نجاح فريق في زراعة وجه وعين كاملة يبدأ حقبة جديدة في زراعة الأعضاء

5 دقيقة
نجاح فريق في زراعة وجه وعين كاملة يبدأ حقبة جديدة في زراعة الأعضاء
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: إيناس غانم.

ملخص: في يونيو/حزيران 2021، تعرض آرون جيمس لصدمة كهربائية شديدة تسببت في فقدان أجزاء كبيرة من وجهه وعينه اليسرى وذراعه. في مايو/أيار 2023، أجرى فريق جراحي في جامعة نيويورك أول عملية زرع نصف وجه وعين كاملة في العالم، باستخدام تقنيات مبتكرة للحفاظ على تدفق الدم إلى العين المزروعة. يفتح نجاح هذه العملية آفاقاً جديدة في مجال زراعة الأنسجة المعقدة، بما في ذلك تطوير أدوية مثبطة للمناعة، وتحسين تقنيات توصيل الأعصاب، وتطوير زراعة الأعضاء الترميمية باستخدام الخلايا الجذعية والطباعة الحيوية. على الرغم من التحديات الأخلاقية والقانونية المتعلقة بتحديد الأولويات وحقوق المتبرعين والهوية الشخصية، يُمهد هذا الإنجاز الطريق لعلاج الحالات المعقدة وتحسين حياة المرضى.

تخيل عالَماً يمكن فيه إعادة بناء الوجوه والأعضاء المفقودة، ليس في أفلام الخيال العلمي، بل في الواقع! ففي يونيو/حزيران 2021، تعرض آرون جيمس من هوت سبرينجز في ولاية أركنساس الأميركية، إلى صدمة كهربائية قاتلة بقوة 7200 فولط في أثناء عمله فنيَّ خطوط جهد عالٍ، عندما لمس وجهه دون قصد سلكاً كهربائياً نشطاً.

وعلى الرغم من خضوعه لعدة عمليات جراحية ترميمية، فإنه عانى إصابات بالغة أدت إلى فقدان عينه اليسرى، وذراعه اليسرى بالكامل من فوق الكوع، بالإضافة إلى فقدان أنفه، وشفتيه، وأسنانه الأمامية، وجزء كبير من الجانب الأيسر من وجهه، وصولاً إلى عظمة الذقن.

لكن في مايو/أيار عام 2023، نجح فريق جراحي بمركز لانغون الصحي بجامعة نيويورك (NYU Langone Health) في إجراء أول عملية زرع نصف الوجه وعين كاملة في العالم. وبعد أكثر من عام على إجراء هذه العملية قدم أحد الجراحين المشاركين في العملية، بروس غيلب (Bruce Gelb)، شرحاً مفصلاً لهذه العملية في المؤتمر السريري للكلية الأميركية للجراحين (American College of Surgeons) في سان فرانسيسكو بتاريخ 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

فما الذي يعنيه هذا النجاح للمستقبل الطبي؟ وكيف يمكن أن يؤثر في آفاق زراعة الأعضاء خلال السنوات القادمة؟

اقرأ أيضاً: فريق طبي سعودي ينجح في فصل توأم سيامي بعملية معقدة

نجاح مهم في زراعة الأنسجة المعقدة

لا تعد زراعة الوجه مفهوماً جديداً في الطب، حيث أجريت أول عملية زراعة جزئية للوجه عام 2005 في فرنسا، ومنذ ذلك الحين، شهد هذا المجال تطورات كبيرة؛ إلا أن زراعة جزء كبير من الوجه، وبالأخص مع زراعة عين كاملة، تعد تحدياً علمياً وتقنياً هائلاً. تطلّب التغلب على هذا التحدي تضافر الجهود بين الجراحين والمتخصصين في زراعة الأعضاء، بالإضافة إلى تطوير فرق من العلماء تقنيات جديدة للتأكد من توافق الأعضاء المزروعة مع جسم المريض.

حيث شارك في نجاح العملية، التي استمرت نحو 21 ساعة، فريق متعدد التخصصات ضم أكثر من 140 خبيراً طبياً، تحت قيادة مدير برنامج زرع الوجه ورئيس قسم جراحة التجميل في مركز لانغون الصحي بجامعة نيويورك، إدواردو رودريغيز (Eduardo D. Rodriguez).

يثبت هذا الإنجاز إمكانية زرع عين كاملة مع الوجه، ويمثل تقدماً مهماً في مجال زراعة الأوعية الدموية المركبة (Vascularized Composite Allotransplantation) (VCA). وتعد هذه العمليات معقدة للغاية، إذ تتطلب زرع مجموعة متكاملة من الأنسجة المختلفة مثل الجلد، والعضلات، والأوعية الدموية، والأعصاب، وأحياناً العظام على أنها وحدة واحدة، على عكس زراعة أعضاء مثل الكلى أو القلب، التي تنطوي على نوع واحد من الأنسجة.

اقرأ أيضاً: نجاح تغيير فصيلة دم الكلى المتبرَّع بها يفتح آفاقاً جديدة في زراعة الأعضاء

تقنية جديدة للتغلب على أحد أكبر التحديات في زراعة العين

أكد الفريق الجراحي أن الحفاظ على حيوية العين المزروعة كان هدفهم الرئيسي وليس استعادة البصر، لذا؛ طوروا طرقاً جراحية مخصصة للحفاظ على سلامة هياكل العين والأنسجة المحيطة والعين المزروعة كذلك.

وعلى الرغم من عدم تمكن المريض من الرؤية بسبب الضرر البالغ الذي لحق بالعصب البصري الذي يربط العين بالمخ، تمكن الأطباء من الحفاظ على تدفق دم منتظم وقوي إلى العين المزروعة عن طريق تطوير تقنية لتحويل مسار الأوعية الدموية الدقيقة.

اعتمدت هذه التقنية على استخدام الأوعية الدموية المجاورة، تحديداً الشريان والوريد الصدغي السطحي، حيث أعاد الفريق توجيههما للاتصال بالشريان والوريد الخاصين بالعين المزروعة. أسهم هذا النهج في تقليل نقص التروية الشبكية، أو انخفاض تدفق الدم، مع استعادة تدفق الدم إلى الوجه والعين في وقت أقل.

يشير استشاري طب العيون، عوض القرني، إلى أن هذه العملية قد تعد خطوة للأمام لمن فقد النظر. ويوضح أن القرنية هي الجزء الوحيد بالعين القابل للزراعة من شخص إلى آخر بنسب نجاح عالية وفعالة للنظر حتى الآن. لذلك؛ يأمل بإجراء مزيد من الأبحاث في السنوات القادمة.

اقرأ أيضاً: إنجاز نوعي قد يلغي استخدام الأدوية المثبطة للمناعة بعد زرع الأعضاء

آفاق مستقبلية للتغلب على تحديات زراعة الأعضاء

يفتح نجاح هذه العملية آفاقاً واعدة أمام المستقبل الطبي لمواجهة العديد من التحديات عند زراعة الأعضاء المعقدة، وخاصة تلك التي تتطلب الدمج بين نسيج الوجه والعين، من بينها:

  • تطوير أدوية مثبطة للمناعة أكثر فاعلية: حيث يميل جسم الإنسان إلى رفض الأعضاء المزروعة باعتبارها أجساماً غريبة. لذا؛ يشجع نجاح العملية تطوير أدوية مثبطة للمناعة أكثر فاعلية دون إحداث أضرار جانبية كبيرة.
  • تقنيات متطورة في توصيل الأعصاب: بعد نجاح التقنية التي طورها الفريق الطبي لإعادة توصيل الأعصاب بطريقة صحيحة، يمكن تطوير تقنيات مماثلة للتغلب على تحدي توصيل الأعصاب بدقة متناهية لضمان عودة القدرة الحركية والحسية.
  • ضمان تدفق الدم باستمرار: تطوير تقنيات أكثر فاعلية لتقليل انخفاض تدفق الدم في أثناء عملية زرع الأعضاء، وضمان تدفق الدم باستمرار في الأنسجة المزروعة، من أجل تجنب موت الخلايا أو فشل العضو المزروع.
  • تطوير زراعة الأعضاء الترميمية: أصبح بالإمكان تصور عمليات زراعة ترميمية أكثر تعقيداً تشمل أعضاء أخرى مثل الأذنين أو الأحبال الصوتية أو حتى أعضاء داخلية مثل الرئة والكبد. يمكن أن تصبح هذه التقنيات محورية في علاج المرضى الذين يعانون حروقاً شديدة أو إصابات نتيجة حوادث.
  • تقدم أبحاث الخلايا الجذعية والهندسة الحيوية: يمكن أن تصبح إعادة بناء الأعضاء البشرية باستخدام الخلايا الجذعية أو الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد ممكنة أكثر مع تقدم تقنيات زراعة الأعضاء. حيث يشجع هذا الإنجاز الطبي على إجراء مزيد من الأبحاث المتعلقة بزراعة الأعضاء المصنعة بالكامل من خلايا المريض نفسه؛ ما يقلل خطر الرفض المناعي.
  • تشجيع مزيد من التعاون الدولي: يتطلب إجراء مثل هذه العمليات المعقدة فرقاً متعددة التخصصات من مختلف أنحاء العالم. يسلط نجاح هذه العملية الضوء على أهمية التعاون الدولي في مجال الأبحاث الطبية والجراحات المتقدمة. ويمكن أن تشجع هذه التجربة على تطوير مزيد من العلاقات والتشبيك بين مختلف التخصصات الطبية؛ ما يسهم في تبادل المعرفة والخبرات.
  • تقليل التكلفة وزيادة الإتاحة: على الرغم من الإنجاز الطبي الهائل، تظل تكلفة مثل هذه العمليات عائقاً أمام انتشارها على نطاق واسع. حيث تتطلب زراعة الوجه والعين تجهيزات طبية متقدمة، وفرقاً جراحية عالية التخصص؛ ما يصعّب توفرها في كل المراكز الطبية حول العالم. بالإضافة إلى ذلك، تعد تكلفة الأدوية المثبطة للمناعة والعناية بعد العملية مرتفعة جداً غالباً. ومع ذلك، قد نشهد انخفاضاً في التكلفة على المدى الطويل، مع تقدم التكنولوجيا وازدياد الخبرة، ما سيمكّن المزيد من المرضى حول العالم من الاستفادة من هذه الإجراءات، خصوصاً إذا توفر دعم حكومي أو مؤسساتي لتقليل التكاليف على المرضى.
  • تحسين حياة المرضى: لا شك في أن نجاح مثل هذه العمليات يقلل الأثر النفسي والجسدي السلبي لدى المرضى الذين يعانون تشوهات خارجية وإعاقات؛ فالقدرة على استعادة ملامح الوجه الوظيفية والشكلية أو استعادة الرؤية قد تغيّر حياتهم وتعيد لهم الثقة في النفس.

اقرأ أيضاً:محمد بن راشد يدشن مركزاً طبياً لنقل وزراعة الأعضاء البشرية

التحديات الأخلاقية والقانونية

مثلما هو الحال مع أي تقنية طبية جديدة، تبرز تحديات أخلاقية وقانونية مرتبطة بزراعة الأعضاء؛ من أبرزها:

  • تحديد الأولويات: يبقى الحصول على المتبرعين بالأعضاء تحدياً كبيراً، خاصة في الحالات التي تتطلب وجهاً كاملاً وعيناً. إذ تُثار تساؤلات حول كيفية تحديد الأولويات في توزيع الأعضاء النادرة، والأشخاص المؤهلين للحصول على عملية الزراعة.
  • حقوق المتبرعين: يجب أن تضمن القوانين حماية حقوق المتبرعين وأسرهم، والتأكد من أن التبرع يجري بشفافية وبموافقة كاملة.
  • الهوية الشخصية: تُطرح تساؤلات عديدة حول تأثير زراعة الوجه في الهوية الشخصية، خاصة في الحالات التي يجري فيها زراعة وجه كامل، إذ كيف يمكن للمريض التعامل مع هويته الجديدة؟ وكيف يمكن للمجتمع تقبل هذه التغييرات؟

ومع ذلك، يعد نجاح عملية زراعة وجه وعين كاملة بداية حقبة جديدة في مجال زراعة الأعضاء، وإنجازاً تاريخياً يفتح آفاقاً جديدة لعلاج المرضى وتحسين جودة حياتهم. وعلى الرغم من التحديات الطبية والاقتصادية والأخلاقية، تُظهر هذه التطورات ما يمكن تحقيقه عندما تتضافر جهود العلماء التي تمثل خلاصة ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا.

المحتوى محمي