هل حجم ذكور الثدييات أكبر حقاً من حجم إناثها؟ دراسة حديثة تجيب

4 دقيقة
يميل كل من ذكور الليموريات وإناثها إلى التمتّع بأحجام متساوية، على عكس بعض الرئيسيات الأخرى مثل الغوريلات. ديبوزيت فوتوز

تعود الفكرة التي تنص على أن معظم الذكور في أي نوع من الأنواع أكبر حجماً من الإناث إلى كتاب تشارلز داروين بعنوان "أصل الإنسان" (The Descent of Man) الذي صدر في عام 1871. على الرغم من أن هذه الفكرة تنطبق عادة على بعض الأنواع مثل الغوريلات والجواميس والفيلة، فإنها غير قابلة للتعميم على الأنواع جميعها.

اكتشف الباحثون في دراسة نُشرت بتاريخ 12 مارس/آذار في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications) أن الذكور في أغلبية أنواع الثدييات ليسوا أكبر من الإناث. تنطبق فكرة أحادية الشكل (أو التشاكل المتباين)، التي تنص على أن أفراد الجنسين لهم الحجم نفسه تقريباً، على العديد من الأنواع، علاوة على أن الإناث يمكن أن تكُنَّ أكبر حجماً من الذكور في بعض الحالات. يشير مؤلفو الدراسة الجديدة إلى أن التحيّزات في الأدبيات العلمية التي سادت على مدى أكثر من قرن من الزمن، بالإضافة إلى التركيز على الأنواع الأكثر جاذبية مثل الرئيسيات والحيوانات الآكلة للحوم، أدت إلى انتشار هذا المفهوم الخاطئ على الأرجح.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تبيض الثدييات؟ اكتشاف جديد يُجيب

وصف متشبّث

تتفاوت الاختلافات الجسدية في الحجم لدى بعض أنواع الثدييات اعتماداً على المنافسة على الشركاء الجنسيين والاختلافات في الطرائق التي يستثمر وفقها كل من الآباء والأمهات الوقت والطاقة في تربية النسل. ينخرط ذكور الأسود وقردة الرُبّاح عادة في منافسة جسدية على حق التزاوج، ويكون الذكور أكبر حجماً من الإناث عادة. افترض العلماء أن ظاهرة مثنويّة الشكل الجنسية؛ التي تعني أن أفراد الجنسين يختلفون في أحجامهم، هي الأكثر شيوعاً بين الحيوانات. بالإضافة إلى ذلك، الفكرة التي تنص على أن الذكور أكبر حجماً من الإناث في أغلبية الأنواع، التي تنطبق على الأسود، ظلّت قائمة عبر عقود من الزمن.

تقول عالمة البيولوجيا التطورية والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، كايا تومباك، لبوبساي: "هذا هو الوصف الدارويني للأنواع؛ وهو وصف للأدوار المتعلقة بالنوع الاجتماعي شبيه للغاية بأفكار العصر الفيكتوري".

خلال سبعينيات القرن العشرين، كانت عالمة الثدييات وعالمة بيولوجيا مجال الحفاظ على البيئة، كاثرين رالز، من أوائل العلماء الذين درسوا هذا الوصف بطريقة علمية حقيقية وانتقدوا الفكرة التي تنص على أن معظم ذكور الثدييات أكبر حجماً. اكتشفت رالز أدلة تبين أن ظاهرة مثنوية الشكل المتطرفة لا تنطبق على أغلبية الثدييات. ما اكتشفته هو أن إناث الأنواع تتمتع بحجم الذكور نفسه عادة. كبر حجم الإناث مقارنة بحجم الذكور شائع على نحو مفاجئ في الطبيعة. وفقاً لتومباك التي تعمل حالياً باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في جامعة بيرديو؛ نُقلت أقاويل خاطئة كثيرة عن رالز تنص على أنها تعتقد أن ذكور الثدييات أكبر حجماً من إناثها؛ إذ تقول: "العلم يتغير دائماً لذا من المحتمل أن يتغير وصف الأنواع. لكن [هذه الفكرة] تمثّل مفهوماً خاطئاً بمعنى أنها وصف علمي لا يدعمه الكثير من الأدلة".

اقرأ أيضاً: لماذا يجب توثيق حياة الحشرات عن كثب؟ وما فائدته للإنسان؟

من الخفافيش والليموريات إلى الفيلة والفقمات

بحثت تومباك وزملاؤها في الدراسة الجديدة في الأدبيات العلمية المتاحة وقارنت بين كتل أجسام الذكور والإناث من 429 نوعاً من الحيوانات في البرية. لاحظ الباحثون أن الذكور ليسوا أكبر من الإناث في أغلبية الحالات. كما لاحظوا أن أفراد الجنسين لهم الحجم نفسه في العديد من الحيوانات؛ مثل الليموريات والعسربانيات والأحصنة وحمير الزرد السهلية والطنرقات.


يتمتع أفراد الجنسين من هذه الأنواع بالحجم نفسه. حقوق الصورة: سيفيرين هيكس

أحجام الذكور في بعض الأنواع أكبر على نحو ملحوظ، مثل فيل البحر الشمالي. تصف تومباك هذا النوع بأنه "مشهور بأنه ثنائي الشكل"؛ إذ يصل وزن ذكوره إلى نحو 3 أضعاف من وزن إناثه.

على الطرف النقيض، هناك الخفافيش الأنبوبية الأنف شبه الجزيريّة؛ إذ إن إناث هذا النوع أكبر بـ 40% من ذكوره.

تقول تومباك: "من ناحية العدد، الأغلبية الساحقة من الثدييات هي قوارض وخفافيش، وإناث نحو نصف أنواع الخفافيش أكبر من الذكور. يشير بعض الفرضيات إلى أن كبر حجم إناث [الخفافيش] مقارنة بالذكور أنسب من الناحية التطورية لأنه يسهّل عليها الطيران مع حمل الأجنة وأفراد النسل. بينما تنص فرضيات أخرى على أن رشاقة الذكور الذين يتنافسون على حق التزاوج ربما تكون أهم في القتال من الحجم".

خفاش مجنّح أصفر في كينيا. إناث نحو نصف أنواع الخفافيش في العالم أكبر من الذكور. حقوق الصورة: سيفيرين هيكس

قصة تكاثرية أعقد

على الرغم من أن الدراسة لم تشمل أنواع الثدييات جميعها، حدد الفريق التوجهات التي كانت منطقية في الفترات التي أجري فيها الكثير من الدراسات التي راجعوها. يعتقد المؤلفون أن سبب انتشار الفكرة التي تنص على أن الذكور أكبر حجماً يرتبط بحقيقة أن عدد الدراسات التي ركزت على الأنواع المهمة الجذابة التي يعد ذكورها أكبر حجماً ويتنافسون على حق التزاوج؛ مثل الرئيسيات والفقمات، أكبر.

اقرأ أيضاً: ما الذي يمنح الخفافيش مهارتها في الصيد؟

تقول تومباك: "تعمقنا في الكثير من المعلومات البيولوجية المثيرة في أثناء مراجعة الأدبيات العلمية. أعتقد أن العبرة من دراستنا هي أن فهم العلماء للاستراتيجيات التكاثرية منقوص على الأرجح. على الأرجح أن هناك العديد من هذه الاستراتيجيات بخلاف قتال الذكور جسدياً للحصول على حق التزاوج".

أحد الأمثلة على ذلك هو الثيتل الهجين توبي؛ وهو نوع من الظباء تتقاتل إناثه للحصول على حق التزاوج. قوبل الطعن في الفكرة التي تنص على أن الذكور أكبر من الإناث بالمقاومة، ولم يلقَ الاهتمام الكافي لأنه يتعارض مع أفكار شخصية بارزة مثل داروين.

تقول تومباك: "تجاهل العلماء فترة طويلة الأفكار المتعارضة مع هذه الفكرة. من الناحية العلمية، أعتقد أن التشكيك في هذه الفكرة مهم لأن العلماء يركزون على نحو رئيس على منظور الذكور والمنافسة في التزاوج بينهم ونظرية الانتقاء الجنسي".

يوصي مؤلفو الدراسة الجديدة بإجراء المزيد من الأبحاث حول بيولوجيا الإناث في مختلف الأنواع للتوصل إلى رؤية أكثر واقعية عن حجم الحيوانات والانتقاء الجنسي، وهم يعملون على إعداد دراسات متابعة حالياً. يحذّر المؤلفون أيضاً من أن نتائج دراستهم قد تتغير مع جمع المزيد من البيانات المفصّلة عن أحجام الثدييات في المستقبل.