يضطر رواد الفضاء لخوض مغامرات في الفضاء الخارجي، ما يجعلهم دائماً معرضين للخطر، وتسعى الوكالات الفضائية في جميع أنحاء العالم إلى تعزيز رواد الفضاء بالمؤن اللازمة والكافية أثناء الفترة التي يقضونها في الفضاء من أجل التغذية والحفاظ على صحتهم خلال فترة وجودهم في الفضاء. قد يحتاج رواد الفضاء إلى أدوية كثيرة أثناء فترة وجودهم خارج الغلاف الجوي. ويضطرون إلى حملها من الأرض في كثير من الأحيان. لكن قد تنفذ الأدوية التي لديهم، وفي هذه الحالة، يضطرون للبحث عن بدائل.
وفي هذا الصدد، عملت مجموعة بحثية بقيادة "كيفين ييتس" على زراعة خس مُعدل وراثياً، ينتج بروتيناً مهماً يُستَخدم في علاج هشاشة العظام التي يعاني منها كثير من رواد الفضاء، نتيجة ظروف العيش في بيئة الفضاء ذات الجاذبية الضعيفة لفترة طويلة. عُرض البحث لأول مرة في يوم الثلاثاء 22 مارس/آذار 2022 على الجمعية الكيميائية الأميركية، وقد أُجري بإشراف من "مركز استخدام الهندسة الحيوية في الفضاء" (CUBES)، الذي يهتم بدراسة النباتات والميكروبات وتسخيرها لتكون ملائمة لاحتياجات رواد الفضاء أثناء رحلات استكشاف الفضاء.
استخلاص الأدوية من النباتات المُعدلة وراثياً
عادةً ما تكون عملية تصنيع الأدوية معقدة ومكلفة. لذلك، يلجأ رواد الفضاء إلى حمل الأدوية جاهزة من الأرض، وتكمن المشكلة الكبرى في حالة نفاد الكمية المتاحة من الأدوية في الفضاء. كانت هناك مقترحات أخرى، من ضمنها استخدام مفاعل حيوي، وهو جهاز يُوفر بيئة صالحة لتغذية الكائنات الحية مثل الميكروبات، ما يساعدها في إفراز المنتجات الثانوية مثل المضادات الحيوية والبروتينات الأخرى المفيدة في المركبات الفضائية، لكن تتطلب هذه المفاعلات الحيوية ظروفاً خاصة، حتى تستطيع العمل جيداً، كما يصعب صيانتها إذا حصل أي ضرر. ولحل هذه الأزمة، عمل الدكتور كيفين وزملاؤه على تعديل النبات وراثياً، حتى يستطيع إنتاج الأدوية بسهولة، دون الحاجة إلى عمليات تصنيع معقدة أو استخدام مفاعلات حيوية يصعب التعامل معها.
اقرأ أيضاً: ما هي رائحة الفضاء؟
لماذا الخس هو النبات الأكثر مثالية؟
يُعد الخس واحداً من النباتات الأكثر نجاحاً في تغذية رواد الفضاء، فقد استطاع الباحثون إنماءه في محطة الفضاء الدولية. من ناحية أخرى، لاستخدام الخس في إنتاج الأدوية مميزات متعددة من ضمنها:
- تقليل التكلفة: فالخس نبات لا يحتاج إلى تكلفة عالية عند زراعته.
- تجنب الإشعاعات: قد تتحلل المستحضرات الصيدلانية في الفضاء الخارجي وتنطلق الإشعاعات الضارة، ومن الممكن ألا يعمل الدواء مرة أخرى.
هرمون الغدة جارة الدرقية
يُفرز الجسم البشري هرمون الغدة جارة الدرقية (PTH)، وهو يُستخدم في تحفيز نمو العظام، ما يحمي الجسم من هشاشة العظام. وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) على دواء "فورتيو" (Forteo)، وهو بديل اصطناعي لهرمون الغدة جارة الدرقية. وينتج الخس بروتيناً يشبه الفورتيو.
عمل الدكتور كيفين على إنبات سلالات مختلفة من نبات الخس للوصول إلى السلالة التي تنتج أكبر كمية من البروتين، ويمكن الحصول عليه بسهولة عند طحن النبات جيداً والخروج بالقدر الكافي من الدواء. ويتميز هذا المنتج بأنه سهل الامتصاص.
اقرأ أيضاً: تعرف على الأدوية التي لا يمكنك تناولها على متن محطة الفضاء الدولية
لماذا يحتاج رواد الفضاء إلى هرمون الغدة جارة الدرقية؟
في رحلات الفضاء الخارجي، تتعرض أجسام رواد الفضاء إلى جاذبية صغيرة، ما يؤثر على عملية نمو العظام وإعادة بنائها في أجسامهم. ويحصل ذلك كثيراً للبالغين في منتصف العمر. وفي هذه الحالات، يلجأ رواد الفضاء إلى تناول الفيتامينات والمكملات الغذائية، ما يبطئ هذا التدهور في صحة العظام، لكن هرمون الغدة جار الدرقية، يساعد في إعادة بناء العظام بوتيرة أسرع.
ويرى مؤلفو الدراسة أنّ هذه التقنية ستكون مفيدة أيضاً عند تطبيقها على الأرض، وستُساعد في خفض تكلفة صناعة الأدوية، ما يعود بالنفع على سكان البلدان الفقيرة.