هل تسببت جائحة كورونا بإصابتك بـ «متلازمة الكهف»؟

5 دقائق
متلازمة الكهف كورونا هواتف ذكية
shutterstock.com/ Andrey_Popov

بعد أن تلقّى «مارك» جرعة لقاح «فايزر» الثانية في نهاية أبريل/ نيسان، كان متحمساً للاحتفال مع أصدقائه الذين تلقّوا اللقاح؛ ولكن عندما ذهب هذا الشاب البالغ من العمر 34 عاماً والقاطن في شيكاغو إلى الحانة أخيراً، شعر بنوع من القلق لم يسبق له مثيل. يوضح مارك (اسم مستعار حفاظاً على خصوصيته): «لم تكن نوبة ذعر أو نوبة قلق اجتماعي؛ لكن عدم ارتداء الكمامات والازدحام كان أكثر مما يمكنني أن أتحمّله». سرعان ما وجد نفسه يُلغي الخطط بأعذار مزيفة ويشعر بإحساس مريض بالارتياح عندما علم أن الأشخاص الذين تلقّوا اللقاحات أصيبوا بكوفيد-19 مجدداً. يقول مارك: «أعلم أن هذا يبدو فظيعاً، ولا أريد أن يمرض أحد؛ لكن جزءاً مني يريد فقط العودة إلى الحجر».

وفقا للطبيب النفسي «آرثر بريغمان»؛ مارك ليس وغداً، كما أن لديه أصدقاء جيدين. على مدار العام الماضي، بدأ بريغمان في رؤية المرضى يعانون من مشاعر القلق المتزايدة حول العودة إلى الحالة «الطبيعية». وبينما يمكن أن تبدو هذه التجارب مزيجاً من رهاب الأماكن المفتوحة والاضطراب العاطفي الموسمي، فلم يكن هناك حقاً مصطلح يصف بشكل مناسب الحالة الفريدة التي تسببها العزلة المطولة والذعر من الوباء. قال بريغمان: «سرعان ما أدركت أن ما يقرب من نصف مرضاي يكافحون من أجل مغادرة المنزل، وأن هذه كانت متلازمة»، وأضاف: «خطرت الفكرة في بالي، وقررت أن أطلق على هذه الحالة اسم متلازمة الكهف».

ما هي متلازمة الكهف؟

لا تُعد «متلازمة الكهف» تشخيصاً طبياً رسمياً؛ بل هي مجرّد لقب يطلق على مجموعة من الأعراض التي يعاني منها الكثير عندما يخرجون تدريجياً من الحجر الصحي. يمكن أن تشمل هذه الأعراض القلق العام بشأن كوفيد وسلالاته الجديدة، والإفراط في غسل اليدين، والهوس بالجراثيم، ومقاومة مغادرة المنزل، والاكتئاب من العزلة طويلة المدى و«جميع الضغوط الناتجة عن التأقلم مع  الوضع الطبيعي الجديد وكيفية العودة إلى المجتمع دون الإصابة بالمرض» حسب قول بريغمان.

القلق من العودة للحياة الطبيعية
shutterstock.com/Vectorium

سواء تم منحهم اللقاح أم لا، فقد توسل العديد من مرضى بريغمان إليه للحصول على مذكرة الطبيب لإنقاذهم من العودة إلى وظائفهم، وهي موضة جعلته قلقاً حقاً بشأن حياتهم المهنية. لكن بدلاً من القيام بذلك -أو وصف الدواء على الفور- يعتقد بريغمان أن أفضل علاج لهذه المشكلة هو ببساطة: الخروج من الكهف.

يعتقد خبراء آخرون أن مغادرة الكهف (أو المنزل أو الشقة) حرفياً قد تكون ضروريةً بنفس القدر للوقاية من متلازمة الكهف كما هي ضرورية للتعامل معها. هناك أدلة علمية وافرة تبين أن مجرد الخروج من المنزل يحسّن الصحة العقلية. تشرح «دورلي ميكاييلي»؛ وهي طبيبة نفسية متدربة على علاج «إزالة حساسية وإعادة معالجة حركة العين»: «لقد ارتبط التواجد بالخارج في الطبيعة بتقليل الاجترار الفكري والتنشيط في القشرة الجبهية الأمامية». نظراً لأن هذا هو الجزء من الدماغ الذي يتعامل مع المكافآت والعواطف، فمن المحتمل أن يلعب دوراً إيجابياً في التنظيم العاطفي.

في حين أن التواجد في الطبيعة أمر مهم بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في المدن، فالضوء الطبيعي يقلّل من مستويات هرمون التوتر ويعزز إفراز النواقل العصبية التي تحفّز المشاعر الجيدة مثل السيروتونين. تقول ميكاييلي: «التعرض الكافي للضوء الطبيعي يساعد الناس على التغلب على القلق عن طريق درء الاضطراب العاطفي الموسمي، وتحسين جودة النوم، وكذلك تقليل الاجترار الفكري وتقليل نسب هرمون الكورتيزول». الدليل الأكثر إقناعاً الذي يشير إلى حاجة البشر لأشعة الشمس هو الاضطراب العاطفي الموسمي؛ وهو نوع من الاكتئاب يرتبط بنقص التعرض للضوء الطبيعي في أشهر الشتاء مما يؤدي إلى انخفاض في نسب السيروتونين.

يضيف الطبيب النفسي «جيل سالتز» أن التعرض اليومي لأشعة الشمس -خاصةً «في الصباح- يمكن أن يساعد في تنظيم دورات النوم وتحسين الحالة المزاجية». تُظهر دراسات أخرى بالمثل أنه كلما زاد عدد ساعات تعرّض العاملين في المكاتب لضوء الشمس بين الساعة 8 صباحاً وفترة الظهر، زادت احتمالية أن يناموا جيداً في الليل، وقل احتمال تعرضهم للتوتر والاكتئاب نتيجةً لذلك.

من ناحية أخرى، فإن الاستلقاء في كهف مع الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة يمكن أن يكون له تأثير معاكس. أظهرت مجموعة متزايدة من الأبحاث كيف يُضعف الضوء الأزرق صحتنا العقلية بمرور الوقت عن طريق تعطيل إيقاع الساعة البيولوجية لدينا. مع ذلك، فبالنسبة للكثيرين منا؛ كانت الشاشات الموجودة في كهوفنا هي كل ما لدينا عندما بدأ الحجر الصحي.

«كلما بقي المريض في مكان مغلق لفترة أطول، زادت صعوبة تشجيعه على الخروج من هذا المكان، لذلك لا تنتظر حتى تبدأ في تعويد نفسك على الخروج»  -آرثر بريغمان؛ طبيب نفسي.

التعامل مع متلازمة الكهف

الأحلام الواعية
الصورة: فليكر

يتفق كل من ميكاييلي وسالتز على أنه كلما أسرع الناس في البدء بممارسة المشي والقيام بأنشطة أخرى في الهواء الطلق في الحجر الصحي -وكلما مارسو هذه النشاطات بشكل متّسق- فسيصبحون أقل عرضةً لأن يعلقوا من كهوفهم. مع ذلك، فهناك تحذير مهم: هذا الكلام صحيح فقط إذا قام الأشخاص بهذه النشاطات بإرادتهم. تشرح ميكاييلي أن أولئك الذين أُجبروا على الذهاب إلى العمل والقيام بمجازفات لم يكونوا مستعدين لها قد يعانون من مستويات أعلى من القلق بغض النظر عن الخروج بسبب «الخوف العقلاني من الإصابة بالفيروس ومخاطر التعرض المرتفعة نسبياً خاصتهم».

يشرح بريغمان أن هذا هو الجزء الأكثر صعوبةً في علاج متلازمة الكهف، وذلك لأن نسبة كبيرة من هذا القلق يمكن أن ينبع من مخاوف محقّة بشأن المعلومات غير المؤكّدة حول مرض كوفيد-19. المشكلة هي أنه عندما تتسبب مصادر القلق هذه في عزل الناس عن العالم الخارجي، يمكن أن تسبب المخاوف الافتراضية عواقب حقيقية على الصحة العقلية. مع ذلك، فمن خلال جعل مرضاه يركّزون على بعض الاحتياطات التي يمكنهم اتخاذها؛ وجد بريغمان أنهم بدؤوا يشعرون بمزيد من القدرة على التحكم. يقول بريغمان: «إذا شعر المرضى بالأمان والاطمئنان في نفس الوقت، فسيشعرون بحرية أكبر في الخروج من المنزل»، ويضيف: «أنا شخصياً أعتقد أن الذهاب إلى المكتب أمر صحي، لأن التخالط الاجتماعي مهم للنفسية البشرية، ولهذا السبب أعمل بجد لإعادة مرضاي إلى مكان العمل».

يوصي بريغمان أيضاً بالقيام بتمارين اليقظة؛ مثل تخيل مواقف معينة تثير القلق، كالذهاب إلى العمل؛ ولكن تخيُّل أن هذه السيناريوهات تسير على ما يرام. يوضح بريغمان: «أجعل مرضاي يتخيّلون اختيار ملابسهم لذلك اليوم، والتفكير في تنقلاتهم والدخول إلى مكان عملهم»، ويضيف أنه يمكنهم ارتداء كمامة إذا كان ذلك يساعدهم على الشعور بالأمان. يقول بريغمان: «أشجعهم على تخيل يوم رائع يقضونه خارج الكهف».

انطلاقاً من هذه النقطة؛ يطلب بريغمان من مرضاه البدء في القيام برحلات صغيرة إلى المنتزه، أو الجلوس في الخارج في المقهى. مدة الانعزال -مع ذلك- هي الجوهر. يحذر بريغمان قائلاً: «تذكّر أنه كلما طالت مدة بقاء المريض في العزل، أصبح تشجيعه على الخروج أصعب، لذلك لا تنتظر حتى تبدأ في تعويد نفسك على الخروج».

يعترف مارك بقضاء معظم العام الماضي في شقته المكونة من غرفة نوم واحدة، وأنه فضّل تناول الميرغوانا القابلة للأكل ومشاهدة الأفلام أكثر من الخروج لشرب القهوة مع أحد ما في الهواء الطلق أو المشي مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي. قال مارك: «فصول الشتاء في شيكاغو قاسية؛ لكن كان بإمكاني أن أحاول الخروج أكثر مما فعلت». في أوائل أغسطس/آب، بدأ مارك في العودة إلى عمله مرتين في الأسبوع، ووجد أنه أصبح قادراً على التحكم بمشاعر القلق بشكل أفضل بعد التعامل معها وجهاً لوجه. يقول مارك: «أكره الاعتراف بذلك، لأنني ما زلت أريد العمل من المنزل»، ويضيف: «لكنني لم أتهرّب من أصدقائي كثيراً في الشهر الماضي منذ أن بدأت بالخروج من المنزل».

اقرأ أيضاً: هل يمكننا التحكم في الأحلام الواعية؟

شيئاً فشيئاً؛ لاحظ مارك أيضاً أن المزيد من الأشخاص يرتدون الكمامات مرة أخرى، ويرتّبون لقاءات اجتماعيةً في الهواء الطلق ويخضعون لاختبارات كوفيد-19 بانتظام؛ وهي احتياطات يصفها بريغمان لمرضاه لإبقائهم على اتصال. من المفيد أن معظم الناس بدؤوا يجدون حلاً وسطاً بين العزلة العميقة خلال العام الماضي وصيف انتشار اللقاحات. يقول مارك: «لقد قلل معظم أصدقائي نشاطاتهم وأصبحوا أكثر حرصاً». إذا وجد مارك نفسه في حفلة يمارس فيها الكثير من الناس سلوكيات غير آمنة، أو إذ بدأ يشعر بالقلق وقتها، فيقول: «يمكنني المغادرة قبل أن تشتد الأمور كما حدث خلال الصيف».

ولكن بينما ينتظره كهفه دائماً، بدأ مارك أيضاً يدرك أن هناك ملاذاً آمناً خارج الكهف أيضاً.

نُشرت هذه المقالة في على موقع «ميل ماغازين» عبر بوبيولار ساينس.

المحتوى محمي