هل حدث أن تناولت شريحة لحم كبيرة مع البطاطس المقلية أو البيتزا مع زملائك في أثناء استراحة الغداء، وعلى الرغم من أنها كانت وجبة لذيذةً، فإن النعاس بدأ يتسلل إليك بعد وقت قصير ليصبح إغلاق عينيك هو الشيء الوحيد الذي ترغب بفعله؟
في مثل تلك اللحظات لن تستطيع حتى القهوة تغيير الوضع، لأنك مصاب بما يُعرف بغيبوبة الطعام، وهي حالة من الخمول والنعاس تصيب الفرد بعد تناول وجبة الطعام، ويمكن أن تستمر عدة ساعات. فما هي الأسباب التي تقف خلف غيبوبة الطعام؟
اقرأ أيضاً: 8 أسباب للشعور بالنعاس المستمر والنوم الطويل وكيفية علاجها
زيادة مستويات السيروتونين
يوجد الحمض الأميني التربتوفان في الأطعمة الغنية بالبروتين مثل الدجاج والبيض والجبن والأسماك، ويمثل هذا الحمض الأميني لبنة البناء الأساسية للناقل العصبي السيروتونين. وبدوره يعد السيروتونين مقدمة لهرمون النوم (الميلاتونين)، فمع خفوت ضوء النهار، يتحول السيروتونين إلى الميلاتونين، ما يشير إلى أن وقت الاستعداد للنوم قد حان. توصّلت دراسة أجراها معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ونشرتها مجلة نيورون (Neuron)، إلى أن السيروتونين ضروري للنوم، إذ وجدوا أنه لدى إزالة الخلايا العصبية المنتجة للسيروتونين أو تقليل كمية السيروتونين التي تنتجها وراثياً، انخفضت مدة نوم حيوانات التجربة.
لذا، عندما تتناول وجبة غنية بالبروتين والكربوهيدرات، قد تشعر بالنعاس لأن الجسم يمتص التربتوفان من البروتين ثم يزيد مستويات السيروتونين.
تناول الدهون غير الصحية
وفقاً لدراسة نشرتها المجلة الأميركية لطب نمط الحياة (American Journal of Lifestyle Medicine)، يسبب تناول الدهون المشبعة والمتحولة زيادة الشعور بالتعب والحاجة للراحة بعد الوجبات، وهي الدهون غير الصحية التي قد توجد في أطعمة مثل المخبوزات واللحم والسمنة والجبن والدواجن ذات اللحوم الداكنة، وخاصة التي تحتوي على الجلد، والأطعمة المقلية، والآيس كريم وزيت النخيل ومنتجات الألبان كاملة الدسم.
تناول الميلاتونين
الميلاتونين أو هرمون النوم، هو الهرمون المنظم للنوم واليقظة. تتأثر مستوياته بمستوى الإضاءة، ففي المساء، وعندما تخفت الإضاءة، يزداد إنتاج الغدة الصنوبرية في الدماغ له، ما يوحي للجسم أن وقت الاسترخاء والاستعداد للنوم قد حان. في المقابل، ينخفض مستواه عندما يكون مستوى الإضاءة عالياً.
وفقاً للمراجعة التي نشرتها دورية المغذيات (Nutrients)، فإن تركيز الميلاتونين في مصل الإنسان يمكن أن يزيد بدرجة كبيرة بعد تناول الأطعمة التي تحتوي على الميلاتونين، حيث يوجد الميلاتونين في المكسرات والأعشاب الطبية، بما فيها درقة بايكال (Scutellaria baicalensis) التي قد تحتوي على 7110 نانوغرامات من الميلاتونين لكل غرام من الوزن الجاف، وفي البيض والأسماك بنسب أعلى من تلك الموجودة في اللحوم، وفي الحليب البشري والبقري، وفي الشعير وحبوب الذرة.
اقرأ أيضاً: لماذا نعشق الكربوهيدرات؟ السر يكمن في كيمياء الجسم الداخلية
تناول وجبة غنية بالكربوهيدرات
يؤدي تناول الأغذية الغنية بالكربوهيدرات إلى رفع مستويات سكر الغلوكوز في الدم، وخاصة الأغذية ذات المؤشر الغلايسيمي المرتفع، وهو مقياس لتصنيف الأطعمة وفقاً لتأثيرها في مستويات السكر في الدم بعد تناولها.
يؤدي هذا الارتفاع إلى إطلاق البنكرياس للإنسولين، الذي يساعد الخلايا على امتصاص الغلوكوز للحصول على الطاقة. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي هذا غالباً إلى انخفاض سريع في مستويات السكر في الدم، ما يسبب ما يُعرف عادةً باسم "انهيار السكر"، والذي يمكن أن يجعلك تشعر بالتعب والخمول.
من الأطعمة ذات المؤشر الغلايسيمي المرتفع:
- المخبوزات، مثل الخبز الأبيض أو خبز القمح.
- الحبوب، مثل رقائق الذرة ودقيق الشوفان.
- البطاطس.
- سكر المائدة.
- البطيخ.
- الأرز الأبيض.
الإفراط في تناول الطعام
عندما تأكل كميات كبيرة من الطعام، يتعين على جهازك الهضمي أن يعمل بجهد أكبر لمعالجة كل ذلك. يؤدي هذا الجهد المتزايد إلى تحويل تدفق الدم بعيداً عن أجزاء أخرى من الجسم، بما فيها الدماغ، ما يجعلك تشعر بالخمول والنعاس.
إيقاعات الجسم
يمر الجسم يومياً بدورة منتظمة من النوم والاستيقاظ تنظمها الساعة البيولوجية الداخلية، وتُعرف بالإيقاع اليومي. تتضمن الدورة حالة يقظة في النهار، وشعوراً بالتعب والنعاس يزداد تدريجياً في الليل حتى النوم والاستيقاظ مجدداً. ومع ذلك، أفادت الأبحاث بوجود ذورة صُغرى للنوم، تُعرف باسم الإيقاع التوافقي مدة 12 ساعة، والتي غالباً ما تكون في وقت مبكر من الظهيرة. في الواقع تتوافق هذه الفترة من اليوم مع انخفاض الأداء في العمل لدى معظم العاملين، وقد كانت السبب في زيادة الحوادث خلال الفترة الممتدة من الثانية إلى الرابعة مساءً، والتي تتوافق مع فترة الغداء غالباً.
اقرأ أيضاً: 11 طريقة بسيطة للتغلب على النعاس في أثناء العمل
نصائح للتغلب على النعاس بعد تناول الطعام
غالباً ما تتضارب حالة غيبوبة الطعام مع الحاجة للعمل أو الدراسة، بل وقد تكون خطرة عند القيادة أو أداء الأنشطة التي تتطلب تركيزاً. لتقليل تأثيرات النعاس بعد تناول الطعام يمكنك اتباع النصائح التالية:
- تناول حصصاً معتدلة، وكن واعياً لمستوى الشبع.
- تناول وجبات متوازنة من حيث محتواها بالعناصر الغذائية، من بروتين وكربوهيدرات ودهون.
- خذ قسطاً كافياً من النوم كل ليلة.
- عرّض نفسك لقسط كاف من ضوء النهار، حيث وجدت دراسة نشرتها دورية آفاق في الصحة العامة (Frontiers in Public Health) أن التعرض للضوء الأبيض الساطع يقلل تأثيرات تراجع الطاقة بعد الغداء.
- تجنب تناول الكثير من الكربوهيدرات المكررة.
- خذ قيلولة قصيرة مدة 30 دقيقة، لأنها تساعد على استعادة الأداء الذهني؛ فبدلاً من مقاومة تأثيرات "غيبوبة الطعام"، يمكن أن تكون القيلولة القصيرة في فترة ما بعد الظهر مفيدة.