لغز ستونهنج: كيف نقل البشر حجراً يزن 6 أطنان من اسكتلندا قبل 5 آلاف عام؟

4 دقيقة
لغز ستونهنج: كيف نقل البشر حجراً يزن 6 أطنان من اسكتلندا قبل 5 آلاف عام؟
معلم ستونهنج في ويلتشير، إنجلترا. يعتقد العلماء أن عمر هذا الموقع الذي يعود إلى العصر الحجري الحديث يبلغ نحو 5 آلاف سنة.

ملخص: مَعلم ستونهنج البريطاني من أشهر الأوابد الأثرية عالمياً، ولا يزال بناؤه يشكّل لغزاً حير علماء الآثار طويلاً، لا سيما فيما يتعلق بالحجارة المستخدمة في بنائه والتي لا تعود إلى المنطقة نفسها، بل تم نقلها إليها من مناطق بعيدة. عمر المعلم 5 آلاف عام، وفي دراسة جديدة حلّ العلماء لغز حجر المذبح الذي يزن 6 أطنان، حيث كشفوا عن أنه يعود إلى منطقة في شمال شرق اسكتلندا، وتبعد عن مكان المَعلم 643 كيلومتراً شمالاً، ويشير وجوده في هذا المكان إلى وجود وسائل نقل متطورة في العصر الحجري الحديث في بريطانيا. ورجّح العلماء أن يكون قد تم استخدام طرق نقل برية أو بحرية أو على الجليد، مع ترجيحهم للطريق البحري. تدل النتائج على أن مجتمعات العصر الحجري الحديث كانت أكثر تنظيماً وتطوراً مما نعتقد.

حل العلماء واحداً من الألغاز الأثرية العديدة المتعلقة بمعلم ستونهنج البريطاني. اكتشف الباحثون أن حجر المذبح الذي يبلغ وزنه 6 أطنان يعود إلى موقع يبعد عن المعلم أكثر من 643 كيلومتراً شمالاً في اسكتلندا، وليس إلى ويلز أو المناطق الأخرى الأقرب في جنوب إنجلترا كما اعتقد العلماء سابقاً.

ويشير نقل هذا الحجر إلى احتمال وجود وسائل نقل متطورة أكثر وإلى أن التنظيم المجتمعي كان أكثر تقدماً في تلك المنطقة منذ نحو 5 آلاف عام. فصّل العلماء النتائج في دراسة نشرتها مجلة نيتشر (Nature) بتاريخ 14 أغسطس/آب 2024.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تبين أن كوكب المريخ ربما شهد نشاطاً جيولوجياً

ما هو حجر المذبح؟

مرَّ ما يقرب من 180 جيلاً منذ إنشاء هذا المعلم الحجري الدائري القديم في جنوب غرب إنجلترا، ويبلغ طول حجر المذبح نحو 4.8 أمتار وتبلغ سماكته نحو 48 سنتيمتراً، وهو يقع في وسط الدائرة. على الرغم من أن هذا الحجر ليس عمودياً على سطح الأرض حالياً مثل الأحجار الأخرى، لا يعلم العلماء بعد إن كان عمودياً في الماضي. وصل الحجر إلى المنطقة قرابة عام 2500 قبل الميلاد، لكن تاريخ وصوله الدقيق غير معروف.

أدّى التحليل السابق للموقع الذي يعود إلى العصر الحجري الحديث ويبلغ عمره نحو 5 آلاف عام إلى تحديد نوعين رئيسيين من الأحجار فيه، الصخور المنزلقة والأحجار الزرقاء. حصل بناة هذا المعلم على الصخور المنزلقة من موقع يبعد نحو 24 كيلومتراً في موقع ويست وودز بالقرب من بلدة مارلبورو في إنجلترا، في حين أن بعض الأحجار الزرقاء لها أصول ويلزية. حجر المذبح هو الأكبر بين النُصب الزرقاء، وعلى الرغم من أن الأبحاث السابقة استبعدت أصله الأنجلو-ويلزي، لا يعلم العلماء بعد منشأه بدقة.

حجر المذبح، كما يظهر هنا أسفل حجرين من الصخور المنزلقة الأكبر حجماً. المصدر: الأستاذ نِك بيرس، جامعة أبيرستويث. بيكاسا

العثور على بصمات كيميائية

أرسل فريق من المملكة المتحدة قطعاً من حجر المذبح إلى جامعة كيرتن في أستراليا لاكتشاف المزيد عن أصله. بحث باحثون من مجموعة المقاييس الزمنية للأنظمة المعدنية (Timescales of Mineral Systems Group) في كلية كيرتن لعلوم الأرض والكواكب عن بصمات كيميائية داخل الحبيبات لتحديد عمرها وتركيبها الكيميائي. يمكن أن يساعد ذلك العلماء على تحديد منشأ الحجر. تطابقت القطع الصخرية مع الصخور من شمال شرق اسكتلندا، وكانت مختلفة تماماً عن صخور الأساس في ويلز.

قال طالب الدكتوراة في جامعة كورتن والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، أنتوني كلارك، في بيان صحفي: "توصلنا في التحليل إلى أن عمر بعض الحبيبات المعدنية في حجر المذبح يتراوح بين مليار وملياري سنة، في حين يبلغ عمر معادن أخرى نحو 450 مليون سنة. منحنا ذلك بصمة كيميائية مميزة تشير إلى أن الحجر جاء من صخور حوض أوركادي في اسكتلندا، على بعد 750 كيلومتراً على الأقل من معلم ستونهنج".

هذا الاكتشاف مهم من الناحية الشخصية لكلارك، الذي نشأ في منطقة مينيد بريسيلي الويلزية التي جاء منها بعض أحجار معلم ستونهنج.

قال كلارك: "زرت معلم ستونهنج أول مرة عندما كان عمري سنة واحدة، والآن عندما بلغت 25 عاماً، عدت من أستراليا للإسهام في هذا الاكتشاف العلمي. يمكن القول إنني عدت الآن إلى الحدث الذي بدأت عنده في المعلم".

حجر المذبح، كما يظهر هنا أسفل حجرين من الصخور المنزلقة الأكبر حجماً. المصدر: الأستاذ نِك بيرس، جامعة أبيرستويث. بيكاسا

على وجه التحديد، فإن الفريق متأكد بنسبة تزيد على 95% من أن الحجر جاء من شمال شرق اسكتلندا، وذلك بأخذ عمر معادن الزركون فيه في الاعتبار. استخدم الفريق للحصول على هذه البيانات مقاييس مطياف الكتلة المتخصصة للغاية القادرة على تحديد عمر أي نوع من المواد تقريباً، من المواد المكونة للصخور والسيراميك إلى النيازك أو العظام. لكن على الرغم من استخدام التكنولوجيا الفائقة هذه، تثير النتائج بعض الأسئلة المهمة. ما يزال الفريق غير متأكد من الطريقة التي اتبعها البشر في العصر الحجري الحديث لنقل الأحجار في عام 2600 قبل الميلاد.

قال عالم الجيولوجيا في جامعة كورتن، كريس كيركلاند، في بيان صحفي: "يسلط اكتشافنا لأصل حجر المذبح الضوء على درجة عالية من التنسيق المجتمعي خلال العصر الحجري الحديث، ويساعد على التوصل إلى فهم مذهل لبريطانيا ما قبل التاريخ. من المفترض أن نقل مثل هذه الحمولة الضخمة عبر البر من اسكتلندا إلى جنوب إنجلترا مثّل تحدياً كبيراً للغاية، وهو يشير إلى احتمالية وجود طريق شحن بحري على طول ساحل بريطانيا. يعني ذلك أن البشر الذين عاشوا خلال العصر الحجري الحديث في بريطانيا شكّلوا شبكات تجارية طويلة المدى وتمتعت مجتمعاتهم بمستوى من التنظيم أعلى بكثير مما يعتقد معظم العلماء.

اقرأ أيضاً: العلماء ينشؤون شجرة عائلية تعود إلى العصر الحجري من حمض نووي عمره 7 آلاف عام

عبر الجليد والبر والبحر

يأمل الفريق أن يستخدم البيانات الجديدة لاكتشاف كيف تمكّن البريطانيون في العصر الحجري الحديث من نقل صخرة كبيرة مسافة بلغت نحو 750 كيلومتراً، ولتحديد منشأ الصخرة بالضبط في شمال شرق اسكتلندا الوعر.

وفقاً لكيركلاند، هناك 3 طرق رئيسية يمكن وفقها نقل الحجر مسافات طويلة للغاية، وهي نقله فوق الجليد أو عبر طريق بري أو عبر الماء. يعتقد فريق الدراسة الجديدة أن الطريق البحري هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً. تكشف البيانات المتعلقة بتدفقات الجليد في ذلك الوقت أن الجليد كانت يتحرك في الاتجاه الخاطئ، وأن السفر عبر البر تطلّب عبور الجبال الكبيرة والغابات الكثيفة.

قال عالم الجيولوجيا والكيمياء الجيولوجية في جامعة أبيرستويث، ريتشارد بيفنز، في بيان صحفي: "نجحنا في تحديد عمر حجر قد يكون من أشهر الأحجار في النصب التذكاري القديم المشهور وتركيبه الكيميائي. على الرغم في أننا بتنا نعلم أن هذه الصخرة الشهيرة اسكتلندية وليست ويلزية، فإن البحث سيظل جارياً لتحديد موقع المنشأ لحجر المذبح بالضبط في شمال شرق اسكتلندا".