منذ نحو 150 مليون سنة، عاش الزاحف "أوبيسياميموز جريجوري" (Opisthiamimus gregori) عبر أميركا الشمالية في العصر الجوراسي باحثاً عن الطعام إلى جانب الديناصورات الشهيرة مثل الألوصور والستيجوصورس. اقتات هذا الزاحف على الحشرات واللافقاريات الصغيرة، وبلغ طوله نحو 15 سنتيمتراً، حيث كان صغيراً بما يكفي بحيث يمكن مسكه براحة يد شخص بالغ معاصر.
وفقاً للنتائج الجديدة لدراسة أجراها باحثون من متحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي والكلية الجامعية في لندن ومتحف لندن للتاريخ الطبيعي، فإن هذا النوع المنقرض ينتمي إلى نفس السلالة القديمة التي تنتمي إليها زواحف التواتارا (Tuatara) الحالية. تقدم هذه الدراسة، والتي نُشرت في 15 سبتمبر/ أيلول في مجلة "سيستيماتيك باليونتولوجي"، تفسيراً لبعض الاختلافات الفريدة بين الزاحف المنقرض وزواحف تواتارا التي تعيش حالياً في نيوزيلندا.
أوبيسياميموز جريجوري
ينتمي مخلوق أوبيسياميموز جريجوري إلى منقاريات الرأس (rhynchocephalian)، وهي مجموعة فريدة من الزواحف انفصلت عن السحالي خلال العصر الترياسي. تعيش التواتارا (أقارب أ.جريجوري الحية الوحيدة) في نيوزيلندا فقط، وتشبه إلى حد ما الإغوانا "سيكلورا بينجويس"، ولا تزال التواتارا تحير العلماء: فهي تشبه السحلية، ولكنها ليست سحلية في الواقع. تنتمي السحالي إلى رتبة من الزواحف تُدعى "الحرشفيات" (Sqamates)، والتي تضم أيضاً الثعابين والديدان.
يقول أمين المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي وخبير الديناصورات، ماثيو كارانو، في بيان صحفي: «تكمن أهمية التواتارا في أنها تمثل مسيرة تطورية هائلة كنا محظوظين للغاية لنشهد ما يُحتمل أن يكون نهايتها». ويضيف كارانو أنه على الرغم من أنها تبدو وكأنها سحلية بسيطة نسبياً، فإنها تجسد ملحمة تطورية كاملة تمتد إلى أكثر من 200 مليون سنة.
تم العثور على هيكل عظمي كامل ومحفوظ جيداً من نوع أوبيسياميموز جريجوري في تكوين موريسون (سلسلة مميزة من صخور الجوراسي العليا الرسوبية الموجودة في غرب الولايات المتحدة) شمال ولاية وايومنغ بالقرب من عشّ لديناصور ألوصوروس. عاشت منقاريات الرأس في جميع أنحاء العالم خلال العصر الجوراسي، وتميزت بالعديد من الأشكال والأحجام، وشغل العديد منها أدواراً بيئية تراوحت من صيادي الأسماك المائية وحتى العواشب الضخمة. لا يزال من غير المفهوم لماذا اختفت معظم منقاريات الرأس في حين ازدهرت الثعابين والسحالي لتصبح الزواحف الأكثر شيوعاً وتنوعاً في جميع أنحاء العالم.
قد تُلقي المزيد من الدراسات حول هذه العينات الضوء على سبب بقاء التواتارا النيوزيلندية حتى الآن. يقول كارانو: «ربما يعود سبب انقراض منقاريات الرأس جزئياً إلى المنافسة مع السحالي، وربما إلى التغيرات العالمية في المناخ وتغير الموائل. من المدهش إفساح مجموعة مهيمنة من الحيوانات المجال لمجموعة أخرى لتتطور مع مرور الوقت. نحتاج إلى مزيد من الأدلة لتفسير ما حدث بالضبط، لكن الحفريات مثل هذه ستساعدنا على فك هذا اللغز».
اقرأ أيضاً: حفريات جديدة قد تكشف لغز اللحظات الأولى لانقراض الديناصورات
هذه العينة الأحفورية مكتملة تقريباً، ولا تفتقر إلا إلى الذيل وأجزاء من الأرجل الخلفية فقط. يقول كارانو: «في الواقع، من النادر العثور على عينة هيكل عظمي كاملة لمخلوقات صغيرة من عصور ما قبل التاريخ مثل هذه، لأن عظامها الهشة كانت لتتحطم إما قبل تحجرها أو عند بروزها من تكوين صخري متآكل في الوقت الحاضر». عادة ما يحدد علماء الأحافير العينات الأحفورية لمنقاريات الرأس من خلال شظايا صغيرة من فكوكها وأسنانها.
اعتمد الفريق على التصوير المقطعي المحوسب عالي الدقة لمسح العينة بشكلٍ شامل قدر الإمكان لإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد شبه كامل للحيوان، حيث كانت جمجمة الحيوان الجزء الأكثر أهمية في هذا النموذج.
يقول الباحث المساعد، ديفيد ديمار جونيور، في بيان صحفي: «تمنحنا مثل هذه العينة الكاملة إمكانات هائلة لإجراء مقارنات بالحفريات التي ستُجمع في المستقبل وتحديد أو إعادة تصنيف العينات الموجودة حالياً في المتحف. باستخدام النماذج ثلاثية الأبعاد التي لدينا، قد نتمكن أيضاً في مرحلة ما من إجراء دراسات تنطوي على استخدام البرامج الحاسوبية للنظر في آليات فك هذا المخلوق».