يختلف الخبراء حول مدى السرعة التي تستطيع بها الولايات المتحدة استبدال محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز؛ بمحطات الكهرباء التي لا تسبب انبعاثات الكربون. يقول البعض أنه يمكننا التحول إلى الطاقة النظيفة بنسبة 100% بحلول عام 2050 مع القليل من المشاكل وبتكلفة أقل، بينما يقول البعض الآخر أن هذه التوقعات متفائلة جداً وغير واقعية. ولكن الجانبين يتفقان على إمكانية الانتقال إلى الطاقة النظيفة بنسبة 80 - 90%، بينما يتركّز الجدل على نسبة 10 - 20% الباقية.
حاول الباحثون الالتفاف حول هذه النقطة الشائكة في تحليل جديد صدر من جامعة كاليفورنيا في بيركلي. فبدلاً من السؤال حول «الكم»، طرحوا تساؤلاً آخر حول «مدى السرعة» التي يمكننا الانتقال بها إلى الطاقة النظيفة، وعلى وجه الدقة، السرعة التي يمكننا أن ننتقل الوصول بها إلى 90% من الطاقة الخالية من الكربون باستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والكهرومائية والطاقة النووية دون أي تكلفةٍ إضافية على المستهلكين. كانت الإجابة أنه يمكننا ذلك بحلول عام 2035، وذلك بفضل الانخفاض السريع بتكلفة توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية، وبطاريات تخزين الطاقة.
يقول «ريك أوكونيل»، المدير التنفيذي لشركة «جريدلاب»، وهي شركة استشارات وخدمات الطاقة النظيفة، والمؤلف المشارك في كتابة التقرير: «إننا مشغولون إلى حدٍ كبير في الجدل الدائر حول نسبة 10% الأخيرة، ولا نفكّر كثيراً في الـ 90% الأولى والتي يمكننا إنجازها، لذلك دعونا نركّز عليها أولاً».
عندما تبني المرافق العامة محطة طاقة جديدة، فإنهم يحملون التكلفة على دافعي الضرائب. بحلول عام 2035، سيكون دافعو الضرائب قد سددوا ثمن معظم محطات الطاقة التي تعمل بالغاز أو الفحم التي تعمل اليوم، مما يعني أن المستهلكين لن يخسروا إذا أغلقت المرافق تلك المحطات في وقت مبكر، وهذا ما قصده الباحثون بعبارة «بدون تكلفة إضافية». أي عملياً، سيموّل دافعو الضرائب محطات الطاقة الجديدة الخالية من الكربون تحديداً بعد أن يكونوا قد سددوا ثمن محطات الطاقة القديمة.
إن خفض نسب التلوث سيساعد الناس على التنفس بشكلٍ أسهل، ويقلل تكاليف الرعاية الصحية، ويجعل الانتقال من الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري أقلّ تكلفة بشكلٍ عام.
اقرأ أيضا: 4 أسباب تجعل الحفاظ على البيئة أهم أهدافنا
يقول المؤلفون أنه من خلال تجهيز المحطات الجديدة بمعدات توليد الطاقة بالرياح والطاقة الشمسية والبطاريات، يمكننا وقف كل المنشآت تعمل بالفحم، بالإضافة إلى عددٍ من المحطات العاملة بالغاز. سنستخدم المرافق المتبقية لتوليد الكهرباء عند الحاجة. لن يمثل الوقود الأحفوري سوى 10% من إمدادات الطاقة، في حين أن الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية، واللتان لا تنتجان أي انبعاثاتٍ للكربون، ستشكل حوالي 20%. ستأتي نسبة 70% المتبقية من الطاقة المتولدة عن الرياح والطاقة الشمسية المقترنة ببطاريات تخزين الطاقة. هذا يعني أن 90% من الكهرباء لدينا ستأتي من مصادر خالية من الكربون.
في الواقع، انخفضت تكلفة تجهيزات توليد الطاقة المتجددة بشكلٍ كبير على مدى العقد الماضي متجاوزة توقعات الخبراء باستمرار. فمن عام 2009 إلى 2019، وفقاً لتقديرات شركة «لازارد» للاستشارات المالية؛ فقد انخفضت تكلفة طاقة الرياح بنسبة 70%، بينما انخفضت تكلفة الطاقة الشمسية بشكلٍ كبير بما يقرب من 90%. ووفقاً لـ «بلومبيرج نيو إنيرجي فاينانس»، فقد انخفضت تكلفة البطاريات من عام 2010 إلى عام 2019 بنسبةٍ تقارب 90% أيضاً. إن انخفاض تكلفة البطاريات يغيّر قواعد اللعبة، لأن البطاريات يمكنها تخزين الطاقة عندما تكون السماء مظلمة، والريح خاملة.
يقول «أمول فادكي»، عالم أبحاث الطاقة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي والمؤلف الرئيسي للتقرير: «عادة ما يتم التقليل من شأن وتيرة التطور التكنولوجي. لقد كانت كل توقعاتي متحفّظة خلال مسيرتي المهنية». ويضيف: «لقد أصبح الخبراء أكثر تفاؤلاً حول مدى سرعة انخفاض التكاليف في السنوات القادمة».
يأخذ المؤلفون باعتبارهم أن الأميركيين يستخدمون السيارات الكهربائية العاملة بالبطاريات، الأمر الذي سيضع المزيد من الضغوط على الشبكة الكهربائية. لذلك يشددون على أن المرافق الجديدة العاملة على طاقة الرياح والطاقة الشمسية؛ ستلبي الطلب المتزايد على الكهرباء بنفس التكلفة السابقة مع منشآت الفحم أو الغاز.
اقرأ أيضا: الوجه الآخر لصناعة زيت النخيل: تاريخٌ من العبودية وأضرارٌ للبيئة
ومع ذلك، من غير المرجح أن يحدث أي من هذا دون مساعدة المشرّعين. فتكلفة الوقود الأحفوري بشكلٍ عام لا تأخذ في الاعتبار الأضرار التي تحدثها على صحة الإنسان إلى حدٍّ ما. لمراعاة هذه الحقيقة، والمساعدة في التغلب على هذه المشكلة في نظام الطاقة، يدعو الخبراء إلى اتخاذ العديد من الإجراءات السياسية المصاحبة، مثل وضع معيار وطني للطاقة النظيفة، وإعفاءات ضريبية على الطاقة المتجددة.
تستفيد الدراسة من أحدث النماذج من المختبر الوطني للطاقة المتجددة، ومن شركة تطوير البرمجيات «إنيرجي إكزامبلر» المتخصصة بتطوير برمجيات الطاقة. يرى تقرير الدراسة أن الانتقال إلى طاقة خالية من الكربون بنسبة 90% -وهو مسعى يتطلّب الكثير من العمالة- يمكن بالتالي أن يولّد أكثر من نصف مليون وظيفة سنوياً، وهو ما يقول المؤلفون إنه قد يساعد الولايات المتحدة على التغلب على الركود الاقتصادي الحالي.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون التحول إلى الطاقة النظيفة بمثابة خدمة جليلة للصحة العامة في وقت تكافح فيه البلاد مرضاً تنفسياً مميتاً. ويخلص التقرير إلى أن التحول إلى 90% من الطاقة النظيفة يمكن أن ينقذ ما يصل إلى 85000 شخص بحلول عام 2050، عن طريق تجنيب الأميركيين الملوثات السامة. ويثني الخبراء غير المشاركين في الدراسة على التقرير، بما في ذلك تركيزه على الفوائد التي تعود على الصحة العامة.
يقول «باتريك براون»، الباحث في مبادرة الطاقة التي تبناها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في رسالة بالبريد إلكتروني: «تقع التأثيرات المناخية والبيئية بشكلٍ غير متناسب على المجتمع الملونة، وذات الدخل المنخفض. من المهم دائماً أن نكون واضحين بشأن التكلفة البشرية لاستخدام الوقود الأحفوري عندما يتم تضمينها في مثل هذه النماذج، لذلك كنت سعيداً عندما رأيت هذه التكاليف مُدرجةً ضمن نماذج الدراسة».
بينما يعتقد «مارك جاكوبسون»، أستاذ الهندسة البيئية في جامعة ستانفورد، أن التقرير لم يكن طموحاً بما يكفي، حيث يقول: «أعتقد أن بإمكانهم تحقيق هدفهم، ولكني أعتقد أننا يمكن أن نذهب أبعد من ذلك». لقد خلص بحث جاكوبسون الخاص -والذي أثار جدلاً ونقاشاً كبيرين- أنه سيكون من الممكن تشغيل البلاد بالكامل باستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية والكهرومائية بحلول منتصف القرن.
يعتقد أوكونيل أنه يجب على الباحثين التركيز على الوصول إلى نسبة 90% من الطاقة النظيفة بدلاً من استمرار الجدل حول جدوى الوصول إلى 100%. في الواقع، لا يمكن للعلماء اليوم التنبؤ بمدى تكلفة التقنيات الجديدة بعد 15 عاماً من الآن، تماماً كما لم يكن العلماء قبل 20 عاماً يتوقعون كم ستكون طاقة الرياح والطاقة الشمسية رخيصة اليوم. وقد حدد أوكونيل العديد من العوامل التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها الوصول إلى طاقةٍ نظيفة بنسبة 100%، مثل استخدام الهيدروجين الأخضر، والجيل التالي من الطاقة النووية، والأجهزة المنزلية التي تتفاعل بذكاءٍ مع الشبكة الكهربائية. لكنه يقول إن التكنولوجيا تقدمت بالفعل إلى درجة تمكن الولايات المتحدة من إصلاح شبكة الكهرباء في الوقت الحالي.
يقول أوكونيل: «لقد كان التركيز كبيراً على موعد عام 2050. لماذا لا نلقي نظرة على ما يمكننا فعله في المدى القريب، لنقل خلال السنوات الـ 15 المقبلة».
اقرأ أيضا: الإمارات تبدأ في استخدام الكهرباء صديقة البيئة من محطات براكة النووية