أثار ظهور سلالة جديدة من فيروس إنفلونزا الطيور (H5N1) ضجة إعلامية حول العالم، ومخاوف من انتشار الفيروس بين البشر وتحوّله إلى وباء مهدد للحياة، خاصة بعد وفاة شخص أُصيب بالسلالة الجديدة A(H5N2) في المكسيك. إلى جانب ذلك، حظرت وزارة الزراعة الفلبينية واردات الطيور ومنتجات الدواجن من أستراليا بسبب تفشي إنفلونزا الطيور في ولايات أسترالية. فهل يشهد العالم جائحة جديدة بعد كوفيد-19؟ وما خطوات حماية أنفسنا؟
أول حالة وفاة بشرية
أعلنت منظمة الصحة العالمية وفاة أول حالة إصابة بشرية مؤكدة مختبرياً بفيروس إنفلونزا الطيور A(H5N2)، بعد أن أبلغت المكسيك المنظمة عن الوفاة في 23 مايو/أيار 2024. وعلى الرغم من عدم التأكد من مصدر العدوى، أبلغت المكسيك عن وجود إصابات بفيروسات A(H5N2) في الدواجن.
تشير المعلومات إلى معاناة الشخص المُتوفى أمراضاً مزمنة شديدة، تشمل أمراض الكلى والسكري وضغط الدم، وكان طريح الفراش قبل الوفاة عدة أسابيع، ولم يثبت أن الفيروس هو السبب الرئيسي للوفاة. كذلك، لم تنتقل العدوى إلى أي من الذين تعاملوا مع المُتوفى قبل دخوله المستشفى، وكذلك داخلها، علاوة على أنه لم يكن أحد على علم بعد بإصابته بالفيروس، أي لم تكن هناك أي إجراءات احترازية آنذاك، ما يعني عدم وجود دليل على انتقاله من إنسان إلى إنسان بسهولة.
اقرأ أيضاً: متى ينبغي الحصول على مساعدة طبية لعلاج الإنفلونزا؟
القطط وسيلة عدوى محتملة
وفي سياقٍ متصل، وجدت دراسة حديثة نشرتها مجلة الأمراض المعدية الناشئة (Emerging Infectious Disease) التابعة لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركي (CDC)، أن السلالة الأوراسية 2.3.4.4b من فيروس إنفلونزا الطيور الشديدة الإمراض A(H5N1) تُصيب القطط وأبقار الألبان في ولايتي تكساس وكانساس بالولايات المتحدة الأميركية.
أظهرت الأبقار المصابة علامات سريرية، مثل انخفاض إنتاج الحليب، وغلاظة قوامه، واصفرار لونه. ونفق أكثر من نصف عدد القطط التي أُطعِمت حليب الأبقار المريضة، ما يعني إمكانية انتشار الفيروس من خلال الحليب، وإصابة أنواع ثدييات أخرى.
كشفت التحليلات تضرر أنسجة الدماغ والعين والقلب والرئتين لدى القطط النافقة، ما يشير إلى عدوى جهازية، وأظهرت التحليلات التطورية (phylogenetic analyses) تشابهاً كبيراً بين التسلسلات الجينية لحليب الأبقار وأنسجة القطط.
وعلى الرغم من انخفاض خطر انتقال إنفلونزا الطيور من الحيوانات الأليفة إلى البشر في الوقت الحالي، فإن القطط تُعدّ وسيلة محتملة لانتقال الفيروس إلى البشر، مثلما حدث عام 2016، عندما أُصيب طبيب بيطري في نيويورك بإنفلونزا الطيور بعد تلامسه مع قطة مصابة.
وفي الولايات المتحدة، أُبلِغ عن حالات عدوى متفرقة لدى الأبقار في تسع ولايات، ما أدّى إلى إصابة ثلاثة عمال ألبان بالفيروس، وكانت هذه أول حالة مؤكدة لنقل العدوى من بقرة إلى إنسان. وبينما أصيب اثنان من عمال الألبان بالتهاب العين وتعافى كلٌ منهما سريعاً، أظهرت حالة عامل الألبان الثالث في ميشيغان أعراضاً تنفسية نموذجية للإصابة بالفيروس، مثل السعال، ما يعني إمكانية انتشار الفيروس بين البشر.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أكثر 5 أمراض شيوعاً تُصيبنا بها الحيوانات الأليفة
إصابات متزايدة ووفيات بشرية
ينتقل فيروس إنفلونزا الطيور بطريقة أساسية بين الطيور، واكتُشِف أول مرة في الأوز في الصين عام 1996. يمكن لإنفلونزا الطيور أن تُصيب الثدييات التي تتغذى على الطيور المصابة أو تتلامس مع هذه الطيور أو البيئة الملوثة، بما في ذلك الحيوانات البرية والحيوانات الأليفة. وتُعدّ الطيور المُهاجرة والدواجن المنزلية من المصادر الرئيسية لانتشار إنفلونزا الطيور.
عام 2020، اكتُشِف نوع جديد من فيروس H5N1 يُعرف باسم إنفلونزا الطيور الشديدة الإمراض (HPAI) في الطيور البرية في أوروبا، ورُصِد للمرة الأولى في الولايات المتحدة وكندا في أواخر عام 2021، ومنذ ذلك الحين انتشر في الولايات الخمسين جميعها.
في السنوات الأخيرة، أظهرت فيروسات إنفلونزا الطيور قدرة على إصابة أنواع مختلفة من الثدييات البرية والبحرية؛ حيث سُجِلت حالات عدوى بالسلالة الأوراسية 2.3.4.4b من فيروس H5N1 في القطط والكلاب والماعز والأبقار في أميركا الشمالية، وكذلك في الدببة القطبية وفقمة الفراء في المناطق القطبية، ما أثار قلقاً كبيراً، خاصة بعد اكتشاف حالات عدوى شديدة بين البشر في تشيلي والإكوادور.
وبلغ معدل الوفيات البشرية بسبب الإصابة بإنفلونزا الطيور خلال الفترة من عام 2003 إلى 2024 نحو 50%. وعلى الرغم من ارتفاع هذه النسبة بسبب عدم ظهور أعراض أو ظهورها بدرجة خفيفة في بعض الحالات، فقد يشير ذلك إلى خطورة الفيروس.
خطر متزايد لكنه تحت المراقبة
حتى هذه اللحظة، تقيّم منظمة الصحة العالمية مخاطر هذا الفيروس على الصحة العامة بـ "منخفضة"، وعلى الرغم من أن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركي صنّف مخاطر انتشار الفيروس بين البشر حالياً على أنها "منخفضة" أيضاً، وذلك لعدم قدرته على الانتقال بسهولة بينهم، فإن الخبراء يشعرون بالقلق من احتمالية تطور الفيروس وتكيفه ليصبح أكثر عدوى وقدرة على الانتشار بين البشر.
فانتشار الفيروس في أنواع حيوانية جديدة مثل الأبقار، علامة تشير إلى قدرته على التكيٌّف والتطور، وتزيد احتمالية انتشاره إلى أنواع أخرى، بما في ذلك البشر. وهناك مخاوف من احتمالية إصابة الخنازير بصفة خاصة بالفيروس، لأنها يمكن أن تُصاب بفيروسات الإنفلونزا البشرية والحيوانية على حدٍّ سواء، ما يمكن أن يؤدي إلى إعادة تشكيل وراثي لسلالات الإنفلونزا المختلفة.
وتخطط الولايات المتحدة لإجراء أبحاث لدراسة مدى انتشار إنفلونزا الطيور في الأجهزة التنفسية للأبقار الحلوب لفهم آليات انتشار الفيروس، وتحديد خطوات احتوائه، وتقليل خطر التعرض إليه.
خطوات حماية أنفسنا وحيواناتنا الأليفة
يجب على أصحاب الحيوانات الأليفة والمزارعين التنبه لمخاطر إنفلونزا الطيور، وتطبيق ممارسات ضمان سلامة الغذاء عند التعامل مع لحوم الدواجن، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنّب انتقال العدوى من الحيوانات الأليفة إلى البشر.
ويمكن للخطوات الوقائية التالية أن تساعدنا على حماية أنفسنا والآخرين:
- يُفضّل ارتداء قفازات ثم التخلص منها بعد الانتهاء، وغسل اليدين بالماء والصابون بعد التلامس مع الطيور أو الحيوانات.
- يمكن تناول لحوم الدواجن والبيض بأمان عند طهيها بشكلٍ صحيح عند درجات تصل على الأقل إلى 70-80 درجة مئوية، وهي درجات كافية لقتل الفيروس.
- يُنصح بتجنّب تناول الحليب غير المُبستر ومنتجات الألبان غير المبسترة، واختيار الحليب المُبستر لضمان سلامة الغذاء.
- يجب تجنّب التلامس المباشر مع الطيور البرية أو لمس الطيور المريضة أو الميتة، والاتصال بوحدة الصحة البلدية للإبلاغ عنها.
- يجب ارتداء مُعدّات الحماية الشخصية عند التعامل مع الطيور أو الحيوانات، خاصة أبقار الألبان أو أي حيوان آخر يُحتمل أن يكون مصاباً، أو عند لمس الأسطح أو المواد التي قد تكون ملوثة، وكذلك فضلات هذه الحيوانات.
- تُوصي منظمة الصحة العالمية بتجنب المزارع، وأسواق الحيوانات الحية، والمناطق التي تُذبح فيها الحيوانات، والأسطح الملوثة بفضلات الحيوانات خاصة عند السفر إلى المناطق التي تشهد تفشياً للإنفلونزا الحيوانية.
- يجب مراقبة صحة حيوانك الأليف إذا تعرض لطيور برية مصابة، أو تناول منتجات حيوانية نيئة، والاتصال بالطبيب البيطري عند ظهور أعراض.
تقول الطبيبة البيطرية، إيناس عشري، إن وضع الحيوان الأليف في بيئة محددة، مثل المنزل أو الحديقة الخاصة، أمرٌ مقبول، لكن تكمن المشكلة عندما نُطلق سراح الحيوان الأليف إلى الخارج باعتبارها حرية له ثم يعود إلى المنزل من جديد، وهذا خطأ وينطوي على مخاطرة كبيرة. تفسّر عشري ذلك بأننا قد نغفل عما يمكن أن يُصيب هذه الحيوانات في الخارج؛ فقد تنتقل العدوى إليها من خلال التلامس مع إفرازات الطيور، أو عبر اللعب معها، أو حتى عند لمس أسطح ملوثة.
اقرأ أيضاً: ما عواقب السماح للقطط بالتجول بالخارج بحرية؟
وتوضّح عشري أن بعض أصحاب الحيوانات الأليفة يُقدّم لها أغذية نيئة أو غيرمطهية، مثل لحم الدواجن ظناً منهم أن تناول الحيوانات هذه الأغذية يُفيدها ويُحسّن شكلها ويزيد وزنها. تؤكد عشري أن هذا يمكن أن يؤدي إلى انتشار الأمراض والعدوى بين الحيوانات والبشر، وتشير إلى أن التلامس المباشر مع الفيروس من خلال تناول الأغذية النيئة من أهم طرق انتقال الفيروس إلى الإنسان.
ماذا تفعل إذا ظهرت عليك علامات العدوى أو أُصيب حيوانك الأليف؟
تشمل أعراض إنفلونزا الطيور الحمى وصعوبة التنفس والسعال والتهاب الحلق والعيون والصداع وسيلان الأنف أو انسداده والإسهال وآلام العضلات والتعب العام. لكن قد لا تظهر أي أعراض عند الإصابة بإنفلونزا الطيور، وقد تظهر أعراض مرضية خفيفة تشبه الإنفلونزا، أو تتفاقم إلى مرض شديد يتطلب دخول المستشفى.
لذلك، راقب صحتك إذا تعرضت لحيوانات مصابة أو محتمل أن تكون كذلك، واتصل بمقدم الرعاية الصحية إذا ظهرت علامات مرض، واعزل نفسك عن الآخرين حتى تظهر نتائج الاختبار.
وبالمثل، تفيد عشري بأنه من الممكن ألّا تظهر أي علامات إذا أُصيب الحيوان بالعدوى، وقد تظهر بعض العلامات الخفيفة، مثل الكسل وزيادة النوم وقلة الأكل. بعد ذلك، تُصبح الأعراض أكثر وضوحاً مثل أعراض الإنفلونزا المعروفة. تشير عشري إلى أن شدة الأعراض تعني انتشار الفيروس في الجسم، ما يعني ارتفاع احتمالية الوفاة في هذه المرحلة، وتنصح بمراقبة الحيوان الأليف بِدقّة والانتباه إلى أي علامات أو أعراض مثيرة للشك.
وفي حال تأكيد الإصابة بإنفلونزا الطيور، توضّح عشري أن ما يمكن عمله هو تعزيز مناعة الحيوان حتى لا تظهر الأعراض أو تتفاقم، ويُصبح الفيروس خاملاً في الجسم دون أن يُسبب المرض. إلى جانب التركيز على الحفاظ على نظافة الحيوان وصحته، ما يُقلّل خطورة الأعراض في حال الإصابة.
وبصفة عامة، لا يتاح اختبار لتأكيد الإصابة بفيروس H5N1 للجمهور حالياً، ويمكن فقط لمختبرات الصحة العامة إجراء اختبارات محددة، ولا توجد في الوقت الحالي أي لقاحات متاحة ضد إنفلونزا الطيور، لكن يجرى العمل على تطوير لقاحات محتملة، ويُمكن استخدام الأدوية المضادة للفيروسات لعلاج العدوى بين البشر، كما يُمكن للأطباء البيطريين إعطاء لقاحات مضادة لفيروسات أمراض حيوانية عديدة، وتحسين مناعة الحيوان لمكافحة الفيروسات المختلفة.