ملخّص: ظاهرة الكهرباء الساكنة معروفة منذ قرون الزمن، ولكن لم يتمكن العلماء من تفسيرها إلا بوضع افتراضات غير مبررة أو غير قابلة للتبرير. والآن، تمكن فريق من جامعة نورث ويسترن من التوصل إلى تفسير يعتمد على تشكل عيوب على المستوى النانوي في أسطح المواد بسبب فركها، وهي تشوهات مختلفة في مقدّمة ومؤخرة الأجسام المنزلقة، تؤدي إلى نشوء اختلافات في الشحنة ما يؤدي إلى توليد جهد كهربائي. ولإثبات ملاحظاتهم، طوّر الفريق نموذجاً نظرياً جديداً يعتمد على مفهوم يحمل اسم "القص المرن"، الذي يعبّر عن ظاهرة تحدث عندما يقاوم جسم ما قوة انزلاقية ويولّد الاحتكاك في الوقت نفسه. بمجرد تراكم الاحتكاك على جانبي التشوهات النانوية، فإن الاختلافات في الشحنات الكهربائية يمكن أن تولّد تياراً كهربائياً، والصدمة الناتجة عنه.
وثّق البشر ظاهرة الكهرباء الساكنة أول مرة في عام 600 قبل الميلاد. لكن حتى بعد 2,600 سنة من رصد هذه الظاهرة، لم يتمكن الباحثون من التوصل إلى تفسير نهائي يبين لماذا يؤدي فرك جسمين إلى توليد الكهرباء الساكنة. يزعم فريق من جامعة نورث ويسترن أنه توصل إلى حل لهذا اللغز أخيراً. وصف الباحثون نتائجهم في دراسة جديدة نشرتها مجلة نانو ليترز (Nano Letters) بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول 2024، وهي تبين أن الحل بسيط جداً. يعتمد توليد الكهرباء الساكنة على وجود عيوب صغيرة في بنية المادة.
عيوب نانوية هي المسؤولة عن الكهرباء الساكنة
قال الأستاذ الفخري في علوم المواد والهندسة، لورانس ماركس، في بيان صدر بتاريخ 18 سبتمبر/أيلول 2024: "حاول العلماء تفسير النتائج التجريبية ولكن تفسيراتهم اعتمدت دائماً على افتراضات غير مبررة أو غير قابلة للتبرير. أصبحنا الآن قادرين على تفسير تولّد التيار الكهربائي بالاعتماد على وجود تشوهات مختلفة في مقدّمة ومؤخرة الأجسام المنزلقة، تؤدي إلى نشوء اختلافات في الشحنة".
بدأ ماركس وزملاؤه بدراسة خصائص الكهرباء الساكنة أول مرة في عام 2019، عندما اكتشفوا أن فرك مادتين واحدة بالأخرى يؤدي إلى تشكّل انثناءات صغيرة على سطح كل جسم. لاحظ الباحثون أن هذه الحركة تولّد جهداً كهربائياً. انطلاقاً من هذه التجربة، طوّر الفريق نموذجاً نظرياً جديداً يعتمد على مفهوم يحمل اسم "القص المرن"، الذي يعبّر عن ظاهرة تحدث عندما يقاوم جسم ما قوة انزلاقية ويولّد الاحتكاك في الوقت نفسه. بمجرد تراكم الاحتكاك على جانبي التشوهات النانوية، فإن الاختلافات في الشحنات الكهربائية يمكن أن تولّد تياراً كهربائياً، والصدمة الناتجة عنه.
قال ماركس: "طورنا نموذجاً جديداً يمكننا من حساب التيار الكهربائي. توافقت قيم التيار التي يحسبها النموذج مع النتائج التجريبية في مجموعة متنوعة من الحالات".
اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستفادة من الطاقة الشمسية ليلاً؟
تأثير الكهرباء الساكنة في العالم أعمق مما نعتقد
يشير ماركس إلى أنه على الرغم من أن أغلبية الناس تربط الكهرباء الساكنة بظواهر مثل انتصاب الشعر في التجارب العلمية التي تجري في المدارس الابتدائية أو لمس مقبض الباب بعد فرك فراء حيوان أليف، فإن الشحنة الكهربائية تؤثّر كثيراً في العالم "بطرائق بسيطة وعميقة على حد سواء". أحد الأمثلة لذلك هو تأثير شحنة مطحنة القهوة في نكهة البن. تتسبب صدمات الكهرباء الساكنة أيضاً بمشكلات أخطر بكثير، مثل المضاعفات المرتبطة بتناول الأدوية المسحوقة وحرائق المصانع. يعتقد معظم الخبراء أن حادثة تحطم منطاد هيندنبورغ (Hindenburg) الكارثية نتجت على الأرجح عن حريق نتج بدوره عن الكهرباء الساكنة. إذا تمكن الخبراء من مختلف القطاعات من التوصل إلى فهم أعمق للآليات المسؤولة عن الكهرباء الساكنة، فسيصبحون قادرين على تعزيز فعالية منتجاتهم وزيادة أمان ظروف العمل.
اقرأ أيضاً: الموصل الفائق أحادي الاتجاه: خطوة نحو تحسين غير مسبوق في كفاءة استهلاك الطاقة
قال ماركس: "ربما لم تكن الأرض لتصبح كوكباً لولا حدوث عملية مهمة تتمثل في تجمّع الجسيمات التي تشكّل الكواكب، وهذه العملية تحدث بسبب الكهرباء الساكنة التي تولدها الحبيبات المتصادمة. مدى تأثير الكهرباء الساكنة في حياتنا مذهل، وكذلك مدى تأثيرها في الكون ككل". والآن، بعد آلاف السنين، أصبح لدينا تفسير دقيق لهذه الظاهرة.