كيف يمكن أن تساعد المغناطيسات في زيادة فاعلية تفاعلات الاندماج النووي؟

5 دقائق

بالنسبة للعلماء والحالمين على حد سواء، تجرى أكثر التجارب الواعدة في مجال الطاقة المتجددة في وادي في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية. 

تقع في هذا الوادي منشأة الإشعال الوطنية التابعة لمختبر لورنس ليفرمور الوطني في ولاية كاليفورنيا. وداخل هذه المنشأة، يعمل العلماء على إحداث تفاعلات الاندماج النووي، والتي تحدث داخل الشمس وتتسبب بتزويدها بالطاقة. في عام 2021، اقترب علماء هذه المنشأة أكثر من أي باحثين آخرين من تحقيق إنجاز كبير في مجال الاندماج النووي، وهو الحصول على كمية من الطاقة من تفاعل الاندماج أكثر من تلك المستهلكة في توليده.

لكن لسوء الحظ، لم يتمكن العلماء بعد من تحقيق هذا الهدف. وهي نتيجة مألوفة بالنسبة للمطلعين على موضوع الاندماج النووي. في الشهور التي تلت هذا الإنجاز، فشل علماء منشأة الإشعال الوطنية في تكرار تجربتهم. 

حل مشكلة تتعلق بالاندماج النووي

ولكنهم لم يستسلموا. نُشرت دراسة جديدة بتاريخ 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في مجلة فيزيكال ريفيو ليترز (Physics Review Letters) قد تساعد العلماء في حل مشكلة تتعلق بالاندماج النووي حيّرتهم لعقود من الزمن. تصف هذه الدراسة آلية تنطوي على استخدام تدفق حقل مغناطيسي شديد في تفاعلات الاندماج النووي. 

يهدف مجال توليد طاقة الاندماج النووي ببساطة إلى محاكاة ما يحدث في باطن الشمس. يمكننا من خلال دمج ذرات الهيدروجين معاً تركيب ذرات الهيليوم والحصول على كمية كبيرة من الطاقة. لكن تكمن المشكلة في أن دمج الذرات يتطلب درجات حرارة مرتفعة للغاية. ما يتطلب بدوره استهلاك كميات هائلة من الطاقة في المفاعلات النووية. 

اقرأ أيضاً: ما تبعات أزمة الطاقة الأوروبية على تجارب مصادم الهادرونات الكبير؟

قبل أن نتمكن من إنشاء مفاعل اندماج نووي مجدٍ، يجب علينا أن نولد كمية من الطاقة أكبر من تلك المستهلكة لتوليد التفاعل بطريقة ما. يدعو علماء الفيزياء المتخصصون بدراسة البلازما نقطة التحوّل هذه الإشعال، وهي تمثّل هدف تكنولوجيا الاندماج النووي الذي سعوا لتحقيقه طويلاً.

نقطة الإشعال: هدف تكنولوجيا الاندماج النووي

يستخدم علماء منشأة الإشعال الوطنية حاوية تتألف من أسطوانة مطلية بالذهب لا يتجاوز حجمها حجم ظفر الإنسان لإجراء تفاعلات الاندماج النووي. يطلق العلماء على هذه الأسطوانة اسم التجويف. وهي تحتوي على حبيبة بحجم حبة الفلفل من وقود الهيدروجين.

عند البدء بالتفاعل، يطلق العلماء أشعة الليزر المضبوطة بدقة على هذا التجويف لزيادة كمية الطاقة في الأسطوانة بما يكفي لتوليد الأشعة السينية فيها. يبلغ عدد أشعة [tooltip content="يعتبر الليزر من المكونات الأساسية للعديد من المنتجات التي نستخدمها كل يوم. تعتمد المنتجات الاستهلاكية مثل مشغلات (Blu-Ray وDVD) على تقنية الليزر لقراءة المعلومات من الأقراص، وكذلك ماسحات الباركود لمعالجة المعلومات، كما يستخدم الليزر في العديد من العمليات الجراحية مثل جراحة العيون الليزك." url="https://popsciarabia.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9/%d8%ab%d9%84%d8%a7%d8%ab%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%84%d9%8a%d8%b3%d8%b1%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%87%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%84%d8%a7%d8%ab%d9%8a%d8%a9/" ]الليزر[/tooltip] في تجارب منشأة الإشعال الوطنية 192 شعاعاً. تتفاعل الأشعة السينية مع حبيبة الهيدروجين، ما يتسبب بانضغاطها واهتزازها وتوليد انفجار يدمج ذرات الهيدروجين معاً. أو على الأقل، هذا ما يأمل علماء المنشأة أن يحققوه.

استخدام علماء المنشأة هذه الآلية لتحقيق النتائج الثورية في أواخر عام 2021. ما مكّنهم من توليد كمية من الطاقة تشكّل نسبة 70% من الطاقة المستهلكة في إجراء التفاعل، ما مثّل رقماً قاسياً في تلك الفترة. بالنسبة للفيزيائيين المتخصصين بالبلازما، مثّل هذا الإنجاز تنبيهاً مهماً. يقول الفيزيائي في معهد هيلمهولتز في مدينة جينا في ألمانيا، مات زيبف (Matt Zepf): "ولّد هذا الإنجاز حماساً جديداً في المجتمع العلمي". وبدأ العلماء في مجال الاندماج النووي بالتساؤل حول قدرة علماء منشأة الإشعال الوطنية على تكرار هذه التجربة.

كما تبين لاحقاً، سيستغرق تكرار هذه التجربة بعض الوقت. لم تنجح التجارب التي تلت هذا الإنجاز في الاقتراب من نتائج التجربة التي أجريت في أواخر عام 2021. يكمن جزء من المشكلة في أن العلماء يواجهون صعوبات كبيرة في التنبؤ بأثر أشعة الليزر التي يطلقونها بدقة، على الرغم من المعارف والخبرات التي يمتلكونها.

اقرأ أيضاً: لماذا تحتاج محطات الطاقة النووية إلى الكهرباء لتبقى آمنة؟

تفاوتات في أداء التفاعلات 

يقول الفيزيائي في منشأة الإشعال الوطنية، جون مودي (John Moody): "هناك تفاوتات كبيرة حالياً في أداء التفاعلات التي يتم إجراؤها في منشأتنا. وتنتج هذه التفاوتات عن اختلافات طفيفة في جودة حبيبات الهيدروجين وأشعة الليزر"، ويضيف: "تتمتع الحبيبات بجودة عالية للغاية، ولكن العيوب الصغيرة لها تبعات كبيرة".

يستطيع الفيزيائيون الاستمرار في ضبط الليزر المستخدم بدقة أو التلاعب بحبيبة الهيدروجين. لكن قد توجد طريقة ثالثة لتحسين أداء التجربة. وهي تنطوي على إدخال التجويف الأسطواني وحبيبات الوقود الهيدروجيني في حقل مغناطيسي.

بيّنت الاختبارات التي أجريت على ليزرات أخرى مثل ليزر أوميغا (OMEGA) في مدينة روتشستر في نيويورك وفيمختبر زي ماشين (Z-machine) في ولاية نيو مكسيكو أن هذه الطريقة يمكن أن تكون فعّالة. بالإضافة إلى ذلك، بيّنت عمليات المحاكاة الحاسوبية التي أجريت على ليزر منشأة الإشعال الوطنية أن الحقل المغناطيسي يضاعف من كمية طاقة الليزرات الأعلى أداءً المستخدمة في هذه المنشأة. 

يقول مودي، والذي شارك في تأليف الدراسة سابقة الذكر: "يتيح لنا الوقود الممغنط مسبقاً تحسين أداء التفاعلات حتى باستخدام الحبيبات التي تحتوي على عيوب أو آليات إطلاق الليزر غير المثالية".

لذلك، قرر علماء منشأة الإشعال الوطنية تجربة هذه الآلية بأنفسهم.

اقرأ أيضاً: كيفية صناعة ليزر أشعة سينية أكثر برودة من الفضاء

الحقل المغناطيسي في الاندماج النووي

اضطر العلماء لاستبدال التجويف الأسطواني أولاً. لن يؤدي الذهب النقي بشكل جيد في هذه الظروف؛ إذ إن تعريض هذا المعدن للحقل المغناطيسي سيتسبب بتوليد تيارات كهربائية في جدران الأسطوانة. ما سيتسبب بدوره بتكسرها. لذلك، صنع العلماء أسطوانة جديدة من سبيكة تتألف من الذهب والتيتانيوم، وهو معدن نادر يُستخدم في بعض المكونات الإلكترونية.

بعد ذلك، وضع العلماء حبيبة من وقود الهيدروجين داخل الأسطوانة الجديدة وقاموا بتشغيل الحقل المغناطيسي وأطلقوا أشعة الليزر كالمعتاد.

بعد إجراء التجربة، لاحظ العلماء أن وجود الحقل المغناطيسي كان له تأثير واضح؛ إذ بلغت كمية الطاقة المتولدة 3 أضعاف تلك التي يتم توليدها في التجارب التي لم يتم استخدام الحقل المغناطيسي فيها. استخدم العلماء في هذه التجربة جهاز ليزر منخفض الطاقة تحسباً. ولكن النتائج منحتهم بصيص أمل جديد. يقول زيبف، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: "تمثّل نتائج هذه الدراسة إنجازاً كبيراً".

مع ذلك، يقول مودي: "لا تزال النتائج أولية، ونحن مثل الأطفال الذين يتعلمون المشي قبل الاعتياد على الجري". سيحاول علماء منشأة الإشعال الوطنية تكرار التجربة باستخدام ليزرات مختلفة. وإذا نجحوا في تكرار النتائج، سيتمكّنون من استخدام الحقول المغناطيسية مع مجموعة متنوعة من الليزرات.

كما هو الحال مع أي آلية جديدة في هذا المجال الغامض من الفيزياء، لن يمثّل استخدام الحقول المغناطيسية حلاً لجميع المشكلات المتعلقة بتكنولوجيا الاندماج النووي. حتى إذا تمكن علماء منشأة الإشعال الوطنية من إحداث تفاعل اندماج نووي يولّد كمية من الطاقة أكبر من تلك المستهلكة لإحداثه، عليهم بعد ذلك إنجاز المرحلة الثانية، وهي توليد كمية من الطاقة أكبر بكثير من تلك المستهلكة. ويطلق الفيزيائيون على هذا الإنجاز اسم "الكسب". يقول زيبف إن تحقيق الكسب هو إنجاز أكثر صعوبة، وخصوصاً بالنسبة لليزرات الصغيرة نسبياً والمستخدمة في منشأة الإشعال الوطنية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستفادة من الطاقة الشمسية ليلاً؟

مع ذلك، سيراقب علماء الاندماج النووي التطورات في هذه المنشأة عن كثب. يقول زيبف إن نتائج التجارب التي ستجرى في هذه المنشأة ستساعد علماء المنشآت المماثلة حول العالم في الاستفادة من أشعة الليزر قدر الإمكان.

يعتبر توليد كمية من الطاقة أكبر بكثير من الطاقة المستهلكة في الاندماج النووي شرطاً أساسياً للبدء في مرحلة مستقبلية أخرى، وهي تحويل الطاقة الحرارية المولّدة إلى طاقة يمكن استخدامها بشكل مُجدٍ. وتعتبر هذه المرحلة خطوة أساسية أخرى بالنسبة لعلماء فيزياء الجسيمات. وهي مشروع يعمل عليه العلماء في مجال الاندماج النووي بالفعل.

المحتوى محمي