في عام 1987 في كوستاريكا، تسلّق «جاستن شميدت»؛ عالم الأحياء في معهد «ساوث ويسترن بيولوجيكال»، شجرةً محاولاً الوصول إلى عشٍّ من الزنابير السوداء، معلّقاً على أحد الأغصان المتطرّفة لجمع بعض العينات للبحث. كان جاستن يتأرجح فوق فرعٍ غير متين فوق الجرف، كان حذراً، فارتدى قناعاً واقياً من الحشرات كي يتجنّب لسعها في وجهه؛ إلا أنها صممت على إيذائه، فحوّمت بالقرب من وجهه، وبدلاً من لسعه؛ قامت بقذف السم مباشرةً على عينيه، أحسّ جاستن بالحرقةٍ والألم في عينيه على الفور، ولم يعد يرى شيئاً، وأخذ يصرخ طالباً المساعدة وهو ينزلق على الشجرة وقدماه ملفوفتان حول جذعها، وعشّ الدبابير يتدلى من إحدى يديه، يقول ضاحكاً الآن: «لقد كانت مغامرةً مخيفةً حقاً». إليك حكايته التي دفعته لتأليف كتاب حول كيف تتجنب لسعات النحل والدبابير.
كانت لسعات الحشرات؛ والتي غالباً ما تكون مؤلمةً للغاية، إحدى الأخطار المهنية التي عانى منها شميدت؛ مؤلّف كتاب بعنوان «The Sting of the Wild». لقد اختبر كل أنواع اللسعات والألم الذي تسببه؛ بدءاً من الألم الحارق الذي سببته لسعة دبور الورق؛ والذي يمكن إدارته إلى حدّ ما، إلى لسعة دبور «صائد الرتيلاء»؛ التي وصفها بأنها كالصدمة الكهربائية التي قد تسبب العمى.
تعلّم جاستن من كلّ هذا إلى أي مدىً يمكن أن تكون لسعات الحشرات مؤلمةً؛ ولكن الأهم من ذلك أنه تعلّم كيفية تجنبها. يقدّم شميدت في كتابه دروساً مفيدةً في كيفية تجنب لسعات النحل والدبابير إذا واجهتك في البرية.
النحل والدبابير والزنابير
يموت من 90 إلى 100 شخصٍ سنوياً بسبب الحساسية الناجمة عن لسعات النحل والزنابير والدبابير؛ وبذلك تكون هذه الحشرات من الأنواع الأكثر شيوعاً ممن تصادفها في الحياة البرية، التي يُحتمل أن تكون قاتلةً.
لكن تختلف هذه الحشرات اللاسعة، فالدبابير تميل للعدوانية أكثر من النحل، ولسعاتها أكثر إيلاماً. والأسوأ من ذلك؛ لا تفقد الدبابير جهاز اللسع الخاص بها بعد استخدامه، لذا يمكن أن تلسعك عدة مرات، بينما النحلة لا تلسع إلا مرّةً واحدةً فقط ثم تموت؛ ولكن بغض النظر عما إذا كانت الحشرة تلسع مرةً واحدةً أو عدة مرات، فإن أثر اللسعة في الجسم بعد أن تهاجمك إحدى هذه الحشرات متشابه جداً؛ حيث تحقن الحشرة أنزيماتٍ وسموماً معينةً تُحدث تأثيراً سمياً في الجسم.
يكتشف الجسم لسعة الحشرات على الفور، فتتسابق خلايا الدم البيضاء للدفاع، ويرسل الجسم الهيستامين إلى مكان اللسعة؛ مما يتسبب بتورّمه، يبدأ الجهاز المناعي بتكوين أجسام مضادة لمكافحة المادة الغريبة؛ والتي تستمر في الانتشار وتحطيم جدران الخلايا في مسارها.
يحتاج الذين يعانون من حساسيةٍ شديدة تجاه لسعات النحل أو الدبابير (تبلغ نسبتهم 5% من السكان فقط) إلى حمل حاقن أدرينالين ذاتي (مثل قلم الأبنفرين) معهم، وعنايةٍ طبية فورية تحسباً لحدوث ردّ فعلٍ تحسسي مفرط، بينما لن يشعر الأفراد العاديون إلا بألم وتهيّج وحكّة وتورّم مكان اللسع.
لن يكون الألم مريحاً بالتأكيد؛ ولكن بغضّ النظر عمّن يعانون من فرط الحساسية؛ يمكن أن يتحمّل البالغ ما يصل إلى 10 لسعاتٍ لكلّ نصف كيلوغرام من الجسم دون عواقب وخيمة، أما إذا زاد عدد اللسعات عن ذلك الحد، فقد يتسبب السم في معاناة الكليتين وانسدادهما أثناء محاولتها تخليص الجسم من أنسجة الخلايا التالفة.
تحدد كمية السم التي تحقنها الحشرة مدى شدة الألم الذي تُحدثه لسعتها، وتختلف من نوعٍ لآخر؛ ولكن سواء صادفت نحلةً أو دبوراً، فمن الأفضل ألّا تلسعك على الإطلاق.
كيف تتجنب لسعات النحل؟
يقول شميدت: «الطريقة الأسهل والأكثر فعاليةً لتجنب اللسعات، هي الحفاظ على مسافةٍ آمنة من أعشاش ومستعمرات وأسراب الحشرات، فإذا صادفت إحداها، تحرّك بسرعة وهدوء في الاتجاه المعاكس؛ سيضمن ذلك عدم إثارة الحشرات. يجب عليك أيضاً أن تبتعد بخطّ مستقيم، لأن الجري بخطّ متعرّج سيبقيك في منطقة الخطر لفترةٍ أطول».
إذا هاجمك سرب منها، فاركض بأسرع ما يمكن مبتعداً عنها، ويفضل أن تركض باتجاه الأشخاص الذين قد يكونون قادرين على المساعدة. من خلال إبعاد نفسك عن المنطقة المجاورة للعشّ أو المستعمرة مباشرة؛ قد تثبت للحشرات أنك لا تمثل تهديداً لها؛ وبذلك يصبح من المرجح أن تتركك وشأنك.
إذا وجدت حشرةً أو حشرتين تطيران حولك، فلا تخف، فمن المحتمل أن النحلة- أو الدبور- تقوم بتقييم التهديد الذي تمثله لا أكثر؛ ولكن إذا ضربتها أو تحرّكت بعنفٍ، فقد تشعر بأنك تشكّل تهديداً ما؛ وبالتالي تشجعها على لسعك، كما يُعدّ الاختباء فكرةً جيدةً؛ حيث يوصي شميدت بالحفاظ على ثباتك وحبس أنفاسك. يقول: «التنفس هو ما يخبرهم أنك هناك»، فنظراً لأن معظم الحشرات يمكنها تتبّع روائح الأشياء في الهواء؛ قد تكتشف وجودك على الفور من خلال تنفسك، فإذا حبست أنفاسك من 10 ثوانٍ إلى 50 ثانية، فإنها غالباً لن تكشف وجودك مرةً أخرى؛ وبالتالي ستتركك وشأنك.
بالنسبة للملابس التي ينبغي ارتداؤها في نزهاتك في البرية؛ اختر الألوان الفاتحة، وتجنّب ارتداء ملابس بألوانٍ تنجذب إليها الحشرات بشدة؛ مثل البنفسجي والأزرق والخمري (من درجات الأحمر الغامق)، وعلى العكس مما قد تعتقد؛ لا بأس بارتداء ملابس عليها رسومٌ للأزهار، لأنها لا تعكس الألوان فوق البنفسجية التي عادةً ما تعكسها الأزهار الحقيقية ويحبّها النحل.
كما يشيع اعتقادٌ خاطئ مفاده أن العطور أو واقيات الشمس المُعطَّرة قد تجذب النحل والدبابير؛ لكن رائحة الليمون قد تكون استثناءً هنا؛ إذ تشبه رائحة الحمضيات رائحة فرمون النحل؛ مما قد يجعلك جذاباً بشكلٍ خاص لهذه الحشرات إذا كنت تضع شيئاً منه أثناء التنزه.
ماذا تفعل إذا تعرضت للسعة؟
لا داعي للذعر إذا ما حدث ولسعتك نحلة أو دبور، ابدأ بالابتعاد عن المنطقة التي تتواجد فيها في حال كان هناك المزيد من الحشرات حولك. إذا كانت اللسعة من نحلة، قم بإزالة إبرة اللسع المتبقية على جلدك؛ عن طريق استخدام ظفر إصبعك بلطفٍ لإخراجها. تشير الدراسات إلى أن ترك إبرة اللسع لمدةٍ تزيد عن 8 ثوانٍ يمكن أن يزيد التوّرم بنسبة 30%، لذا تصرّف بسرعة.
إذا كنت تعاني من تورّم غير طبيعي أو ضيقٍ في التنفس، فقد يكون لديك رد فعل تحسسي شديد. في هذه الحالة؛ سيكون عليك البحث عن المساعدة الطبية على الفور، وبأسرع ما يمكن.
بالمقابل؛ إذا بدت الأمور طبيعيةً ولم تسؤ حالتك، فستكون خطوتك التالية هي التركيز على التعافي. أولاً؛ اغسل مكان اللسعة بالماء والصابون لتجنّب العدوى، وإذا شعرت بحكّة، استخدم الستيروئيد الموضعي أو مضادات الهيستامين عن طريق الفم، كما يمكنك أيضاً وضع كمّادةٍ باردة على المنطقة المصابة لتخفيف التوّرم والألم.
إذا لم تكن لديك إمكانية الوصول إلى أي دواء، فإن شميدت يوصي بصنع مزيجٍ مخفّف بكميةٍ صغيرة من ملح الطعام والماء (أو سائلٍ آخر)، ووضعه مباشرةً على مكان اللسعة لتخفيف الألم. يقول: «لا أعرف حقاً كيف يخفّف هذا المزيج الألم؛ ولكنه يعمل على ما يبدو»، ويضيف: «يجب تجنّب استخدام الأمونيا والخل على مكان اللسعة أو تعريضها للحرارة، لأن لا فائدة منها في أحسن الأحوال، ويمكن أن تجعل الألم أكثر حدّةً في أسوأ الأحوال».
أخيراً؛ إذا كان لديك تاريخ من ردود الفعل التحسسية الشديدة، فتذكر دائماً أن تحمل معك حقنة الأبنفرين الذاتي؛ بغض النظر إذا كنت في منطقةٍ حضرية أو في نزهةٍ في الريف القريب، وإذا لسعتك نحلة أو دبور، وكنت بحاجةٍ إلى حقنةٍ للحساسية، احرص على مراجعة أقرب مركزٍ قريبٍ للطوارئ بأسرع ما يمكن.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً