يميل البشر عموماً إلى اعتبار الكثير من الأشياء على أنها من المسلّمات ولا تمثل أي مشكلة، حتى لو كانت بسيطة مثل تنفس الهواء النقي. في الواقع، من السهل نسيان مدى اعتماد أجسامنا على الأوكسجين إلى أن يصبح مورداً لا يُقدر بثمن، كما هو الحال على متن محطة الفضاء الدولية.
على الرغم من أنه عادةً ما يتم إرسال الإمدادات الضرورية مع رواد الفضاء، لكن عملية إرسال إمدادات الهواء القابل للتنفس باستمرار مكلفة جداً. بدلاً عن ذلك، يعتمد رواد الفضاء على عملية تُدعى التحليل الكهربائي لتوليد الأوكسجين الداعم للحياة، والتي يتم خلالها تفكيك الماء إلى مكوناته الأساسية من غازي الهيدروجين والأوكسجين بواسطة التيار الكهربائي. على الأرض، تقوم النباتات بعملية مماثلة طبيعية تُسمى التمثيل الضوئي، حيث تستخدم الهيدروجين الناتج لصنع السكريات مطلقةً الأوكسجين في الغلاف الجوي.
حلول بديلة لتوليد الأوكسجين على محطة الفضاء الدولية
ومع ذلك، ونظراً لأن نظام محطة الفضاء الدولية يحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة والصيانة، فقد بحث العلماء عن حلول بديلة لتوليد الأوكسجين بشكل مستدام في الفضاء. تم نشر أحد هذه الحلول المقترحة في ورقة بحثية مؤخراً في مجلة "إن بي جي مايكروغرافيتي"، حيث وجد الباحثون طريقة لاستخلاص الغازات من السوائل باستخدام المغناطيس.
اقرأ أيضاً: هل تنجح وكالة الفضاء الأوروبية بإنتاج مركبات فضائية ذاتية التنظيف تحارب البكتيريا المرافقة للبشر إلى الفضاء؟
يقول الأستاذ المساعد حالياً في كلية غوغنهايم لهندسة الطيران في جورجيا للتكنولوجيا والمؤلف الرئيسي للدراسة، ألفارو روميرو كالفو: «لا يدرك الكثير من الناس أن الماء والسوائل الأخرى تتمتع بخاصية مغناطيسية أيضاً إلى حد ما».
ويضيف كالفو: «هذا المفهوم الفيزيائي معروف جيداً في مجتمع الفيزياء، لكن استكشاف إمكانية الاستفادة منه في الفضاء لا يزال في بداياته في هذه المرحلة. عندما يصمم مهندسو الفضاء نظاماً فضائياً يشتمل على السوائل، فإنهم لا يأخذون بعين الاعتبار إمكانية استخدام الطاقة المغناطيسية لتحفيز عملية تحلل السوائل واستخلاص الغازات منها».
اقرأ أيضاً: في الفضاء لا أحد يسمع صراخك: لماذا لا ينتقل الصوت في الفضاء؟
الطفو المستحث مغناطيسياً
في مركز تكنولوجيا الفضاء التطبيقية والجاذبية الصغرى "زارم" (ZARM) بجامعة برينان في ألمانيا، تمكّن فريق روميرو كالفو من دراسة ظاهرة "الطفو المستحث مغناطيسياً" (magnetically-induced buoyancy). لتبسيط الفكرة، تخيل علبة صودا. نظراً لأن كثافة السائل أعلى من كثافة جزيئات ثاني أوكسيد الكربون في الظروف الأرضية، تنفصل فقاعات الغاز وتطفو لأعلى على وجه السائل بفعل الجاذبية الأرضية. أما في الفضاء، حيث تخلق الجاذبية الصغرى حالة مستمرة من السقوط الحر وتبطل تأثير الطفو، يصبح انفصال المواد المنحلة في السائل صعباً أكثر، وتبقى فقاعات الغاز هذه معلقة في الهواء.
لاختبار ما إذا كان يمكن للطاقة المغناطيسية أن تصنع فرقاً، أكمل الفريق بحثهم في برج الإسقاط التابع لمركز تكنولوجيا الفضاء التطبيقية والجاذبية الصغرى، حيث يمكن تحقيق حالة انعدام الوزن لبضع ثوانٍ للتجربة عند وضعها في كبسولة إسقاط محكمة الإغلاق. (البرج مكرّس لإجراء تجارب مع انعدام الوزن في مجالات مثل الفيزياء الفلكية وعلم الأحياء والكيمياء والاحتراق وديناميكا الموائع والفيزياء الأساسية وعلوم المواد واختبار المعدات الخاصة بالبعثات الفضائية). من خلال حقن فقاعات الهواء في محاقن مليئة بسوائل حاملة مختلفة، تمكّن الفريق من تسخير القوة المغناطيسية لفصل فقاعات الغاز في ظروف تحاكي ظروف الجاذبية الصغرى بنجاح. لقد أثبتت التجربة أنه يمكن جذب فقاعات الغاز إلى مغناطيس النيوديميوم واستخلاصها من المواد المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أنه من الممكن توجيه فقاعات الغاز إلى مواقع مختلفة داخل السائل بفضل الخصائص المغناطيسية الكامنة في المحاليل المائية المختلفة (مثل المياه المقطرة وزيت الزيتون) التي قاموا باختبارها. بشكلٍ أساسي، أصبح من الأسهل جمع الغاز أو توجيهه إلى وعاء جانبي. إلى جانب استخدامها لتوليد كمية كافية من الأوكسجين للطاقم، يقول روميو كالفو إن نتائج الدراسة تظهر أن تطوير فاصلات مغناطيسية في الجاذبية الصغرى قد يسمح بتطوير أنظمة فضائية أكثر موثوقية وأخف وزناً، مثل تحسين أجهزة إدارة دفع الوقود أو تقنيات إعادة تدوير مياه الصرف الصحي.
اقرأ أيضاً: تعرف على الأطعمة التي لا يمكنك تناولها على متن محطة الفضاء الدولية
لإظهار أنه يمكن استخدام المغناطيس لأغراض البحث، أجرى الفريق أيضاً تجارب على وسط "ليسوغيني بروث" (Lysogeny Broth) المغذي الذي يستخدم في تجارب تنمية البكتيريا في الأبحاث المتعلقة بمحطة الفضاء الدولية، وقد تبين أن الوسط المغذي وزيت الزيتون قد تأثرا بشكل كبير بالقوة المغناطيسية المُطبقة عليهما. يقول روميرو كالفو: «تتوخى جهودنا التي نكرّسها لحل هذه المشكلة أقصى درجات الدقة، لأن النتائج ستؤثر على العديد من المنتجات الأخرى في الفضاء».
إذا قرر الجيل التالي من مهندسي الفضاء استخدام تكنولوجيا المغناطيسات في المحطات الفضائية المستقبلية، فإن الطريقة الجديدة يمكن أن توفر بيئات هوائية أكثر كفاءة على متنها تدعم سفر الإنسان إلى بيئات أخرى خارج كوكب الأرض، بما في ذلك القمر، والمريخ على وجه الخصوص. في الحقيقة، إذا كنا نخطط لمهمة بشرية إلى الكوكب الأحمر، فإن نظام تزويد الأوكسجين الحالي لمحطة الفضاء الدولية بالغ التعقيد بحيث لا يمكن الاعتماد عليه كلياً خلال المهمات الطويلة. إن استخدام المغناطيس في هذا النظام لتبسيط هذا النظام من شأنه تقليل تكلفة المهمة الكلية وتوفير إمدادات كافية من الأوكسجين.
اقرأ أيضاً: بطانية الفضاء: وسيلة إنقاذ جيدة في حالات الطوارئ
على الرغم من أن روميرو كالفو يقول إن هذا الاختراق يمكن أن يساعدنا في النهاية على الوصول إلى المريخ، فإن علماء آخرين يعملون على تطوير طرق أخرى لصنع الأوكسجين باستخدام البلازما (وهي حالة من المادة تحتوي على جسيمات حرة مشحونة، مثل الإلكترونات، يسهل تحفيزها بواسطة الحقول الكهربائية القوية) للوقود والمخصبات والمواد الأخرى التي يمكن أن تساعد في العيش على المريخ. وعلى الرغم من أن كلا المشروعين ما زالا في المراحل الأولى، تُظهر هذه التطورات الجديدة ما يمكن للإنسانية أن تحققه عندما تمضي قدماً وتتخطى آفاقها المعتادة.