عندما يخضع المريض لعملية زرع أعضاء فإن الجهاز المناعي غالباً ما يتعامل مع العضو المزروع على أنه "غريب"، فيسخّر خطوط الدفاع المناعية بخلاياها اللمفاوية التائية والبائية وبأجسامها المضادة لمهاجمة هذا العضو الغريب وإتلافه، الأمر الذي يؤثر سلباً على حيوية العضو المزروع ويقلل من فترة حياته، وهذا ما يُعرف بـ "رفض الأعضاء". ولذلك تتطلب عملية زراعة الأعضاء دوماً أخذ علاجات طويلة الأمد من الأدوية المثبطة للمناعة تجنباً لإتلاف العضو المزروع برد الفعل المُفرط للجهاز المناعي.
كانت الأدوية المثبطة للمناعة، وما زالت، حجراً أساسياً في كل عملية زرع أعضاء. وعلى الرغم من سمية استخدام هذه العقاقير على المدى الطويل وخاصة للكليتين، إلّا أنها تؤمن صيانة حيوية العضو الجديد لفترات قد تصل إلى 15 عاماً، وبهذا كانت ضرورة لا بد منها، إلى أن توصل الطب الحديث بمحض الصدفة إلى طرق أخرى تحقق نفس الهدف.
اقرأ أيضاً: من الكلى إلى القلب: هذا ما يجب أن تعرفه عن زراعة الأعضاء
عملية زراعة قلب الأولى من نوعها
ما حدث مع "إيستون سينامون"، وهو أول شخص يتلقى عملية مركبة لزراعة القلب إضافةً إلى زرع أنسجة من الغدة التيموسية لنفس المتبرع، فتح باباً جديداً للعلماء لإعادة صياغة تدبير مرضى زراعة الأعضاء.
تم إجراء هذا العمل الجراحي الذي شكل علامة فارقة في زراعة القلب في مستشفى جامعة ديوك الأميركية بعد الموافقة عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء، حيث وُلد إيستون بعيب خلقي في القلب وخضع لعملية قلب مفتوح بعمر 5 أيام، لكن الجراحة لم تكن كافية لإصلاح المشكلة، وقرر أطباء إيستون في مستشفى ديوك بأنه سيحتاج إلى عملية زرع قلب للبقاء على قيد الحياة.
إضافةً إلى ذلك، كان إيستون يعاني من مرض في الغدة التيموسية إذ لم يستطع جسمه محاربة الإنتانات المتكررة، الأمر الذي تطلب زرع أنسجة تيموسية سليمة للتغلب على هذه الإنتانات وذلك في الوقت الذي كان فيه الباحثون في ديوك يدرسون زرع القلب والغدة التيموسية في نماذج حيوانية. وبموافقة خاصة من "إدارة الغذاء والدواء" أجرى أطباء إيستون ذو الـ 6 أشهر عملية زرع القلب، تلاه زرع أنسجة الغدة التيموسية من نفس المتبرع بعد أسبوعين من العمل الجراحي.
اقرأ أيضاً: كيف يعمل نظام زرع الأعضاء في ظل قواعد قوائم الانتظار المعقدة؟
الأنسجة التيموسية تُحدث نقلةً نوعية
كان الهدف من نقل الأنسجة التيموسية تعزيز قبول جسم الطفل للقلب الجديد والتعامل معه كجزء منه بدلاً عن كونه عضواً غريباً. ونظراً لدور الغدة التيموسية المهم في توجيه وظيفة الجهاز المناعي في التعرّف على الخلايا والأنسجة الخاصة به مقابل الخلايا والأنسجة الغريبة، ألغى زرع الخلايا التيموسية الحاجة إلى الاستخدام طويل الأمد للأدوية المثبطة للمناعة، إذ حققت حالة من الهوادة في الجهاز المناعي وحدّت من رفض الجسم للعضو الجديد. وبعد 172 يوماً من عملية الزرع، أظهرت نتائج الاختبارات أن أنسجة الغدة التيموسية تعمل على إنتاج الخلايا المناعية التائية في جسم إيستون، وفقاً لجامعة ديوك.
لم يكن أطباء إيستون قادرين على إيقاف الأدوية المثبطة للجهاز المناعي خوفاً من حدوث رفض حاد للعضو المزروع، وكانت الخطة التقليل التدريجي من أدوية إيستون المناعية لمعرفة ما إذا كان جسمه يتعامل مع العضو الجديد على أنه غريب أو "ذاتي".
قال "جوزيف توريك"، طبيب ورئيس قسم جراحة قلب الأطفال في ديوك وعضو في الفريق الجراحي: "لهذا القدرة على تغيير وجه زراعة الأعضاء في المستقبل، إذ يمكن أن تغير الطريقة التي تتم بها عمليات الزرع بشكل جذري".
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين التخدير العام والتخدير الموضعي؟ إليك ما يجب أن تعرفه لتختار الأفضل لك
الحاجة إلى مزيد من الدراسات لحالات تكون بها الغدة التيموسية سليمة
ومع ذلك، هناك تحديات إضافية في تطبيق هذه التقنية على الأشخاص الذين يمتلكون غدة تيموسية سليمة، حيث قال توريك: "المسألة الرئيسية هي أنه علينا محاولة معرفة كيفية القيام بذلك في مريض لديه جهاز مناعي كفؤ للغاية، أي أن وجود غدة تيموسية سليمة تتنافس مع أنسجة الغدة التيموسية المزروعة قد يُشكل عقبة".
أكمل إيستون ربيعه الأول وهو بكامل صحته الآن، إذ يعمل قلبه بشكلٍ جيد كما أنه غدته التيموسية تؤدي واجبها المناعي. أحدث هذا الإجراء الرائد لإنقاذ حياته ثورة في مجال زراعة الأعضاء، إلّا أن هناك حاجة للمزيد من البحث لمعرفة ما إذا كانت عملية الزرع هذه تسمح لإيستون بالعيش بدون عقاقير مثبطة للمناعة مدى الحياة، حيث قال توريك: "إذا ثبت نجاح هذا النهج، فمن المحتمل أن يطبق على زرع جميع الأعضاء في المستقبل".