ما هي نكهة «أومامي» التي تمنح الطعام لذّته؟

نكهة أومامي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كيف تصف نكهة جبن «البارميزان»؟ ماذا عن مذاق مرق اللحم البقري الدّسم؟ أو نكهة الفطر الطازج الترابية؟ يمكنك تقريباً أن تصفها … نعم، إنها نكهة الـ «أومامي». تم تحديد هذه النكهة التي تعود إلى آلاف السنين في السنوات الـ 120 الماضية فقط، ودخلت المعجم الغربي مؤخراً. تُترجم كلمة «أومامي» اليابانية إلى «طعم لذيذ فاتح للشهية» أو «امتلاء الفم»، ولها مكانتها بجانب النكهات (المذاقات) الأساسية: الحلوة، المالحة، المرّة والحامضة.

يأتي جوهر نكهة أومامي من نوعين من الأحماض الأمينية غير الأساسية: أحماض الأسبارتيك وأحماض الغلوتاميك أو الجلوتامات. يوجد حمض الأسبارتيك بشكل طبيعي في الخضروات مثل الهليون، بينما توجد الغلوتامات في عدد لا يحصى من الأطعمة، منها: الطماطم الناضجة، اللحوم المقددة، الجبن القديم، صلصة الصويا، وأعشاب البحر. نوع الغلوتامات الذي ربما يكون مألوفاً بالنسبة لك هو الغلوتامات أحادية الصوديوم (أو «أم أس جي» اختصاراً).

في الواقع، يعود الإنتاج واسع النطاق للـ أم أس جي إلى الفترة التي حددت فيها نكهة الأومامي منذ قرن من الزمن. كما تقول الأسطورة، كان الكيميائي الياباني «كيكوناي إيكيدا» يتناول الطعام مع عائلته عندما لاحظ أن مرق «الداشي» الذي حضّرته زوجته «تاي» كان له نكهة مذهلة. ذكّرته هذه النكهة بالطعم الفريد للطماطم واللحوم والجبن. استخدمت تاي عشب البحر في المرق، لذا شرع كيكوناي في فهم تركيب هذا النبات. بعد عام، استنتج أن الغلوتامات في عشب البحر هي مصدر هذا الطعم. وبعد عام من ذلك، طور وحصل على براءة اختراع لعملية استخراج الـ «أم أس جي» كملح. في يومنا هذا، يتم إنتاج حوالي 3 ملايين طن من الـ «أم أس جي» من قِبل مصنّعي المواد الغذائية كل عام.

كيف تشعر أجسامنا بنكهة أومامي؟

فطر عيش الغراب له مذاقٌ طيب وفوائد صحية!

أو: كيف يعرف الدماغ عندما يكون للطعام نكهة أومامي، أو أي نكهة أخرى؟

تُشكّل كتل من الخلايا المستقبلة للتذوّق على اللسان ما يعرف ببراعم التذوّق. في حين أن جميع المستقبلات المختلفة تنتشر على اللسان، فإن فئة المستقبلات الخاصة بنكهة أومامي تسمى «المستقبلات المقترنة بالبروتين جي». تتضمن هذه الفئة مجموعة من المستقبلات تسمى «تي 1 آر 1» و«تي 1 آر 2» و«تي 1 آر 3». تمتلك كل هذه المستقبلات البنية الكبيرة نفسها، والتي تساعدها في جمع المعلومات من البيئة حولها. عندما ترتبط الغلوتامات الموجودة في الأطعمة الغنية بالأومامي بهذه المستقبلات، تبدأ الخلايا في العمل.

بمجرد أن تكتشف مستقبلات تي 1 آر المواد الكيميائية التي تكون حساسة لها، ترتفع نسب ناقل عصبي يسمى «الأدينوزين ثلاثي الفوسفات» في الأعصاب التي تسمى «ألياف التذوّق» لنقل المعلومات من براعم التذوق إلى الدماغ. تُترجم هذه المعلومات إلى نكهة الأومامي اللذيذة.

توجد مستقبلات تي 1 آر أيضاً في جميع أنحاء الجهاز الهضمي، حيث تلعب دوراً مهماً آخر: إنها تدرب دماغك على اشتهاء الأطعمة الغنية بالبروتين. تقول «ليندا بارتوشوك»، أستاذة في جامعة فلوريدا تَدرس فيزياء التذوق: «تنقل مستقبلات الغلوتامات إلى الدماغ معلومات مفادها أن ما أكلته للتو يحتوي على بروتين»، وتضيف: «الدماغ يجعلك تحب البروتين بطبيعته. لذلك فهو يولّد ما يسمى بـ «تفضيل الحالة» للخصائص الحسيّة للطعام الذي يحتوي على الغلوتامات». هذا يعني أنه عندما تأكل الجبن أو اللحوم، فإن مستقبلات الغلوتامات في أمعائك تدرّب دماغك على الربط بين تلك الطعوم والبروتين، وتجعلك ترغب في تناول هذه الأطعمة أكثر.

لا يزال لدى العلماء الذين يدرسون النكهات الكثير من الأسئلة حول طريقة عمل مستقبلات الغلوتامات. استخدمت دراسة أجريت في الصين في يناير/كانون الأول 2019 محاكاة لفحص التأثيرات المركبة للـ أم أس جي، وببتيدات الأومامي، ومستقبلات «تي 1 آر 1» و«تي 1 آر 3» لدراسة تفاعلاتها الكيميائية. وأيضاً، في شهر يوليو/تموز 2020، ابتكر باحثون في إيطاليا أول نماذج ثلاثية الأبعاد لمستقبلات التذوق هذه. ستساعد هذه الأدوات الباحثين الذين يرغبون في الوصول إلى فهم أعمق للسبب وراء تدفّق نكهة أومامي في اللسان، وفي الدماغ.

يقول «جوست ماير»، عالم الأعصاب في كلية «ويك فورست» للطب: «إذا أردنا التفكير في تجارب الذوق الافتراضية، أو في صناعة أجهزة تذوّق، فنحن في الواقع بحاجة إلى فهم الجزيئات التي تنتج هذه الإحساسات لنستطيع محاكاتها».

هناك أيضاً أدلة تبين أن الحيوانات الأخرى تشعر بنكهة الأومامي. مثلاً، تحب الطيور الطنانة الرحيق الحلو، لكنها تفتقر إلى مستقبل تي 1 آر 2 المرتبط عادةً بهذه النكهة. بدلاً من ذلك، تستخدم هذه الطيور مستقبلات تي 1 آر 1 و تي 1 آر 3 لتحسس النكهات السكريّة، إلى جانب بعض الأطعمة المالحة.

غموض الأومامي يستمر

على الرغم من أن الأطعمة الغنية بنكهة أومامي لذيذة، إلا أنه لا يوجد إجماع حول ما إذا كانت هذه النكهة واحدة من الطعوم الأساسية مثل المذاق الحلو والمالح وما إلى ذلك. هذا لا يعني أن أومامي ليست نكهة حقيقية، بل هناك خلاف فقط حول مدى تميّز دورها الحسّي.

تقول بارتوشوك: «النكهات الأساسية ليس لها تعريف حقيقي»، مشيرةً إلى أوصاف النكهات الأقل استخداماً مثل النكهات «المعدنية» و«الحامضية». تعتقد بارتوشوك أن فكرة أن الأومامي هي نكهة أساسية نشأت في الأربعينيات من القرن الماضي من الشركات التي تنتج الأطعمة الغنية بالـ «أم أس جي». تقول بارتوشوك: «اعتقدت هذه الشركات أنها إذا أطلقت علي هذه النكهة لقباً مثل طعم أساسي، فستتمكن من تسويقها بشكلٍ أفضل».

لدى ماير منظور مختلف؛ إذ يقول أن النكهات الأساسية هي تجربة مشتركة يمكننا الاتفاق عليها. ويوضح قائلاً: «تدخلنا النكهة المالحة في تجربةٍ معينة يمكننا أن ننقلها إلى أشخاص آخرين، وتكون منطقية للجميع».

يقول ماير إن أحد الأسباب المحتملة لعدم الإجماع على اعتبار أومامي نكهة أساسية هو أن مستقبلات الغلوتامات اكتُشفت مؤخراً فقط. نشرت عالمة الأحياء الأميركية «نيروبا تشوداري» أول ورقة بحثية عنها في عام 1996.

تقول بارتوشوك: «لا أعتقد أن [الغلوتامات] تلعب دوراً مهماً كما يُعتقد في نكهة أشياء مثل الطماطم والجبن»، وتضيف: «أعتقد أن هذا مبالغ فيه، لكن هذا لا يهم. إنه مكون طبيعي في الأطعمة، ولا بأس بذلك».

من المهم أيضاً الإشارة إلى أن الغلوتامات تعمل بشكلٍ أفضل في إبراز النكهات الأخرى. مثلاً فالـ «أم أس جي» المحلول في الماء ليس لذيذاً للغاية، ولكن بوجوده في مرق أو مع نكهات أخرى، فهو يعزز الطعم بشكلٍ كبير.

باختصار، نكهة أومامي هي نسخة معززة من النكهات الأخرى في مجموعتها. في حين أنه قد يكون من الصعب فهمها في البداية، إلا أنها تصبح إحدى النكهات التي تتعرف عليها مباشرة عند تذوّقها. بعد ذلك، لن تتمكن من الاكتفاء منها.

اقرأ أيضاً: هل كان مذاق الطعام ألذّ منذ 50 عاماً؟