اكتشاف جديد يوضح آلية الشعور بالجوع يمهّد لعلاج البدانة

3 دقيقة
اكتشاف جديد يوضح آلية الشعور بالجوع يمهد لعلاج البدانة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ T. L. Furrer
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اكتشف عالم الأعصاب في جامعة هارفارد براد لويل، وباحث ما بعد الدكتوراة مايك كراشيز، كيفية تحفيز الشعور بالجوع لأعلى درجة عند الفئران، وتمكنوا من القيام بذلك عن طريق تحفيز مجموعة من الخلايا العصبية في منطقة دماغية تُدعى الوطاء، وهي منطقة يُعتقد أنها تؤدي دوراً رئيسياً في تنظيم فاعليات الجسم الحيوية الأساسية. 

اقرأ أيضاً: باحث سعودي يبتكر جهازاً لمعالجة الارتجاع الحمضي

ما التجربة التي أسهمت بتسليط الضوء على المراكز العصبية للجوع؟

استطاع لويل مع زملائه من خلال القيام بتجربة على الفئران أن يبرهنوا اكتشافهم المراكز العصبية المسؤولة عن الجوع، حيث تضمنت التجربة 8 فئران أطعِمت إلى حد الشبع ثم وُضِعت أمامها كرات من الطعام محتجزة بشبك معدني، وبعد بضع ثوانٍ تحركت الفئران نحو الطعام لتأكله وبدأت بإدخال أنوفها عبر الشبك وخدش القفص للحصول على الطعام، هذا السلوك جعل العلماء يتأكدون من أنهم استطاعوا تحفيز مركز عصبي مسؤول عن الجوع والشهية.

وما ذكره العلماء، هو أن المراكز العصبية المسؤولة عن الجوع يمكنها أن تتحكم بعدة سلوكيات يبديها الشخص، فمن خلال إثارة خلايا الجوع العصبية لدى تلك الفئران، حفّز لويل “عاصفة من النشاط العصبي” الذي امتد إلى القشرة الدماغية وغيرها من مراكز المعالجة العصبية، ما أدّى مباشرة إلى تحفيز سلسلة من السلوكيات المعقدة الموجهة نحو هدف تناول الطعام.

لكن لم تنتهِ القصة هنا، فعلى الرغم من اكتشاف طريقة تحفيز مركز الجوع في الدماغ لدى الفئران، لا يزال العلماء بحاجة إلى فهم آلية حدوث تحفيز الجوع، لذا تعاون الدكتور لويل مع عالم الأعصاب مارك أنديرمان لدراسة دوائر الجوع العصبية المعروفة ومدى ارتباطها بأجزاء مجهولة من الدماغ، وللقيام بذلك احتاجوا في بعض الحالات إلى تنشيط خلية عصبية واحدة في كل مرة لتتبع الروابط الجديدة بين مناطق الدماغ.

اقرأ أيضاً: دراسات جديدة تُبيّن الأهمية الكبيرة لهذه المنطقة من دماغ الإنسان

ما أهمية أبحاث دراسة آلية حدوث الجوع في الدماغ؟ 

يمكن أن تفيد نتائج هذه الأبحاث عن الجوع في تحسين مستويات الصحة العامة العالمية، إذ يعاني أكثر من مليار شخص بالغ في أنحاء العالم كافة، البدانة، وهي حالة ترتبط بمجموعة واسعة من الحالات الصحية المزمنة مثل مرض السكري وأمراض الكبد الدهنية وأمراض القلب وبعض أنواع السرطان، ويساعدنا فهم آلية حدوث الجوع في الدماغ على تحديد العوامل التي تسببت في ارتفاع نسب الإصابة بالبدانة حول العالم في السنوات الأخيرة.

ويمكن لهذه الأبحاث أن تساعدنا على تفسير مدى فاعلية مجموعة جديدة من أدوية إنقاص الوزن تُعرف باسم منبهات جي إل بي-1 (GLP-1)، وتضم هذه الأدوية عقار ويغوفي (Wegovy) وعقار أوزمبيك (Ozempic)، حيث توفّر وسيلة فعّالة لمكافحة البدانة، وساعدت بعض الأفراد على خسارة أكثر من 15% من وزن جسمهم. لكن على الرغم من شيوع هذه الأدوية، لا يستطيع أحد أن يشرح بدقة كيف ولماذا تعمل.

اقرأ أيضاً: لأول مرة: نجاح بنكرياس اصطناعي في التحكم بالسكري من النمطين الأول والثاني

لكن لويل لا يبحث فقط عن آلية حدوث الجوع في الجسم وكيفية عكس هذه العملية فقط، بل يريد الوصول إلى الحزمة العصبية التي يسبب فيها الجوع عدة تغييرات سلوكية لدى البشر؛ أي كيفية تأثير الحاجة الغريزية لتناول الطعام في مراكز دماغية واعية مثل مراكز صنع القرار والذاكرة والفكر الواعي والسلوك العام لدى البشر، ويعتقد أن تحديد هذه الخلايا العصبية سيجعل من الممكن دراسة كيفية انتشار إشارة من الجسم تدل على أن “مخازن الطاقة” بدأت تنخفض وتحتاج إلى التجديد عبر الدماغ للسيطرة على مدى وعينا، وتحفيز هذه الإشارة “البدائية” والمشتركة لدى العديد من الكائنات لسلسلة من الإجراءات المعقدة والمدروسة جيداً في كثيرٍ من الأحيان والمصممة للحصول على الطعام.

ما المراكز العصبية المسؤولة عن الشعور بالجوع؟ 

وجد الباحثون أن النواة تحت المهاد المجاورة للبطينات (PVH)، وهي رقعة صغيرة مكونة من نحو 50,000 خلية عصبية في منطقة الوطاء، تؤدي دوراً في التحكم في الشهية، ورسموا خريطة لدائرة الجوع والشبع العصبية، أي كيفية اتصال إشارات الجوع اللاوعي بالجزء الواعي من الدماغ، وتضمنت هذه الخريطة العناصر التالية:

  • هرمون اللبتين الذي يُثير الخلايا العصبية المحفزة للشبع. 
  • هرمون الغريلين الذي يحفّز الجوع. 
  • هرمون الميلانوكورتين المسؤول عن إشارات الجوع والشبع.

وتبين معهم أن الخلايا العصبية الموجودة في النواة تحت المهاد المجاورة للبطينات (PVH) تعمل كمفتاح تشغيل وإطفاء للشبع. فالنشاط المرتفع لهذه الخلايا العصبية يسبب الشعور بالشبع، بينما انخفاض نشاطها يسبب الشعور بالجوع، وذلك من خلال التحكم بإفراز الهرمونات وإرسال إشارات إلى عددٍ من المراكز العصبية المختلفة بما في ذلك جذع الدماغ والمناطق التي تؤثّر في وظيفة الغدة الدرقية، وبشكلٍ خاص منطقة في جذع الدماغ تُسمَّى النواة شبه العضدية (PBN)، التي تُعدُّ محوراً رئيسياً مشاركاً في دائرة الجوع والشبع، وتُعدُّ النواة شبه العضدية مسؤولة عن عدة عمليات لا علاقة لها بالجوع مثل الإثارة الجنسية والأحاسيس المرتبطة بالألم والاستشعار بالحرارة والبرودة والشعور بالحكة والغثيان، بالإضافة إلى استشعار عدة وظائف لاإرادية مثل التنفس وضغط الدم وتنظيم درجة الحرارة. 

اقرأ أيضاً: عمليات جراحية نوعية تُجرى في مستشفى عربي يرقى من خلالها لدرجة المستشفيات العالمية

لا تزال الدراسات والاختبارات للبحث عن الآلية الجزيئية والدائرة العصبية المسؤولة عن حدوث الجوع وتحفيزه عدة عمليات مختلفة في الجسم قائمة، لكن لويل والباحثين المشاركين معه يعتقدون أنهم اقتربوا من اكتشاف هذا اللغز وقد يصلون إلى النتائج المرجوة خلال 5 سنوات.