دراسة جديدة تطرح تفسيراً محتملاً للزلازل والبراكين

3 دقيقة
دراسة جديدة تطرح تفسيراً محتملاً للزلازل والبراكين
تغور في هذا الرسم التوضيحي أجزاء من كوكب ثيا القديم وتتراكم في قاع وشاح الأرض. تتسبب هذه العملية بتشكّل كتلتين تحملان اسم "المقاطعتين الكبيرتين المنخفضتي السرعة" في أعماق الأرض. العمل الفني لهرنان كانيلاس/نُشرت الصورة بإذن من جامعة أريزونا ستيت.

البراكين والزلازل هي من أكثر الأحداث الأرضية ديناميكية وإثارة للاهتمام، لكن العلماء لا يعرفون منشأها تماماً. حركة الصفائح التكتونية، أو ظاهرة تكتونية الصفائح، ناتجة عن حدث تصادم كوني وقع منذ نحو 4.5 مليارات سنة، عندما اصطدم جسم بحجم كوكب المريخ تقريباً بالأرض. وفقاً لبحث جديد يعتمد على النمذجة الحاسوبية، تسبب حدث التصادم هذا بتشكّل بعض الكتل الغريبة داخل الأرض من المحتمل أنها شكّلت الصفائح التكتونية. وُصفت هذه الفرضية الجديدة في دراسة نُشرت بتاريخ 7 مايو/أيار 2024 في مجلة رسائل الأبحاث الجيوفيزيائية (Geophysical Research Letters).

ما هذه الكتل الغامضة؟

اكتشف الجيوفيزيائيون في ثمانينيات القرن الماضي كتلتين بحجم قارة بالقرب من مركز الأرض تتألفان من مادة غريبة. تقع إحدى الكتلتين تحت المحيط الهادئ وتقع الأخرى تحت القارة الإفريقية. يبلغ حجم كل من الكتلتين ضعف حجم القمر، وهما كبيرتان للغاية لدرجة أنهما ستشكلان طبقة بسماكة 96 كيلومتراً حول الكوكب إذا كانتا على سطحه. تحمل الكتلتان الاسم العلمي "المقاطعتان الكبيرتان المنخفضتا السرعة"، ومن المحتمل أيضاً أنهما تحتويان على نسب مختلفة من العناصر عن الوشاح المحيط بهما.

اقترح العلماء في ورقة بحثية نُشرت عام 2023 في مجلة نيتشر (Nature) أن الكتلتين من بقايا كوكب قديم يحمل اسم "ثيا" (Theia) اصطدم بالأرض وتسبب بتشكّل القمر. تشير هذه الورقة إلى أن الأرض الصغيرة السن امتصت أغلبية مواد كوكب ثيا، ما أدى إلى تشكل المقاطعتين الكبيرتين المنخفضتي السرعة. وتشكّل القمر من الحطام المتبقي من حدث التصادم هذا.

قال عالم الفيزياء الفلكية في جامعة أريزونا ستيت والمؤلف المشارك للورقة التي نُشرت في مجلة نيتشر، ستيفن ديش، في بيان صحفي: "يبدو أن القمر يحتوي على مواد تشبه مواد كوكب ثيا وتلك التي احتوت عليها الأرض قبل حدث الاصطدام، ولكن اعتقد العلماء أن بقايا كوكب ثيا 'زالت' وتجانست مع مواد الأرض بسبب العمليات الديناميكية التي جرت داخل كوكبنا على مدار مليارات السنين (مثل الحمل الحراري للوشاح). هذه هي الدراسة الأولى التي تثبت أن الأرض تحتوي بداخلها على 'قطع' متميّزة من كوكب ثيا، وهي تقع في المناطق الحدودية بين اللب [النواة] والوشاح". افترض مؤلفو هذه الورقة أن هاتين الكتلتين شكّلتا الصفائح التكتونية الأرضية لاحقاً، التي أتاحت للحياة الازدهار.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تسبب السدود الزلازل؟

نظرة جديدة في معادن قديمة

تعتمد الورقة البحثية الجديدة التي نُشرت في مجلة رسائل الأبحاث الجيوفيزيائية على ورقة مجلة نيتشر. واستنتج مؤلفوها باستخدام النمذجة الحاسوبية أن المقاطعتين الكبيرتين المنخفضتي الكتلة ربما أسهمتا بعد أن غارتا في الأرض في تشكيل الأعمدة الساخنة داخل الأرض بعد نحو 200 مليون سنة من حدث الاصطدام بكوكب ثيا، وهذه الأعمدة هي التي تسببت باضطراب السطح. اخترقت الكتلتان القشرة المسطحة وسمحتا للألواح الدائرية بأن تغور في عملية تحمل اسم الاندساس. وفقاً للفريق، قد يفسر ذلك حقيقة أن أقدم المعادن في الأرض هي بلورات الزركون التي تبدو أنها خضعت لعملية الاندساس منذ أكثر من 4 مليارات سنة وربما أسهمت في حركة الصفائح التكتونية.

قال عالم الجيولوجيا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، تشان يوان، لصحيفة واشنطن بوست: "لم يتسبب الاصطدام العملاق بتشكل القمر فقط، إذا تسبب به في المقام الأول، بل إنه حدد الشروط الابتدائية لكوكب الأرض أيضاً". أثار النموذج الحاسوبي في الدراسة الجديدة العديد من التساؤلات لدى بعض الجيولوجيين غير المشاركين في تأليفها، مثل تلك المتعلقة بإمكانية أن التصادم أدى إلى إعادة تدوير القشرة الأرضية بأكملها بدلاً من تحريك الصفائح التكتونية. من المحتمل أن هذه العملية حدثت في كوكب الزهرة الشقيق للأرض منذ مليارات السنين. وفقاً لبعض العلماء، هناك أيضاً بعض التناقضات الجيوكيميائية التي تدفع للشك بفرضية التصادم الكوكبي كلها.

هل حركة الصفائح التكتونية ضرورية لتشكّل الحياة؟

على الرغم من أن حركة الصفائح التكتونية قد تتسبب بالوفيات وتدمير الممتلكات أحياناً، يعتقد بعض العلماء أنها تساعد على الحفاظ على استمرارية دورة الكربون على الأرض. تتسبب هذه الحركة بنقل الكربون بين الميكروبات والنباتات والمعادن والحيوانات والغلاف الجوي للأرض. الكربون هو رابع أكثر العناصر وفرة في الكون، ويمتلك القدرة على تشكيل الجزيئات المعقدة مثل الحمض النووي والبروتينات على الأرض. هذه الجزيئات هي الوحدات الأساسية التي جعلت نشوء الحياة ممكناً. مع ذلك، تفترض دراسة أخرى نُشرت في مجلة نيتشر في عام 2023 أن الصفائح التكتونية الأرضية لم تكن متحركة قبل نحو 3.9 مليارات سنة، عندما ظهرت الآثار الأولى للحياة على الأرض.

اقرأ أيضاً: ما هي الصفائح التكتونية وما دورها في حدوث الزلازل؟

قال عالم الحفريات الجيولوجية في جامعة روتشستر، جون تاردونو، في بيان صحفي: "اكتشفنا أن الصفائح التكتونية لم تكن متحركة في الفترة التي يعتقد العلماء أن الحياة ظهرت فيها، كما أن هذه الصفائح لم تصبح متحركة إلا بعد مئات الملايين من السنين من تلك الفترة. تشير البيانات التي جمعناها إلى أنه ليس بالضرورة أن تحتوي الكواكب الخارجية التي نبحث عن الحياة فيها على صفائح تكتونية متحركة". الواضح بالنسبة لنا هو أنه ليس لدى العلماء حتى الآن إجابات حاسمة عن الأسئلة المتعلقة بأصل الحياة على الأرض ووقت ظهورها وآليته وكذلك الدور الذي أدّته الصفائح التكتونية في ذلك، إن أدّت دوراً ما في المقام الأول.

المحتوى محمي