عندما تذهب في أي مغامرة، سيراً على الأقدام، أو راكباً في السيارة، أو محلقاً على متن الطائرة، أو مبحراً في سفينة؛ ستكون البوصلة رفيقك المقرّب حتى دون أن تشعر. كيف ذلك؟ وكيف تعمل البوصلة؟ احصل على الإجابة من قراءتك للمقال التالي.
ما هي البوصلة؟
البوصلة هي أداة تشير إلى الاتجاه، وهي واحدة من أهم أدوات الملاحة، ولها عدة أنواع؛ لكن أشهرها «البوصلات المغناطيسية»، وعند الحديث عن البوصلة بشكل عام تكون المغناطيسية منها هي المقصودة.
أجزاء البوصلة
تغير تصميم البوصلة بشكل كبير على مر القرون؛ لكن ظلت آلية عملها ومكوناتها الأساسية ثابتة، فهي تتكون من إبرة ممغنطة يمكنها الدوران بحيث تتماشى مع المجال المغناطيسي للأرض، وتشير إبرة البوصلة إلى الشمال المغناطيسي للأرض.
تُثبّت هذه الإبرة على محور أو دبوس صغير، يسمح للإبرة بالدوران بحرية، ولا يكون المحور مصنوعاً من المعدن؛ كي لا يؤثر على مغناطيسية الإبرة. تكون البوصلة مزودةً ببطاقة عليها الاتجاهات الأساسية الأربع؛ الشمال والجنوب والشرق والغرب، بالإضافة إلى الاتجاهات الثانوية والدرجات.
استخدامات البوصلة
تستخدم البوصلة لعدة أغراض منها:
- معرفة الاتجاهات.
- معرفة اتجاه القبلة.
- التحقق من قطبية مغناطيس آخر.
- رسم خطوط المجال المغناطيسي.
- تستخدم بشكل رئيسي في السفن للملاحة والتوجيه.
اقرأ أيضاً: بالاحتراق الداخلي: كيف يعمل محرك السفينة؟
قصة اختراعها
اختُرعت البوصلة في الصين القديمة في العام 247 قبل الميلاد تقريباً، عندما عرف العلماء الصينيون أن فرك قضيب حديدي «مثل إبرة» بمغناطيس طبيعي يسمى حجر المغناطيس، من شأنه أن يجذب الإبرة مؤقتاً بحيث تشير إلى الشمال والجنوب.
كانت البوصلات المبكرة جداً تُصنع من إبرة ممغنطة متصلة بقطعة من الخشب أو الفلين، تطفو بحرية في طبق من الماء، وعندما تستقر الإبرة، تشير النهاية المميزة إلى الشمال المغناطيسي، وعندما تعلم العلماء المزيد عن المغناطيسية، تم تثبيت إبرة البوصلة ووضعها في منتصف بطاقة توضح الاتجاهات الأساسية.
لم تُستخدم البوصلة للملاحة إلا بحلول القرن الحادي عشر في الصين أيضاً، وفي نهاية القرن الثاني عشر، اخترع الأوروبيون البوصلة الجافة، وحلت محلها البوصلة المغناطيسية المملوءة بالسائل في أوائل القرن العشرين.
- اقرأ أيضا: كيف تعمل الطابعة ثلاثية الأبعاد؟
كيف تعمل البوصلة؟
كجميع أنواع المغناطيس؛ للإبرة المغناطيسية قطبان؛ قطب شمالي وقطب جنوبي، ينجذب القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي لمغناطيس آخر، وينجذب القطب الجنوبي إلى القطب الشمالي لمغناطيس آخر، ومن جهة أخرى؛ تمتلك الأرض مجالاً مغناطيسياً، ويمكن اعتبار أرضنا مغناطيساً ضخماً، لها قطبان أيضاً؛ قطب شمالي مغناطيسي وقطب جنوبي مغناطيسي.
ولذلك؛ وبالاعتماد على الخاصية الأساسية للمغناطيس، فإن الإبرة المغناطيسية تشير دائماً إلى القطب الشمالي المغناطيسي للأرض؛ وهذا هو مبدأ عمل البوصلة.
ولاستخدام البوصلة؛ ما عليك سوى محاذاة الإبرة نحو علامة الشمال؛ حرف N عادة، وبالاعتماد على بطاقة البوصلة المزودة بالاتجاهات، يمكنك معرفة جميع الاتجاهات الأخرى.
نسبة الدقة في البوصلة
تختلف دقة قراءة البوصلة في المناطق المختلفة من الكرة الأرضية، وتكون البوصلة مستقرةً جداً في المناطق القريبة من خط الاستواء، وتشير إلى الشمال الجغرافي بدقة. مع اقتراب البوصلة من أحد الأقطاب المغناطيسية للأرض، تصبح البوصلة أكثر حساسيةً، وعند الاقتراب من القطب المغناطيسي الشمالي أو الجنوبي، لن تشير البوصلة إلى أي اتجاه محدد، وستبدأ إبرتها في الإشارة إلى عدة اتجاهات؛ إلى الأعلى تارةً وإلى الأسفل تارةً أخرى، بسبب ما يسمى بـ«الميل المغناطيسي الأرضي»، وقد تتعطل البوصلات الرخيصة ذات المحامل الرديئة في هذه الحالة؛ وبالتالي تشير إلى اتجاه خاطئ.
تُخطئ البوصلة أيضاً عندما تكون في مركبة تسير بسرعة أو ببطئ؛ مثل طائرة أو سيارة، وتتعرض لخطأ آخر أيضاً هو «خطأ الانعطاف»؛ الذي يحدث عندما يستدير المرء من اتجاه الشرق نحو الغرب، أو العكس، فإن البوصلة ستُخطئ عند المنعطف.
الشمال الجغرافي والشمال المغناطيسي
لا تشير البوصلة دائماً إلى الشمال تماماً، هذا لأن القطب الشمالي المغناطيسي للأرض ليس هو نفسه الشمال الحقيقي، أو القطب الشمالي الجغرافي للأرض. يقع القطب الشمالي المغناطيسي على بعد 1600 كيلومتر جنوب الشمال الحقيقي في كندا، وأكثر من ذلك، فإن القطب الشمالي المغناطيسي ليس نقطة ثابتة، فهو يتحرك مع تغير المجال المغناطيسي للأرض، وقد انحرف نحو 1000 كيلومتر نحو سيبيريا منذ القرن الماضي.
هذا الاختلاف بين اتجاه الشمال الحقيقي واتجاه الشمال على البوصلة، هو زاوية تسمى «زاوية الانحراف». يختلف الانحراف من مكان إلى آخر لأن المجال المغناطيسي للأرض غير منتظم، ويمكن أن يؤدي إلى توجيه إبرة البوصلة بعيداً عن كل من القطب الشمالي الجغرافي والقطب الشمالي المغناطيسي، ووفقاً للمسح الجيولوجي بالولايات المتحدة، فعند خطوط العرض العالية جداً، يمكن لإبرة البوصلة أن تشير إلى الجنوب، ويمكن لمستخدمي البوصلة تعويض هذه الاختلافات وتوجيه أنفسهم في الاتجاه الصحيح باستخدام مخططات الانحراف أو المعايرات المحلية.
أنواع البوصلات
منذ اختراعها حتى اليوم، تطورت البوصلات وظهر لها العديد من الأشكال والأنواع المختلفة؛ أهم أنواع البوصلة:
البوصلة المغناطيسية
أبسط الأنواع، وهي البوصلة التقليدية التي تتكون من الإبرة المغناطيسية المرفوعة على حامل صغير، وتكون مزودةً بلوحة الاتجاهات، ولها أشكال عديدة. يمكن أن تحتوي على ميزات إضافية؛ مثل المكبرة، أو المرآة التي تسمح لك برؤية المناظر الطبيعية أثناء متابعة قراءة البوصلة، وبعضها أكثر تعقيداً، وتُستخدم على السفن أو الطائرات، ويمكن بمساعدتها حساب وضبط التباين والانحراف.
البوصلة الجيروسكوبية
اختُرعت في أوائل القرن العشرين، وتستخدم جيروسكوب دورانياً لتتبع محور دوران الأرض للإشارة إلى الشمال الحقيقي، وليس الشمال المغناطيسي؛ وبذلك لن يمثل التباين بين الشمال الحقيقي والمغناطيسي مشكلةً مع البوصلة الجيروسكوبية، وبالإضافة إلى ذلك؛ بمجرد أن يبدأ الجيروسكوب في الدوران، لن تؤثر عليه الحركة، ويُستخدم هذا النوع غالباً في السفن والطائرات.
البوصلة الإلكترونية
تسمى أيضاً البوصلة الجيروسكوبية للألياف الضوئية، وهي بوصلة حديثة تكتشف الاتجاهات المغناطيسية بدون الأجزاء المتحركة القابلة للخطأ.
نظام تحديد المواقع العالمي
بدأت أجهزة الاستقبال من نظام تحديد المواقع العالمي «GPS» تحل محل البوصلات؛ حيث ينسق مستقبل «GPS» مع الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض ومحطات المراقبة على الأرض لتحديد موقع المستقبل، ويمكن لأجهزة استقبال GPS رسم خطوط الطول والعرض والارتفاع على الخريطة، وإعطاء قراءات دقيقة عادةً في حدود 15 متراً.
على الرغم من التطورات في نظام تحديد المواقع العالمي «GPS»؛ لا تزال البوصلة أداةً قيمةً، حيث تستخدم الطائرات والسفن البوصلات المتقدمة للغاية كأدوات ملاحية، وتظل بوصلة الجيب أو البوصلة الأساسية المثبتة على لوحة قيادة السيارة، أداةً عمليةً ومحمولةً للمغامرين والمستكشفين أيضاً؛ خاصةً في المناطق النائية، لأنها رخيصة ومتينة ولا تتطلب أي مصدر طاقة كهربائية.
هل تعمل البوصلة في الفضاء؟
تعتمد البوصلة في عملها على المجال المغناطيسي للأرض، وعند الصعود إلى الفضاء الخارجي، مبتعدين عن الأرض، لن تعمل البوصلة بسبب ابتعادنا عن المجال المغناطيسي لها.
هل اخترعت البوصلة قبل الساعة؟
اختُرعت البوصلة في الصين القديمة في العام 247 قبل الميلاد تقريباً، بينما اخترع المسلمون الساعات الرملية والمائية التي تُعتبر من أوائل الساعات التي ابتكرها الإنسان. لذا فقد اختُرعت البوصلة قبل الساعة بأكثر من ألف عام.
كيف أعرف القبلة من البوصلة؟
لمعرفة اتجاه القبلة عليك أولاً معرفة اتجاه مكة المكرمة من الموقع الذي توجد فيه الآن، ثم ضع البوصلة على راحة يدك وانتظر حتى تستقر الإبرة. ثم يمكنك تحديد الاتجاه الذي تقع فيه مكة المكرمة (شمال/ جنوب/ شرق/ غرب) ليكون هو اتجاه القبلة. على سبيل المثال، إذا كنت في إحدى دول بلاد الشام ستكون القبلة باتجاه الجنوب، وإذا كنت في اليمن سيكون اتجاه القبلة نحو الشمال.
لماذا تتجه البوصلة إلى الشمال؟
لأنه يمكن تشبيه الأرض بمعناطيس كبير، قطبه الجنوبي نحو الشمال، ويتجه القطب الشمالي لإبرة البوصلة المغناطيسية نحو شمال الكرة الأرضية. لتفاصيل أكثر راجع فقرة كيف تعمل البوصلة؟
لماذا تكون قراءة البوصلة المغناطيسية غير صحيحة أحياناً؟
وذلك بسبب وجود شمال حقيقي للكرة الأرضية وشمال مغناطيسي، وتشير إبرة البوصلة إلى الشمال المغناطيسي وليس الحقيقي، ولتفادي هذه المشكلة يمكن الاستعانة بالبوصلة الجيروسكوبية.
لمعرفة المزيد عن آلية عمل الأشياء والأجهزة من حولك؛ ما عليك سوى زيارة قسمنا الخاص الذي يتحدث عن كيف تعمل الأشياء؟