ما هي الاختبارات الجينية التي تكشف هوية الضحايا في المقابر الجماعية؟

4 دقيقة
ما هي الاختبارات الجينية التي تكشف هوية الضحايا في المقابر الجماعية؟
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: عبدالله بليد.

تعد المقابر الجماعية من أكبر مآسي مناطق النزاعات والحروب، وتُكتشف هذه المقابر عادةً بعد انتهاء الاضطرابات المسلحة وعيش حالة من الاستقرار الأمني، بعدها تقوم فرق دولية متخصصة بالتعاون مع الحكومات في الكشف عن هويات أصحاب الجثث مجهولة الهوية في المقابر الجماعية باستخدام عدة تقنيات جنائية، منها الاختبارات الجينية التي تربط جثث الضحايا مع ذويهم الذين يبحثون عنهم. إليك آلية عمل هذه الاختبارات على نحو بسيط ودقيق علمياً. 

اقرأ أيضاً: كيف يقدّر الطبيب الشرعي وقت الوفاة وسببها؟

ما هي الإجراءات المتبعة في حال اكتشاف المقابر الجماعية؟ 

عند الكشف عن مقبرة جماعية، يجب القيام عادةً بالخطوات التالية:

  1. إبلاغ السلطات المختصة باكتشاف المقبرة: ويحدث بعد إيجاد مجموعة من العظام أو الملابس المهترئة مكومة في مكان معين.
  2. عدم العبث أو الحفر للكشف عن المقبرة: يمكن أن يسبب الحفر، أو إزاحة التراب عن المقابر الجماعية، إفساد الأدلة التي قد تكشف عن هوية من ارتكبوا المجزرة، وأن يسبب تلفاً للرفات وعدم إمكانية أخذ عينات حمض نووي منه، لذا من الأفضل انتظار قدوم المختصين.
  3. عدم النشر على مواقع التواصل الاجتماعي عن المقبرة: ذلك قد ينبه مرتكبي الجرائم لتغطية أفعالهم، ومن الممكن أن يجذب ذلك الكثير من الأشخاص الذين قد يبحثون عن مفقوديهم بطريقة عاطفية وغير مدروسة، ما قد يؤدي إلى تخريب الأدلة، وإعاقة عمل اللجان المختصة.
  4. تحديد موقع المقبرة الجماعية: يقوم الفريق المختص بتحديد موقع المقبرة الجماعية باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) للرجوع إليه وتوثيق بياناته.
  5. جمع الرفات وتصنيفه: تكون المقابر الجماعية عشوائية وتتداخل رفات الضحايا فيها، لذا يقوم المختصون بتصوير الرفات وتوثيقه، وجمع الرفات ووضعه في أكياس خاصة مع رقم تسلسلي لكل رفات. يرتدي منفذو هذه العملية ملابس واقية وكمامات لأن الرفات قد ينقل الأمراض المعدية.
  6. نقل الرفات إلى مقابر مؤقتة: تكون هذه المقابر مكونة من مستودعات تحافظ على الرفات بعيداً عن العوامل البيئية المفكِّكة إلى حين اكتشاف هوية الضحايا، بعدها يُعطى الرفات لذوي الضحية للقيام بدفنه بطريقة لائقة.
  7. أخذ عينات من الرفات لتحليلها: يقوم الفريق المختص بجمع العينات بأخذ قطعة من العظام تكون عادة من الحوض أو رأس الفخذ من خلال قطعها بمنشار صغير آلي، أو من الممكن أخذ سن من الأسنان الموجودة بالجمجمة، حيث تحتوي هذه الأجزاء على حمض نووي لم يتعرض للتلف بدرجة كبيرة.
  8. التحليل المخبري لعينة الرفات: يقوم الخبراء بتحليل الحمض النووي وتحديد البصمة الجينية للشخص المفقود.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد أدلة الحمض النووي على حل الجرائم؟

ما هي الاختبارات الجينية التي تكشف عن مجهولي الهوية في المقابر الجماعية؟

يمكن تقسيم الاختبارات الجينية الجنائية التي تُجرى على الرفات الموجود في المقابر الجماعية إلى قسمين هما: استخلاص الحمض النووي والتأكد من جودته وكميته، واختبارات البصمة الجينية الرئيسية.

استخلاص الحمض النووي

يأخذ الخبراء عينات من دم أو لعاب أهالي المفقودين، ثم يستخلصون الحمض النووي من هذه العينات. ويكرر الخبراء العملية نفسها مع عينات رفات الضحايا في المقابر الجماعية، لكن الطريقة تكون معقدة بدرجة أكبر للضحايا، إذ يمكن أن يكون الحمض النووي متحللاً بفعل التعرض لعوامل الطقس المختلفة أو تعرض الضحايا للاحتراق، وتتضمن عملية الاستخلاص أخذ قطع من العظام أو الأسنان التي تحتوي على دم جاف أو خلايا تحتوي على الحمض النووي، ويعملون على حلّ العظام بمواد كيميائية مخصصة لهذا الغرض، ثم يفككون الخلايا ويُخرجون الحمض النووي من النواة بعدة خطوات، ومن بعدها يجري فصل الحمض النووي وعزله في أنابيب خاصة.

بعد إجراء اختبارات استخلاص الحمض النووي، يجب تقييم جودة الحمض النووي، فالعينات التي تحتوي على شريط حمض نووي مكسر، ستعطي نتائج خاطئة وغير موثوقة. لذا يقوم الفني المختص بقياس تركيز الحمض النووي بجهاز يدعى مقياس الطيف الضوئي، يحدد كمية الحمض النووي من خلال شدة امتصاص الحمض النووي للأشعة فوق البنفسجية، ثم يُكشف عن جودة العينة بتقنية تدعى الرحلان الكهربائي، حيث تحدد وجود تكسُّر وتحلُّل في عينة الحمض النووي. في حال كانت جودة العينة غير مناسبة للاختبار الجيني، قد يعني هذا أن الخبراء سيعيدون أخذ عينة من من عظم أو سن آخر لإعادة الاختبار، ومن الممكن إجراء اختبارات جينية وجنائية مختلفة في هذه الحالات.

اختبار البصمة الجينية 

يعتمد هذا الاختبار على ما يدعى التكرارات الترادفية في الحمض النووي (STR)، وهي مناطق من الحمض النووي تحتوي على تكرارات قصيرة من وحدات الحمض النووي (نكليوتيدات)، فمثلاً التكرار الذي يشار إليه بأنه مؤلف من 8 تكرارات رباعية (CATG)، يعني أن شريط الحمض النووي الذي يبلغ طوله نحو 3 مليارات حرف، يحتوي التسلسل التالي (CATG) ثماني مرات متتالية في منطقة معينة على صبغي محدد، بما يشبه:

CATGCATGCATGCATGCATGCATGCATGCATG

هذا التكرار يرثه الشخص من أبيه وأمه على نحو مختلف، أي يحتوي صبغي الأب الموروث 8 تكرارات، بينما الصبغي من الأم قد يحتوي 10 تكرارات مثلاً، وعند اختبار الحمض النووي يعمل جهازٌ على تضخيم الحمض النووي بتفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) في مناطق التكرارات المحددة التي يجب فحصها، ثم يعمل جهاز آخر على الكشف عن هذه التكرارات من خلال تمرير شريط الحمض النووي المصبوغ بصبغات مضيئة ضمن أنبوب شعري وتصويره باستخدام كاميرات تصوير دقيقة ترصد الإضاءة التي تدل على طول التكرار.

في حال ظهرت عينة رفات تحتوي على 10 تكرارات و8 تكرارات في الموقع الجيني نفسه على نسختي الصبغي للمفقود، فهذا يعني غالباً أنها تعود لأهل المفقود الذين لديهم نفس التركيبة من التكرارات، أي ورث الضحية 8 تكرارات من الأب و10 تكرارات من الأم. علماً أن الاختبار لا يفحص موقعاً واحداً فقط، بل يحلل أطوال التكرارات في 13- 20 موقعاً جينياً مختلفاً يحتوي هذه التكرارات التي يتباين طولها بدرجة كبيرة، فهناك من لديه 10 تكرارات أو 15 تكراراً أو 13 تكراراً، وتعمل هذه المواقع بمثابة بصمة جينية خاصة بكل فرد، ويرثها الشخص من أبيه وأمه. تصل دقة هذه الطريقة في الكشف عن البصمة الجينية إلى 99.68%، ويمكن أيضاً تحديد جنس الضحية من خلال تحليل مواقع أخرى محددة على الصبغي إكس (X) وجينات الميتكونودريا الموروثة فقط من الأم، وتحليل مواقع على الصبغي واي (Y) الموجود فقط عند الذكور، وتستخدم هذه التقنية أيضاً في المختبرات الجينية لتحديد النسب.

مثال توضيحي:
الشخص "س" هو أحد المفقودين الذين عُثِر على جثتهم، وبعد تحليل الحمض النووي ظهر لديه في الموقع (340) على نسختي الصبغي الثالث اللذين ورثهما من الأب والأم أن التكرار هو 14,10؛ أي يوجد 10 تكرارات في نسخة الصبغي الثالث و14 تكراراً في النسخة الأخرى منه، وبعد مطابقة النتائج مع قاعدة البيانات، ظهر أن الأب "ع" لديه 14 تكراراً في الصبغي الثالث، وهو متزوج من الأم "ص" التي لديها 10 تكرارات في الصبغي الثالث أيضاً، ولهما ابن مفقود. وبهذا الشكل تتم المطابقة على عدة مواقع في الجينوم. 

اقرأ أيضاً: “ميت مطلوب للشهادة”: كتاب شيّق يُطلعك على عالم الطب الشرعي

بعد الانتهاء من اختبارات البصمة الجينية، تُصنَّف النتائج في قواعد بيانات خاصة ويعمل مختصون في مجال المعلوماتية الحيوية على استخدام برمجيات خاصة بمطابقة البصمة الجينية للرفات مع قاعدة بيانات البصمة الجينية لأهالي المفقودين، وفي حال حصلت المطابقة، يجري إعلام الجهات المختصة التي بدورها تُخبر أهل المفقود، ومن ثم يجري تسليم الرفات للدفن اللائق.

يشارك عبد الله العُمري، الحاصل على ماجستير في العلوم الجنائية في السعودية، عبر حسابه على منصة إكس، منشوراً يحتوي على ملخص للتحاليل الجنائية للحمض النووي، لتكوين فكرة شاملة حول الموضوع.

المحتوى محمي