيفلون من أجل أن تنزلق الأحذية إلى الخارج بسهولة عند إخراجها. كما أنه يستخدم حتى في بعض أنواع طلاء الأظافر لإكسابها طابعاً ناعماً ومتناسقاً.

في الواقع، يمكنك أن تجد التيفلون تقريباً في أي مكان يتطلب أقل ما يمكن من الاحتكاك، حيث يمكنه تزليق أية آلة، وعزل أية حلقة إقفال، وعزل أي خرطوم من الداخل. إنه أشبه بمادة سحرية.

على عكس الاعتقاد السائد، فإن التيفلون لا يتسبب بالسرطان. كان هناك مجموعة من المواد، والتي تسمى بحموض البيرفلوروأوكتانويك (PFOA اختصاراً)، كانت مستخدمة في إنتاج التيفلون، ومن المحتمل أنها مسرطنة. غير أن الدراسات أثبتت وجود مقادير ضئيلة منها في المقالي المضادة للالتصاق نفسها، وبكميات أصغر بكثير من التي تسببت بالسرطان لدى فئران التجارب. غير أن مواد (PFOA) تعتبر ضارة بالبيئة، وهو ما دفع بالوكالة الأميركية لحماية البيئة إلى وضع قواعد ناظمة لاستخدامها وإنتاجها. عموماً، ليس هناك ما يدعوك للقلق بخصوص أوعية الطبخ المطلية بالتيفلون، إلا إذا بدأت تتقشر. لن تتسبب شذرات التيفلون المتقشرة بمقتلك، غير أن أكل هذه المادة ليس بالنصيحة السديدة أيضاً. ولهذا، قم ببساطة بشراء مقلاة جديدة، وقم بإعداد البيض المقلي بدون التصاق أو قلق، موجهاً شكرك الجزيل إلى التيفلون، هذه المادة الجميلة.

المحتوى محمي