عقب سقوط النظام في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، شاهد معظمنا ما خبأته السجون السورية من معاناة جسدية ونفسية مر بها المعتقلون، وهذا ما أبدته أجسادهم النحيلة وقواهم الواهنة، وفي مثل تلك اللحظات المؤثرة فإن ذوي المعتقلين وأحباءهم قد تدفعهم مشاعرهم إلى إطعامهم ما لذّ وطاب، دون علمهم بأنهم بتلك الطريقة يسببون لأجسادهم صدمة تؤدي بهم إلى الانهيار.
والشيء بالشيء يذكر، فقد ورد عن الباحث المتخصص في المجاعات، أليكس دي وال (Alex de Waal)، أنه في نهاية الحرب العالمية الثانية، وعندما حررت قوات الحلفاء معسكرات الاعتقال النازية، كان الناجون منها شديدي الهزال، ما دفع بالجنود الأميركيين والبريطانيين إلى إطعامهم، لكنهم في الواقع تسببوا من دون قصد في هلاكهم! لقد كان الطعام بالنسبة لهم جسماً غريباً ولم تتمكن أجسامهم من التعامل معه، ما أودى بحياتهم، وهو ما يُطلق عليه "متلازمة إعادة التغذية". فما هي الطريقة المثالية لإعادة تغذية الذين عانوا سوء التغذية زمناً طويلاً؟
اقرأ أيضاً: 6 خرافات في التغذية عليك ألّا تصدقها
كيف تحدث متلازمة إعادة التغذية؟
يؤدي سوء التغذية الذي يتعرّض له المعتقلون فترات طويلة إلى تدهور كبير في وظائف الجسم وبنيته، ما يؤثر في أنظمة متعددة بما في ذلك الجهاز العضلي والقلب والأوعية الدموية والجهاز الهضمي والجهاز المناعي. يتكيف الجسم مع المجاعة من خلال تغيير مساراته الأيضية، فيتحول عن استقلاب الكربوهيدرات إلى مخازنه من الدهون وتكسير بروتين العضلات، لتقليل إنفاق الطاقة والحفاظ على الوظائف الأساسية. كما يتباطأ التمثيل الغذائي في أثناء الراحة بنسبة تصل إلى 20%، وهو كمية الطاقة التي يحتاجها الجسم للحفاظ على وظائفه الحيوية عندما يكون في حالة راحة.
مع هذا التكيف، يقل استهلاك الجسم للمغذيات الدقيقة، من كهارل وفيتامينات ومعادن مثل البوتاسيوم والفوسفور والمغنيزيوم والكالسيوم والثيامين، وتنخفض مخزونات الجسم منها، لكنه عندما يعود إلى التغذية من جديد، ينتقل إلى استقلاب الكربوهيدرات، ما يؤدي إلى زيادة إنتاج الإنسولين، الذي ينظم دخول كل من الغلوكوز والكهارل أيضاً إلى الخلايا من مجرى الدم.
يؤدي الطلب المفاجئ على الشوارد إلى انخفاض مستوياتها في الدم بشدة، ما قد يؤثر بدوره على عمل أعضاء عديدة في الجسم، ويسبب فشلَها ومن ثم الموت.
أعراض الإصابة بمتلازمة إعادة التغذية
تبدأ أعراض متلازمة إعادة التغذية بالظهور خلال 1-3 أيام من بدء إعادة التغذية، وقد تستمر حتى 5 أيام. عموماً، تسبب متلازمة إعادة التغذية:
1- نقص فوسفات الدم: يعد العرَض الأكثر شيوعاً في متلازمة إعادة التغذية، إذ أشارت المراجعة المنشورة في دورية "التغذية في الممارسة السريرية" (Nutrition in Clinical Practice)، إلى أن 96% من حالات متلازمة إعادة التغذية ترافقت بنقص في فوسفات الدم. يعد الفوسفات أساسياً لعمل أجهزة عديدة، بما فيها الجهاز التنفسي والعصبي العضلي والقلب والغدد الصماء والجهاز الدموي، بالإضافة إلى أنه يعدّ أحد مكونات مركب ثلاثي فوسفات الأدينوزين (ATP)، أي أنه أساسي لتوفير الطاقة للخلايا، ومن أعراض نقصه:
- الارتباك أو التردد.
- النوبات.
- انهيار العضلات.
- مشاكل عصبية عضلية.
- قصور القلب الحاد.
2- نقص المغنيزيوم في الدم: يرتبط المغنيزيوم بأكثر من 300 مسار إنزيمي، فهو يسهم في عملية تخليق البروتينات، إضافة إلى أنه أساسي لوظائف العضلات والقلب والأعصاب. يؤدي انخفاضه في الدم إلى ما دون 1.2 ميليغرام في الديسيلتر من الدم إلى:
- ضعف العضلات.
- عدم انتظام ضربات القلب البطيني.
- مشكلات عصبية عضلية.
- حمّاض أيضي وفقدان الشهية.
3- نقص بوتاسيوم الدم: يؤدي نقص البوتاسيوم في الدم إلى:
- الضعف والشلل والارتباك.
- عدم انتظام ضربات القلب.
- السكتة القلبية.
- التبول المفرط.
- مشاكل في التنفس.
- الانسداد المعوي، والذي ينطوي على انسداد في الأمعاء.
- شلل.
اقرأ أيضاً: هل نقص الصفيحات الدموية يعني الإصابة بسرطان الدم؟
مضاعفات متلازمة إعادة التغذية
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن أن تسبب إعادة تقديم الطعام إلى شخص تعرض إلى سوء التغذية أو الجوع بشدة إلى مضاعفات أخرى مثل:
- ارتفاع سكر الدم، وهو ما يسبب مشكلات مثل الصداع وعدم وضوح الرؤية وكثرة التبول.
- اضطرابات ذهنية مثل الارتباك.
- تغير مستويات الصوديوم في مصل الدم.
- احتباس السوائل.
- ضعف العضلات.
- الغيبوبة أو الوفاة بسبب نقص البوتاسيوم.
كيف يمكن تغذية المعتقلين الذين عانوا سوء التغذية زمناً طويلاً؟
تجنباً للإصابة بمتلازمة إعادة التغذية التي قد يصاب بها المعتقلون، ينبغي اتباع التعليمات التالية:
- التقييم الأولي: تتضمن هذه المرحلة تقييم الحالة الغذائية للمعتقل، تحت إشراف طبي، لتحديد مستويات الإلكتروليتات في الجسم، وأي حالات طبية كامنة. في بعض الحالات قد لا يظهر النقص في الفحص الأولي، لأن إعادة التغذية لم تبدأ بعد، أي أن الجسم لم يستخدم بعد مخزونه المتبقي منها، لذا لا بد من إعادة تغذية أولية.
- تعويض الإلكتروليتات الأساسية عن طريق الوريد، كما يمكن أن يساعد تعويض الجسم بالفيتامينات، مثل الثيامين، على علاج بعض الأمراض.
- إعادة التغذية: ينصح المعهد الوطني للرعاية الصحية بالبدء بتناول نحو 10 سعرات حرارية لكل كيلوغرام من وزن الجسم، إذ ينبغي أن تتضمن في معظمها السعرات الحرارية البروتينية، مع مراعاة العناصر ذات السعرات الحرارية العالية، مثل محاليل الدكستروز المستخدمة في العلاج الوريدي 5% و10%، أو السعرات الحرارية التي مصدرها الغلوكوز أو الدهون.
- المراقبة والتعديل: يجب مراقبة مستويات الإلكتروليتات والعلامات الحيوية والصحة العامة خلال 8-12 ساعة من بدء التغذية، إذ من الممكن أن تحدث متلازمة إعادة التغذية خلال الأيام الخمسة الأولى من إعادة التغذية، وبناء على شدة الاستجابة يعيد المشرفون ضبط تناول السعرات الحرارية ومراقبة الإلكتروليتات.
- الزيادة التدريجية: يمكن زيادة السعرات الحرارية المتناولة تدريجياً بمعدل 200-300 سعرة حرارية كل 1-3 أيام، بهدف الوصول إلى الاحتياجات الغذائية الكاملة في غضون 7-10 أيام.
- بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما تترافق إعادة التغذية مع حالات خطرة أخرى تتطلب عادةً العلاج المتزامن أيضاً.