إذا كنت تأمل بركوب سيارة ذاتية القيادة يوماً ما، فمن المرجح أن هذه الرحلة ستكون ضمن منطقة حضرية. تقدم شركات السيارات ذاتية التحكم، مثل وايمو ودرايف أي آي، فرصة للناس لركوب السيارات ذاتية القيادة، وتختار لهذا الهدف مناطق مثل فينيكس في أريزونا، وفريسكو في تكساس (على الترتيب)، حيث يوجد الكثيرون ممن قد يرغبون بتجربة سيارة مستقبلية للذهاب من مكان إلى آخر. كما أن شركة كروز، وهي جزء من جنرال موتورز، تخطط لإطلاق خدمة سيارات أجرة ذاتية القيادة في السنة المقبلة في مدينة أميركية كبيرة.
ولكن، ماذا لو رغبنا بتسيير مركبة ذاتية التحكم على طريق ريفي، مجرد شريط إسفلتي محاط بأشياء طبيعية مثل الأعشاب والأشجار، بدون خريطة مفصلة ثلاثية الأبعاد يمكن أن تعتمد عليها السيارة؟ قرر باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إم آي تي، التصدي لهذه المشكلة، وتقوم طريقتهم على محاولة تعليم السيارة كيف تتحرك كما يقودها البشر.
يعمل فريق إم آي تي في منطقة ديفون في ماساتشوستس، ولا يوجد هناك خرائط مفصلة. إن الخرائط التي تعتمد عليها التطبيقات، مثل خرائط جوجل، تسمى بالخرائط الطبوغرافية، ويشرح عتها تيدي أورت، مرشح للدكتوراه في إم آي تي ويدرس الروبوتات وأنظمة التحسس فيها، والباحث الأساسي في مشروع القيادة الذاتية الريفية، قائلاً: "تعرض هذه الخرائط قطعاً مستقيمة تبين أي الطرقات تتصل مع بعضها، إضافة إلى شكلها التقريبي. يوجد فرق كبير بين هذا النوع من الخرائط والخرائط التي تُستخدم في السيارات ذاتية القيادة في المدن".
تساعد الخرائط التفصيلية السيارات ذاتية القيادة على معرفة موقعها بالضبط في المدينة، وأماكن تواجد الأرصفة، وما الذي قد تواجهه السيارة أثناء تقدمها، مثل إشارات التوقف. وعلى سبيل المثال، في مشروع درايف أي آي في فريسكو في تكساس، تعتمد السيارات –التي يقودها البشر أولاً- على حساساتها لتشكيل خريطة ثلاثية الأبعاد عالية الدقة تستخدمها لاحقاً للتحرك بشكل ذاتي، غير أن هذا لا ينفع خارج المدن. يقول أورت: "في المناطق الحضرية، يعتبر هذا الحل جيداً وموثوقاً. غير أنه قليل النفع في قسم كبير جداً من البلاد"، علاوة على هذا، تزداد صعوبة المسألة بسبب الأشجار والشجيرات التي تنمو بدون توقف.
وبالتالي، قرر الفريق اعتماد مقاربة تقوم على القيادة بدون خريطة مفصلة. واستخدموا حساس الليدار (الرادار الضوئي) في السيارة المخصصة للبحث، وهو أداة شائعة في السيارات ذاتية التحكم، لكشف الفروقات في الشكل ما بين اسفلت الطريق والعشب على جانبيه. وتتألف وحدة الليدار المستخدمة من 64 إشعاعاً ليزراً تدور بسرعة 10 دورات في الثانية. وتقوم هذه الآلة بكشف الليزر المرتد عن البيئة المحيطة، ما يسمح للسيارة بتحديد شكلها التقريبي. ويقول أورت أن نظام الليزر "ينظر إلى شكل المناطق المحيطة"، حيث أن الطريق مسطح، على عكس الحشائش والشجيرات على جانبيه.
تعتمد السيارة على هذا المبدأ لمعرفة شكل الطريق أمامها، ولكن يجب أن تعرف أيضاً كيف تتحرك إلى وجهتها بدون خريطة ممتازة في ذاكرتها، على الرغم من أنها مزودة بنظام تحديد المواقع العالمي. ولهذا، تختار السيارة ما يصطلح عليه بأنه "هدف محلي"، وهو نقطة على الطريق بشكل مباشر، يمكن للسيارة أن تراها وتتحرك نحوها. ولكنها لا تتحرك إلى هناك وتتوقف، بل تقوم بتجديد هذا الهدف باستمرار كلما اقتربت منه، كما لو أنها تتحرك على بحيرة كبيرة ومسطحة نحو الأفق.
يقول أورت: "يتم تحديث الهدف المحلي حسب أقصى مسافة تستطيع السيارة رؤيتها"، مضيفاً أن هذه العملية تتكرر خمس مرات في الثانية الواحدة. وكلما كان التحديث أسرع، استطاعت السيارة أن تتحرك بسرعة أكبر، وبالتالي فإن تحديث الهدف الموضعي خمس مرات في الثانية يعني أن سرعة السيارة يمكن أن تصل إلى 88.5 كيلومتر في الساعة، على الرغم من أن فريق إم آي تي لم يدفع بالسيارة إلى سرعة كهذه. وباختصار، يمكن أن نعتبر أن الهدف المحلي أشبه بالجزرة التي تتدلى أمام رأس الحصان.
يقول أورت: "إن هذا الأسلوب مشابه لطريقة قيادة البشر". صحيح أن السائق البشري يحمل في ذهنه وجهة نهائية، ولكنه فعلياً يناور بالسيارة على الطريق متجهاً إلى الأمام نحو نقطة يستطيع أن يراها وتتغير باستمرار. في المحصلة، يعتبر أورت أن هذه التقنية أحد الوسائل التي يمكن أن "تساعد على توسيع نطاق السيارات ذاتية التحكم إلى ما خارج المدينة".
يتفق كريستوف ميرتز، وهو عالم أساسي في مشاريع معهد الروبوتات في جامعة كارنيجي ميلون، مع هذه الفلسفة. ويقول إن المناطق الريفية قد "تتعرض للتجاهل"، ويضيف: "إذا لم تتمكن السيارات ذاتية القيادة من التحرك في المناطق الريفية، سيبقى كبار السن عالقين في منازلهم، نظراً لعدم وجود من يقود السيارة بهم".