من الألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي إلى الدروس عبر الإنترنت، أصبح الأطفال أكثر ارتباطاً بالعالم الرقمي أكثر من أي وقت مضى؛ إذ يتيح لهم الإنترنت الوصول إلى المعلومات والترفيه والفرص التي لم يكن لآبائهم في مثل سنهم حتى أن يحلموا بها. ومع ذلك، فإن هذا الوصول ينطوي أيضاً على مخاطر التعرض للمحتوى غير المرغوب وعمليات التصيد الاحتيالي والتنمر والاستغلال، لذلك من المهم للغاية تعليم الأطفال استخدام الإنترنت، وكيفية التعامل مع هذه المخاطر الحقيقية.
يمكننا مساعدة أطفالنا على النمو ليصبحوا مواطنين رقميين أصحاء وآمنين من خلال تعليمهم العادات الجيدة على الإنترنت في سنّ مبكرة.
1. التواصل هو المفتاح
قد يكون الإنترنت مربكاً للمستخدمين الأصغر سناً، لذا فإن التواصل المفتوح والواضح بينك وبين طفلك هو أحد أهم الأدوات التي يمكنك استخدامها.
يميل الأطفال بشكلٍ عام إلى الوثوق بالآخرين بسهولة وتصديق معظم ما يقوله الناس لهم. ولسوء الحظ، فقد يكون التمييز بين ما هو حقيقي ومزيف عبر الإنترنت صعباً جداً حتى بالنسبة للبالغين، فما بالك بالأطفال.
تقول آشلي روز؛ الرئيسة التنفيذية لشركة «ليفينج سيكيوريتي» للأمن السيبراني: «يسهّل العالم الرقمي على الأشخاص التنكر والتظاهر بأنهم أشخاصٌ آخرون. بصفتنا بالغين، يمكننا مساعدة الأطفال على إدراك أن حقيقة الأشخاص الذين تصادفهم عبر الإنترنت ليست دائماً كما يدعون، وأن مواقع الويب ليست دائماً على ما تبدو عليه. لذلك تحدث إلى أطفالك عن الفيروسات والبرامج الضارة والمحتالين وعمن ينتحل صفة الآخرين عبر الإنترنت وكيفية التعرف على المخاطر».
ويتفق «كاين مكلادري»؛ مستشار الأمن السيبراني والعضو البارز في معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE)؛ وهي منظمة مهنية مكرسة لتطوير التكنولوجيا، مع ما تقوله روز لكنه يقترح على الآباء إجراء محادثاتٍ قصيرة ومنظمة مع أطفالهم بدلاً من إلقاء محاضرة أو محاضرتين مطولتين عليهم حول هذا الأمر. ويضيف: «إنها رحلة طويلة، ولن تنتهي في محادثة فردية واحدة».
فلتعتد على التحقق مع أطفالك مما يرونه على الإنترنت ويثير فضولهم، وماذا يعتقدون بشأنه وما إذا كانوا يعتقدون أنه آمن أم لا، ولماذا. ولتكن هذه المحادثات طبيعيةً ومريحةً لتشجيع الأطفال على المجيء إليك وسؤالك عندما يواجهون تجارب إشكاليةً عبر الإنترنت عندما يكبرون.
2. ركز على القيم والمعايير الشخصية وليس التكنولوجيا
لا يوجد فرق كبير في الأساس بين أن تكون مواطناً صالحاً في العالم الحقيقي وأن تكون مواطناً صالحاً على الإنترنت. تقول «لوار تيرني»؛ المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمنصة «سوشال إنستيتيوت» التعليمية عبر الإنترنت لمساعدة الطلاب على التنقل بشكل إيجابي في عالمهم الاجتماعي- بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا- وتعزيز رفاههم ونجاحهم في المستقبل: «أقترح على الآباء تطوير معاييرٍ عامة تتبعها العائلة بدلاً من وضع قواعد محددة لاستخدام كل تطبيق أو موقع ويب، ويجب أن تكون هذه المعايير بمثابة دليلٍ توجيهي لكيفية التصرف على الإنترنت وأن تنطبق على كل جانب من جوانب حياتهم».
توصي منصة «سوشيال إنستيتيوت» بسبع معايير لحياةٍ صحيةٍ أكثر عبر الإنترنت، ويمكنك اعتبارها معايير أساسية عامة. تبنَّ المعايير التي تناسبك وأطفالك، وقم ببناء معاييرك الخاصة بناءً على قيمك وتجربتك الخاصة.
من أفضل الطرق فعالية لنمذجة سلوك أطفالك هو أن تكون قدوةً لهم. تقول تيرني: «ستكون فكرةً جيدةً أن تبدأ بنفسك وتلتزم بقواعد وقت عدم استخدام أجهزتك مثلاً، وأن يكون سلوكك داعماً وتبتعد عن المبالغة في مشاركة قصص أطفالك على وسائل التواصل الاجتماعي. سيكون طلب الإذن منهم بنشر إحدى صورهم أو قصصهم المضحكة درساً مثالياً على التوافق، ويساعدهم على التحكم في تواجدهم عبر الإنترنت».
3. ابحث عن المجتمعات على الإنترنت
يتطلب تحديد مجتمع الإنترنت المناسب لك ولعائلتك خبرةً وممارسة، لذا ابدأ بمساعدة أطفالك على تطوير هذه المهارات في سن مبكرة. في هذا الصدد توصي «جهميا دروموند باي»؛ الخبيرة في التربية الواعية ومؤسسة منصة «كيدز يونيفرسيتي»، بمناقشة القرارات التي تتخذها عند تحديد المحتوى الذي يمكن لأطفالك مشاهدته.
اجلس مع طفلك وتحقق من المتطلبات العمرية للمنصات أو المجتمعات التي ينوون الانضمام إليها، وعدد المرات التي تنشر فيها محتوى مناسباً أو ملائماً لعمر أطفالك، وما هو أسلوب هذا المحتوى. بالإضافة إلى هذه الأساسيات؛ تقترح «باي» التحقق مما ينشره الأشخاص على تلك المنصة. يجب أن يقضي الأطفال الصغار وقتهم في بيئةٍ مريحة وودودة وداعمة، لذلك عندما يطلب أطفالك الإذن بالوصول إلى منصاتٍ جديدة، دعهم يتعرفون على هذه العناصر معك.
وساعد الأطفال على التفكير بسلوكهم في تلك المجتمعات. إذا كان سلوكهم وتفاعلهم سلبياً، فإنهم سيتلقون تفاعلاتٍ سلبية بالمقابل، فمن خلال كونهم أفراداً إيجابيين في كل مجتمعٍ يتواجدون فيه - سواء كان تواجدهم مع أصدقائهم في العالم الحقيقي أو من خلال تعليقاتهم على مقاطع الفيديو على اليوتيوب مثلاً، يمكنهم المساهمة في إنشاء هذا النوع من المجتمعات والمساحات التي يشعرون فيها هم والآخرون بالأمان.
وإذا لم يعجبهم ما يحدث في بعض هذه المجتمعات -كما تقول باي- فشجّع أطفالك على مغادرتها.
4. الإشراف والقيود والمراقبة بمثابة شبكة أمان قوية
هناك العديد من أدوات التحكم والبرامج التي تتيح لك تقييد وصول أطفالك وتتبع نشاطهم عبر الإنترنت. كخطوةٍ أساسية ولكنها مهمة؛ يجب أن تجعل متجر آبل يطلب الإذن منك بشراء ما يطلبه أطفالك، وتحديد الجمهور الذي يمكنه رؤية منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي والتعليق عليها ومشاركتها. بالإضافة إلى ذلك؛ توصي روز بشراء إحدى برامج الرقابة الأبوية والإشراف؛ مثل برنامج «بارك» أو «نت ناني» أو «كانوبي».
لا تخفي أمر برامج المراقبة هذه عن أطفالك. تقول تيرني: «يجب عليك أن تشرح لهم ماهية هذه البرامج وما الذي تتحكم به وتسمح لهم برؤيته، والأهم من ذلك؛ لماذا تستخدمها. الانفتاح على أطفالك يبني الثقة ويحافظ على التواصل بينكم، وقد يفقد الأطفال ثقتهم بك إذا علموا أنك تراقبهم دون علمهم».
يحذّر مكلادري الوالدين من الاعتماد كلياً على برامج التحكم والمراقبة فقط؛ إذ يمكن للأطفال في كثير من الأحيان اكتشاف طريقة للتحايل على معظم القيود، وهذه البرامج لا يمكنها سد جميع الثغرات التي يمكن أن يستغلها أطفالك. بدلاً من ذلك؛ ضع أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الألعاب في مساحةٍ أو غرفة عائلية وراقب ما يشاهده أطفالك. لا تسمح لهم باستخدام سماعات الرأس كي تتمكن دائماً من سماع ما يحدث، وبقدر الإمكان، انخرط معهم فيما يشاهدونه ويتفاعلون معه عبر الإنترنت. قم بمشاهدة البرامج ولعب الألعاب معهم أيضاً، وكن صديقهم وتفاعل معهم على جميع منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم. كلما كان حضورك أكبر في حياتهم عبر الإنترنت، كانت رؤيتك أفضل عند ظهور المشاكل.
اقرأ أيضاً: فيسبوك مسنجر كيدز.. نسخة أكثر مرحًا ورقابة للأطفال
5. لا تهمل أساسيات الأمان
يعد التواصل والإشراف أمراً بالغ الأهمية لسلامة الأطفال على الإنترنت؛ ولكن يجب عليك أيضاً مساعدة أطفالك الصغار على تطوير عادات أمان جيدة في وقت مبكر. من أهم الأشياء التي يمكن تعليمها لأطفالك هي أهمية استخدام كلمات المرور الجيدة.
اطلب من أطفالك حماية جميع أجهزتهم بكلمة مرور، ولا تشارك هذه البيانات مع أي شخص آخر غيرك. يوصي مكلادري كذلك بتعليم الأطفال استخدام مدير كلمات المرور لإنشاء كلمات مرورٍ لا يمكن معرفتها أو تخمينها، بالإضافة إلى استخدام المصادقة متعددة العوامل.
ويضيف مكلادري: «يجب عليك تبنّي عادةٍ أخرى وهي تنصيب برنامجٍ لمكافحة الفيروسات. يجب فحص كل رابط ينقر عليه الأطفال وكل ملفّ يقومون بتحميله تلقائياً بواسطة برنامج مكافحة الفيروسات لضمان عدم إصابة الجهاز بالبرمجيات الضارة أو الخبيثة».
من الجيد أيضاً تثبيت برنامج حظر الإعلانات على كل جهاز يستطيع الأطفال الوصول إليه؛ إذ يمكن أن تكون الإعلانات عبر الإنترنت بمثابة منفذٍ رئيسي للبرمجيات الضارة. ربما تكون ماهراً في التمييز بين الإعلانات الحقيقية والمزيفة المحفوفة بالمخاطر؛ لكن الأطفال ليسوا كذلك. بالإضافة إلى ذلك؛ ستساعدك هذه البرامج على تقليل الفوضى التي تخلقها هذه الإعلانات المزعجة ومنع عمليات الشراء المغرية غير الضرورية التي تعرضها.
أخيراً؛ اغتنم كل فرصة لتعليم الأطفال أهمية الخصوصية. يجب أن يعلم الأطفال أنه لا يجب عليهم مشاركة عناوينهم أو أرقام هواتفهم أو كلمات المرور أو أية معلومات تعريفية أخرى مع أي شخص عبر الإنترنت.
علاوةً على ذلك؛ ينبغي للأطفال إدراك أن أي شيء يُنشر عبر الإنترنت قد يظل موجوداً إلى الأبد. تقول روز: «علينا الافتراض أن أية معلوماتٍ تُنشر على الإنترنت لن تختفي أبداً. حتى المنشورات التي قد يندم الأطفال على نشرها لاحقاً ويحذفونها، قد يظل لها وجود على شكل لقطات شاشة وقد تجد طريقها إلى أرباب العمل المحتملين أو الكليّات أو إلى الأيدي الخطأ في المستقبل. القاعدة الأساسية الجيدة هي عدم نشر أي شيءٍ على الإنترنت لا ترغب في أن تراه جدتك».
من الطبيعي أن تشعر بالقلق تجاه اتصال ابنك بالإنترنت؛ ولكن منعهم من ذلك هو أمر غير منطقي وهو مثل منعهم من عبور الشارع. مثلما علمناهم أن يمسكوا أيدينا وأن ينظروا في كلا الاتجاهين قبل عبور الشارع، يجب أن نعلمهم كيفية التعامل بأمانٍ مع عالم الإنترنت.
تقول باي: «كل طفلٍ سيصبح مواطناً رقمياً بطبيعة الحال. من خلال مساعدتهم على أن يتعاملوا بأمانٍ وبالشكل الصحيح مع عالم الإنترنت؛ سنساعدهم على أن يكونوا أشخاصاً أكثر صحةً».
اقرأ أيضاً: كيفية ضبط أدوات الرقابة الأبوية في أجهزتك الذكية
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً