تقنية كريسبر للتعديل الجيني تنجح في تخفيض مستويات بروتينات شاذة مسببة للأمراض في الدم

3 دقائق
تقنية كريسبر تنجح في تخفيض مستويات البروتينات المرضية المسببة للداء النشواني
حقوق الصورة: شترستوك.

تتيح تقنية كريسبر للباحثين تحرير الجينوم من قالبه وتعديله وتغيير تسلسل أحماضه النووية، ما يسمح بتعديل وظيفة الجين. 

 ما هي تقنية كريسبر؟

قد يبدو هذا المصطلح مخيفاً للوهلة الأولى وقد يطرح بعض المعضلات الأخلاقية، إلا أنه يشكل محطة مفصلية في العلوم الجينية، إذ له العديد من التطبيقات بما في ذلك تصحيح العيوب الوراثية العائلية، وعلاج الأمراض الوراثية وذلك للحد من انتشارها، ما يؤثر إيجاباً على إخماد الجينات المرضية وتثبيطها.

تم استلهام فكرة التعديل الجيني وتقنية كريسبر من آليات الدفاع الطبيعية التي تقاوم بها البكتيريا والخلايا البسيطة أحادية الخلية العوامل الممرضة، حيث تستخدم هذه الخلايا الحمض النووي الريبي المرسال "رنا" (RNA) بالإضافة إلى طيف متنوع من البروتينات الإنزيمية لإحباط هجمات الفيروسات، من خلال العمل على قطع الحمض النووي للعامل الممرض وتفكيكه إلى أجزاء غير فعالة. وبعد ذلك، تقوم كريات الدم البيضاء بتخزين أجزاء من العامل الممرض في الذاكرة الخاصة بها، لكي تتعرف على الفيروس وتهاجمه عند مواجهته مجدداً.

إن تطبيقات تقنية كريسبر لا تتوقف عند تعديل الجينات الحاملة للأمراض الوراثية فقط، حيث نجحت تجربة سريرية مؤخراً بتخفيض مستويات البروتينات الشاذة بشكل كبير باستخدام هذه التقنية، وقد استمرت التجربة فترة بين 6 أشهر وحتى السنة، إذ نجح الباحث مايكل ميتلاند، أخصائي في علم الأورام في جامعة شيكاغو الأميركية، في تعطيل أحد الجينات لدى المرضى عن طريق استخدام تقنية كريسبر، وتم تخليص دم المرضى من أحد البروتينات الشاذة في مرحلة علاجية أولى استمرت حتى ستة أشهر.

اقرأ أيضاً: لأول مرة استخدام كريسبر لتحرير الجينات في علاج مرضٍ وراثي 

الدراسة السريرية تستهدف الداء النشواني

استهدف هذا العلاج الداء النشواني، وهو مرض يهدد الحياة يتميز بالتراكم التدريجي لبروتين الترانستريتين المرضي في الأنسجة الحية كالأعصاب والخلايا القلبية. تدفع الطفرة المسببة لهذا الداء الكبد إلى إنتاج نسخ غير مطوية من بروتين "الترانستريتين"، والذي بدوره يرتبط مع ألياف المادة النشوانية مشكليَن بذلك معقداً غير قابل للذوبان لا يستطيع الجسم إزالته، ما يتسبب بتراكمه في القلب والعضلات والأعضاء الداخلية والأعصاب، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الوظيفة الطبيعية لهذه الأعضاء.

سمُي العامل العلاجي المُستخدم لتحرير الجينات في الجسم الحي والمصمم لعلاج الداء النشواني بـ "NTLA-2001"، وكان الهدف هو تقليل تركيز الترانستريتين في المصل، بالاعتماد على إعطاء جرعات متباعدة من النيكليوتيد (كريسبر-كاس 9) بشكل منتظم.

بدأت الدراسة بدعم من شركتي الأدوية "إنتيلا" و"ريجينيرون"، وحقن 15 مريضاً ببروتين (كريسبر-كاس 9) بعد تغليفه بغلاف دهني. كان تواتر الحقن مرة كل ثلاثة أسابيع، واحتوى بروتين (كريسبر-كاس 9) على تعليمات وراثية لإزالة جين بروتين الترانستريتين المختل وظيفياً من الخلايا، كما احتوى البروتين على حمض نووي ريبي مرسال "RNA" مختص بالتعرف على الجين المرضي واستهدافه بشكل نوعي. 

وبعد أن يقطع بروتين (كريسبر-كاس 9) جزء الحمض النووي الذي يشفر البروتين المرضي، يقوم نظام مختص بإصلاح الجينات بإعادة ربط طرفي الحمض النووي معاً مرة أخرى، ولكن عملية الربط هذه تكون غير تامة ما يؤدي إلى تعطيل الجين بشكل تام.

أفادت شركتي الأدوية أن مستويات بروتين الترانستريتين في الدم كانت قد انخفضت بشكل كبير عند 6 مرضى بعد شهر واحد من الحقن، ولكن مع ذلك، لم يكن هناك أي تحسن موثق في أعراض المرضى، أي أن التحسن اقتصر على كونه مخبرياً وليس سريرياً.

اقرأ أيضاً: هل يتمكن التعديل الجيني بواسطة كريسبر من علاج العمى الوراثي؟ 

كيف تُفسر نتائج التجربة السريرية تباين انخفاض مستويات بروتين الترانستريتين؟

أضاف الباحثون 9 مشاركين آخرين إلى تجاربهم السريرية، وتمت دراسة تطبيق مستويات مختلفة من العلاج لديهم، حيث تباينت تراكيز العلاج من جرعة إلى أربع جرعات وبناء على ذلك تباينت النتائج. أفاد الباحثون بأن مستوى بروتين الترانستريتين عند المرضى الذين تلقوا جرعة وحيدة من العلاج كانت قد انخفضت بنسبة 7 حتى 52%، وبالمقابل، شهدت مستويات البروتين انخفاضاً بنسبة 93% عند تلقي الجرعة القصوى من العلاج.

بقيت نتائج المرضى مستقرة لمدة 6 أشهر تقريباً، حيث أفاد الباحثون أن المرضى الذين تلقوا أقل جرعة قد شهدوا في البداية انخفاضاً بنسبة 52% لكن هذا الرقم انخفض إلى 41% بعد عام من العلاج، الأمر الذي دعا إلى البحث في طريقة للحفاظ على ثبوتية التراكيز ما بعد العلاج. فنظراً لأنه يتم استبدال خلايا الكبد كل 200 إلى 300 يوماً، يبقى هناك احتمال أن تبدأ أكباد المرضى في إنتاج بروتين الترانستريتين المرضي مرّة أخرى. 

اقرأ أيضاً: كريسبر المُصغر: تطوير أداة هندسة الجينوم للوصول إلى علاجات جينية ثورية

ومن زاوية أخرى، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن عدم وجود أي آثار جانبية خطيرة مع أي من الجرعات ليس بكافٍ للإقرار بسلامة الدواء، وهناك حاجة إلى مزيد من البيانات لدراسة آثار العلاج على المدى الطويل، والحرص على عدم وجود أي خلل قد يتسبب بإحداث تلف للأحماض النووية الطبيعية لجسم الإنسان.

قال "تيرينس فلوت"، باحث في العلاج الجيني من كلية الطب بجامعة ماساتشوستس: "إنه أمر رائع حقاً أن تكون جهود التعديل الجيني الأولى المعتمدة على تقنية كريسبر ناجحة للغاية، وإن هذا النجاح الأولي سيوفر إمكانات هائلة لتقوية ودعم هذه التجربة السريرية".

المحتوى محمي