السفر بالطائرات ليس خطيراً كما يبدو

5 دقائق
طائرات، أليس كذلك؟

عانت صناعة النقل الجوي من العديد من الخيبات مؤخراً. ففي 17 أبريل، ماتت إحدى مسافرات شركة ساوث ويست للطيران بعد أن شُفطت جزئياً إلى خارج الطائرة إثر انفجار أحد المحركات أثناء الرحلة. وفي 2 مايو، اضطر طيارون من نفس الشركة لإجراء "هبوط فجائي" بعد الإقلاع بقليل بسبب نافذة متشققة. وبعد الحادثة الأولى، ألغت شركة ساوث ويست العديد من الرحلات لإجراء فحوصات للسلامة. ومن المؤكد أن واحداً على الأقل من الناجين من هذه الحوادث سيقاضي الشركة، كما أن المستهلكين أصيبوا بالرعب نتيجة تجدد المخاوف من النقل الجوي.

كان مقتل جينيفر ريوردان في 17 أبريل مأساة حقيقية، ولا شك في أن الإدارة الفدرالية الأميركية للطيران محقة في إصرارها على التحقيق في جميع المشاكل الميكانيكية، الكبيرة منها والصغيرة، بعد وقوع حوادث من هذا النوع. غير أن الاهتمام الذي ولدته هذه الحادثة وغيرها يعود، ولسخرية القدر، إلى سجل السلامة الإجمالي الممتاز لشركات الطيران. من المؤكد أنه لا توجد وسيلة نقل آمنة بشكل مثالي، وقد يكون الخيار الأكثر أماناً هو أن تجلس مكانك بقية حياتك، ولكن الطيران ما زال وسيلة نقل آمنة للغاية، ولإدراك هذه المسألة بشكل جيد، يجب أن تشغل ذهنك بعض الشيء.

بيانات من سافاج، 2013
الإنفوجرافيك: سارة تشودوش

يوجد الكثير من الأساليب لقياس المخاطر، كما يقول فريدريك ليميو، وهو أخصائي بعلم الجريمة وبروفسور في جامعة جورجتاون. ويقول أن الباحثين يقومون بتكميم المخاطر في وسائل النقل المتعددة بشكل أساسي بالاعتماد على عدد الوفيات في كل راكب-ميل.

تعني واحدة راكب-ميل ما يكافئ ميلاً واحداً من السفر لكل راكب، وعلى سبيل المثال، إذا كان لدينا راكبان في نفس السيارة إلى نفس الوجهة لمسافة ميل واحد، فهما يكافئان 2 راكب-ميل. ووفقاً لدراسة نشرت في 2013 في مجلة Research in Transportation Economics، يموت 7.2 شخص لكل مليار راكب-ميل في السيارة. وعلى الرغم من اختلاف الأرقام من سنة إلى سنة، تقول التقديرات التقريبية أنه بالنسبة لكل مليار راكب-ميل، يموت 3.17 في العبّارات، وأقل من شخص واحد على القطار أو الترامواي أو الباص. ولكن الطائرات أكثر أماناً حتى من هذا، على الأقل بالنسبة لهذا القياس، حيث يبلغ هذا الرقم فقط 0.07.

قد يبدو هذا السجل مشرّفاً، ولكن ما زال لدى ليميو بعض الشكوك. فعلى الرغم من أن عدد الوفيات لكل راكب-ميل معامل إحصائي هام، يقول ليميو أن نماذج المخاطر التي تعطي الأولوية لهذا الرقم مقارنة مع غيره تعاني من نقص جذري: "تعاني شركات النقل الجوي، وشركاؤها العالميون الذين يحددون المعايير لتقييم المخاطر، من ضيق ومحدودية في مقاربتهم لدراسة المخاطر والسلامة في صناعة النقل الجوي". قد تكون الوفيات الناتجة عن الطيران نادرة، ولكن غالباً ما تقع أثناء السفر الجوي حوادث سلبية أخرى، بل خطيرة في بعض الأحيان، وهي تستحق إعادة النظر فيها. وعلى سبيل المثال، أجريت بعض التجارب لاختبار فعالية إدارة أمان النقل الأميركية، وكشفت هذه التجارب وجود ضعف كبير في اكتشاف المواد الخطيرة والمحظورة في الأمتعة. إضافة إلى هذا، تتسبب الضغوطات الاقتصادية بإرهاق الطيارين وتشغيل الطائرات لفترات طويلة بدون فحص، ما قد يؤدي إلى حوادث كارثية. كما يتعرض الركاب للكثير من الإصابات، سواء من الاضطرابات الهوائية أو حوادث التصادم الوشيكة، وهي أمور سلبية حتى لو لم تتسبب بالوفاة، وفقاً لليميو.

على الرغم من هذا، فقد أثبتت الطائرات مراراً وتكراراً أنها أكثر وسائل النقل أماناً، على الأقل من ناحية وصولك إلى وجهتك على قيد الحياة، حتى لو لم تكن رحلتك سعيدة. وعلى سبيل المثال، فقد ألغى آلاف الأميركيين حجوزاتهم بسبب الخوف بعد أحداث 9/11، ولهذا ازداد عدد الناس الذين يسافرون بالسيارة بدلاً من الطائرة في الأشهر التي تلت هذه الحادثة، وقد تمكن الباحثون من برهان وجود صلة ما بين هذه الزيادة والزيادة في عدد الوفيات الناتجة عن حوادث السير. وقد نشرت دراسة عن هذا الموضوع في 2012، وذكر العلماء وجود زيادة في وفيات حوادث السير ما بين أكتوبر 2001 وسبتمبر 2002 بمقدار 1,600 وفاة عما هو متوقع، وهي ناتجة على الأرجح عن المخاوف التي كانت تحيط بالسفر الجوي. ويقول الباحثون في ورقتهم البحثية: "يمكن للإرهابيين أن يضربوا مرتين، مرة بقتل الناس بشكل مباشر، ومرة أخرى بدفع الناس إلى السلوكيات الخطرة عن طريق الخوف".

التقديرات مبنية على بيانات من 2014-2016 (بيانات السنة المواضية متوافرة بالتفصيل) من مكتب إحصائيات النقل.
الإنفوجرافيك: سارة تشودوش

كانت هذه الاستجابة لتجنب المخاطر "معقولة"، وفقاً لليميو، بما أن أحداث 9/11 كانت غير مسبوقة في التاريخ. غير أن استمرار الخوف من الطيران بعد مرور الكثير من السنوات (والأبحاث أيضاً) أمر غير منطقي. ومن المثير للاهتمام أن 2001 كان في الواقع العام الأول من فترة طويلة دامت لفترة 15 عام من تناقص عدد حوادث اختطاف الطائرات. ومن بين 1,066 حادثة اختطاف مسجلة من قبل شبكة سلامة الطيران منذ 1931، لم يُبلغ سوى عن 50 حادثة منذ 9/11. لماذا إذاً، ومع كل هذه البيانات، ما زلنا خائفين من الطيران؟

كُتب الكثير عن موضوع رهاب الطيران. فقد ادعت ذا جارديان، إلى حد ما، أن السفر الجوي يمثل نقطة تركيز لكل مخاوفنا من الحداثة. كما كتبت واشنطن بوست موضوعاً عن المعالجين النفسيين المختصين برهاب الطيران، والذين يقومون بعملهم بشكل ميداني عن طريق العلاج بالمواجهة (أي إجبار المريض المضطرب على أخذ رحلة مرعبة بالطائرة) وأساليب أخرى للتخفيف من رهاب الطيران.

أجرت إحدى مدارس الطيران دراسة حول الموضوع، وبينت هذه الدراسة أن الطبيعة التي تميل إلى التحكم بكل شيء، والمخيلة الواسعة، هي من العوامل التي ترجح وجود رهاب الطيران. إضافة إلى هذا، كما يقترح ليميو، فإن الراكب العادي لا يستطيع التعرف على المشكلة الحقيقية أثناء الطيران وتمييزها عما هو طبيعي، ما يؤدي إلى تفاقم هذه المخاوف. يمكن لمعظمنا أن يميز بسهولة وجود مشكلة ما في محرك سيارة، ولكن كل صوت تصدره الطائرة، مهما كان سببه الحقيقي، ينذر بالكارثة بالنسبة للأذن غير المدربة. إضافة إلى هذا، وفي حال وجود مشكلة حقيقية، يعتقد الكثير من الناس –بغض النظر عن صحة هذا الاعتقاد- أنه يمكن تدبر سيارة أخرى وإنقاذ الموقف، ولكن هذا مستحيل في حال ركوب الطائرة. ولكن قد يكون هناك سبب آخر يساهم في خوفنا من الطيران: التغطية الإعلامية.

أسوأ مكان على الأرض... أو فوقها.
مصدر الصورة: ديبوزيت فوتوز

أقر علماء النفس منذ زمن بأن البشر يميلون إلى الخوف من الأمور نادرة الحدوث. وعلى سبيل المثال، تتسبب أمراض القلب بوفاة 160,000 أميركي سنوياً، ولكن لا يوجد الكثير من المصابين برهاب الشرايين المسدودة. وبدلاً من هذا، تحتل الأحداث المستبعدة إحصائياً، مثل الزلازل، مكانة متقدمة في مخاوفنا المفترضة. وعلى الرغم من أن مشاهدة خبر عاجل عن حادثة تحطم طائرة لن يتسبب لك برهاب جديد على الأغلب، يفترض الخبراء على نطاق واسع أن التغطية الإعلامية الكثيفة لحوادث التحطم قد تغير من طريقة فهمنا للمخاطر. ففي كل مرة يُكتشف فيها عطل ما في طائرة، خصوصاً الأعطال المتكررة في نفس الشركة، تحتل القصة المرتبة الأولى في التغطية الإعلامية، ويُستضاف الركاب على الفور في البرامج الحوارية. من الواضح أن الجميع يكتب عن هذه اللحظات، حتى نحن في بوبساي، على الرغم أن نيتنا الحقيقية هنا هي تهدئة روعك. فلو حصل كل حادث سير على نفس التغطية الإعلامية، فسوف يشاهد الأميركيون وسطياً 101 خبراً عاجلاً عن وفيات حوادث السير يومياً، ومن المحتمل أن يشعروا بالمزيد من القلق من التنقل بالسيارات.

في المحصلة، فإن جميع أنماط السفر –والعيش عموماً، بصراحة- تتضمن شكلاً أو آخر من المخاطر. وبالتالي، إذا أردت أن تذهب إلى مكان ما، فاعقل وتوكل، مهما كانت وسيلة النقل التي ستستخدمها، ومن المرجح أنك ستصل إلى وجهتك بأمان.

المحتوى محمي