وجدت دراسة حديثة من جامعة روشستر، نُشِرت في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS) في 2 أبريل/نيسان 2024، أن عملية رمش العين المتكررة التي يقوم بها الإنسان 20 ألف مرة بالمتوسط يومياً، لا تُسهم فقط في ترطيب العين ومنعها من الجفاف نتيجة التعرض للهواء وتبخر طبقة الماء الرقيقة الموجودة على سطحها، بل تبين أن لعملية رمش العين أهمية ودوراً آخرَ ضرورياً لإدراك المشاهد التي نراها في دماغنا، فما النتائج التي توصلت إليها الدراسة؟ وكيف يمكن الاستفادة من المعلومات التي توصل العلماء إليها؟
اقرأ أيضاً: ما أنواع عدسات النظارات الطبية؟ وكيف تختار المناسب منها؟
كيف درس العلماء التأثيرات البصرية لرمش العين المتكرر؟
عرِف العلماء منذ زمن طويل أن الناس يرمشون في كثيرٍ من الأحيان بعدد مرات يتجاوز ما هو مطلوب فقط لترطيب العين وتجنب جفافها، وانطلاقاً من ذلك تتبعت مجموعة بحثية بقيادة الدكتور ميشيل روتشي، أستاذ الدماغ والعلوم المعرفية في جامعة روتشستر، حركات العين للأشخاص الذين ينظرون إلى أنواع مختلفة من المحفزات البصرية ذات السطوع والتباين المختلفين.
تضمنت الدراسة 12 شاباً بالغاً، رُصِدَت تحركات أعينهم بواسطة جهاز خاص، ونظر المشاركون في الدراسة إلى صور ذات تباين متفاوت، واستنتج الباحثون أن كل عملية رمش للعين تعمل على زيادة قوة إشارة الإدخال المرئية عن طريق تعديل شدة الضوء الذي يصل إلى شبكية العين.
بعد دمج هذه البيانات مع النمذجة الحاسوبية، وجدوا أن الرمش المتكرر يعزز قدرة الشخص على تتبع المشاهد الكبيرة والمتغيرة تدريجياً في المجال البصري للشخص، والآلية التي يساعد فيها الرمش على تحقيق ذلك هي تغيير أنماط الضوء الذي يصل إلى شبكية العين وتحفيزها، وهذه العملية تُشكّل نوعاً مختلفاً من الإشارات البصرية مقارنة بالإشارات التي تنتقل في حال ظلت العيون مفتوحة طوال الوقت.
وقارن الفريق بين مدى تأثير الرمش فيما تراه العين وهي مفتوحة مع ما تدركه عندما تُغلَق الجفون، وبذلك حُدِّدَت حساسية البشر عند إدراك أنواع مختلفة من المحفزات والصور الجزئية، حيث أسهم الرمش بتركيب هذه الصور الجزئية لبناء مشهد أكبر لكل ما يشاهده الشخص، وخاصةً عندما يكون هناك تغير تدريجي للصور وحركة في اتجاه البصر، وللتوضيح؛ عندما يكون الشخص راكباً سيارة ويشاهد الطريق، سيتغير المشهد تدريجياً، لكن الرمش المتكرر سيساعده على إدراك المشهد الكامل للطريق بتجميع عدة مشاهد رآها الشخص.
أمّا بالنسبة لتحفيز انطباع المشاهد على الشبكية، فقد اقترح الباحثون أن تغيير ظروف الإضاءة من قوية عندما يكون الشخص فاتحاً عينيه، إلى ضعيفة عندما يغلقهما في أثناء الرمش لتصبح الإضاءة مظلمة على الشبكية، سيؤدي إلى فهم الدماغ هذا التغيير كأنه إشارة لمعالجة الصور التي رأتها العين التي كانت تركّز على نقطة معينة وسيُركبُّها الدماغ ليعطي إدراكاً شاملاً للمشهد الكبير.
اقرأ أيضاً: هل النظر إلى الكسوف يؤذي العينين؟
الاستنتاجات التي توفّرها دراسة الرمش المتكرر للعين
انطلاقاً مما وجده الباحثون في جامعة روشستر، يُعدّ الرمش مرحلة مهمة لجمع المعلومات التي تساعد على المعالجة البصرية، وهو يتحدى الاعتقاد السابق الذي يقول إن رمش العينين يُفقِد الإنسان المحفزات البصرية، أي الصور والمشاهد التي تفوته في أثناء إغلاق عينيه.
وتعزز النتائج التي توصل إليها الباحثون في هذه الدراسة طريقة فهمنا للإبصار لدى الإنسان بكونه مزيجاً من المدخلات الحسية والنشاط الحركي، فعندما نشمُّ أو نلمس ما حولنا، سيرسم دماغنا صورة شاملة لما يحيط بنا، فإن شممت رائحة حقل سيدرك دماغك أنك في الريف، وفي حال كنت تلمس حجارة حائط مصقولة ستُدرك أنك في مدينة أو مبنى، وهذا سيساعد الدماغ على الاستعداد لإبصار المحيط من حوله وفهمه.
بالإضافة لما سبق، يمكن القول إن النظام البصري حساس للتغيرات الزمنية التي تطرأ على المحفزات البصرية، ويستخدم الدماغ هذه التغيرات الزمنية للمحفزات وسيلةً لتمثيل المعلومات المكانية وإدراك المحيط بشكلٍ يؤثّر في كامل الجسم، ليتخذ الشخص رد الفعل المناسب بشكلٍ يراعي التغيرات، فعندما تكون في الشارع وترى من بعيد حمامة تقترب منك، سيدرك الدماغ هذا المشهد المتغير ويجعلك تتخذ الإجراء المناسب لتفادي الاصطدام أو الإزعاج.
اقرأ أيضاً: ما أسباب حرقة العين وكيف يمكن علاجها؟
يقترح باحثو الدراسة أن رمش العيون يعوِّض الخسائر اللحظية في الرؤية من خلال تعزيز قوة الإشارة البصرية، ويساعد في الحفاظ على حدة البصر، ويساعد الدماغ على معالجة التدفق المستمر للمعلومات البصرية، لكن ما زالت هناك حاجة للقيام بالمزيد من الدراسات التأكيدية حول هذا الموضوع.