كيف يمكن أن يكون صدأ المعادن وسيلة لتخزين الطاقة الكهربائية؟

4 دقائق
كيف يمكن أن يكون صدأ المعادن وسيلة لتخزين الطاقة الكهربائية؟
نحن بحاجة بديل لبطاريات الليثيوم أيون لتخزين كميات كبيرة من الطاقة المتجددة. حقوق الصورة: زبينيك بوريفال/ أنسبلاش.

تتبدد الطاقة الكهربائية بسهولة، وإذا لم يتم استخدامها في لحظة توليدها، فإنها تتشتت بسرعة على شكل طاقة حرارية. يمكن أن تصبح إزالة الكربون بالكامل من أنظمة توليد الكهرباء حقيقة واقعة فقط عندما نتمكن من تخزين كميات هائلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح واستخدامهما في أي وقت. في النهاية، لا يمكننا تسخير مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على مدار الساعة كل يوم.   

في الوقت الحاضر، تسيطر بطاريات الليثيوم أيون على سوق تخزين الطاقة. لكن هذه البطاريات باهظة الثمن، ويتطلّب تصنيعها تعدين معادن نادرة، وهي بعيدة كل البعد عن الاستدامة البيئية. إن العثور على بديل أقل ضرراً من الناحية البيئية أمر بالغ الأهمية، ويقوم العلماء حاليّاً بدراسة بدائل لبطاريات الليثيوم أيون باستخدام المواد الخام مثل الصوديوم والمغنيزيوم وحتى مياه البحر. ولكن في السنوات القليلة الماضية، كان قطاع توليد الطاقة يستثمر في البطاريات المعدنية الهوائية كحل مستقبلي لتخزين طاقة شبكة الكهرباء.    

طُوّرت البطاريات المعدنية الهوائية لأول مرة في عام 1878، وتستخدم هذه التكنولوجيا غاز الأوكسجين الجوي كمهبط (مستقبل الإلكترونات في البطارية) ومعدناً كمصعد (مانح الإلكترونات). يتكون هذا المصعد من معادن رخيصة ومتوفرة بكثرة مثل الألومنيوم أو الزنك أو الحديد. يقول «يت-مينغ تشيانغ»، أستاذ الكيمياء الكهربية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «شاع استخدام هذه المعادن الثلاثة في البطاريات المعدنية الهوائية».    

في عام 1932، كانت بطاريات الزنك الهوائية هي النوع الأول من البطاريات المعدنية الهوائية، واستُخدمت على نطاق واسع في الأجهزة المساعدة على السمع. بعد 3 عقود، حاول علماء وكالة ناسا ومختبر الهندسة الجيوتقنية تطوير بطاريات حديد هوائية لأنظمة ناسا الفضائية، لكنهم استسلموا في النهاية. لكن لا يزال بعض الباحثين يحاولون تحسين هذه التكنولوجيا المراوغة.   

اقرأ أيضاً: 6 معلومات تقنية شائعة لكنها خاطئة

حدود وإمكانيات البطاريات المعدنية الهوائية

يعتقد الباحثون أنه من الناحية النظرية، يمكن أن تتمتع البطاريات المعدنية الهوائية بكثافة طاقية أعلى من بطاريات الليثيوم أيون لفترة تدوم أكثر من 6 عقود. ومع ذلك، فقد فشل الباحثون مراراً وتكراراً في جعل هذه التكنولوجيا ترتقي إلى مستوى إمكاناتها الكاملة. 

في بطاريات الليثيوم أيون، تكون عملية توليد الطاقة مباشرة، إذ ترتد ذرات الليثيوم بين قطبين أثناء شحن البطارية وتفريغها ببساطة.  

مع ذلك، فإن وجود الهواء يجعل العملية أكثر صعوبة، ويضيف تحدياً إضافياً: صعوبة إعادة الشحن. يتفاعل الأوكسجين مع المعدن، مكوناً مادة كيميائية تؤدي بعد ذلك إلى بدء عملية التحليل الكهربائي، ما يؤدي إلى تفريغ الطاقة. ولكن بدلاً من تسخير تفاعل كيميائي عكوس، يكون انتقال الطاقة في البطاريات المعدنية الهوائية معظم الأحيان في اتجاه واحد فقط. نتيجة تدفق الأوكسجين الجوي المستمر إلى البطارية، فيمكن للبطارية أن تتآكل بسرعة بمجرد تشغيلها، حتى عند عدم استخدامها.    

بالإضافة إلى ذلك، فإن معدل الواط الساعي لكل كيلوغرام للبطاريات المعدنية الهوائية، وهو معدل يقيس كمية الطاقة المختزنة لواحدة الكتلة من البطارية، ليس عالياً بشكل استثنائي حالياً. حسبما ذكر تشيانغ لموقع «بوبيولار ساينس»، هذا هو السبب الرئيسي لعدم استخدام هذه البطاريات الآن في السيارات الكهربائية. يقول تشيانغ: «تتمتع بطاريات الليثيوم أيون بمعدل تخزين طاقي يبلغ 100 واط ساعي لكل كيلوغرام. لكن بالنسبة لبطاريات الحديد الهوائية، يبلغ هذا المعدل 40 واط ساعي لكل كيلوغرام فقط. أي أن معدل تخزين الطاقة ثم تفريغها من البطارية منخفض نسبياً».     

لكن تشيانغ يحاجج بأنه على الرغم من هذه القيود، قد تُستخدم بطاريات الحديد الهوائية في التخزين الثابت للطاقة. في شركة ناشئة تسمى «فورم إنيرجي»، طور تشيانغ وزملاؤه تقنية جديدة منخفضة التكلفة لبطاريات الحديد الهوائية التي ستوفر تخزيناً يدوم عدة أيام للطاقة المتجددة بحلول عام 2024. 

يضيف تشيانغ، والذي يشغل منصب كبير المسؤولين العلميين في شركة فورم إينرجي أيضاً: «على الرغم من أنها لم تنجح في المركبات الكهربائية، إلا أنه يمكن توسيع استخدام بطاريات الحديد الهوائية تجارياً لتخزين الطاقة والمساعدة في التخفيف من عواقب تغير المناخ بحلول منتصف القرن الجاري».

اقرأ أيضاً: تعرف على المغربي رشيد يزمي رائد أبحاث بطاريات أيون الليثيوم 

تصميم جديد للبطاريات المعدنية الهوائية

صقل فريق تشيانغ عملية «الصدأ العكسي» في تكنولوجيا البطاريات التي تسمح لهم بتخزين الطاقة وتحريرها بكفاءة. عندما يتأكسد الحديد كيميائياً، فإنه يفقد الإلكترونات المرسلة عبر الدارة الخارجية للبطارية إلى قطبها الكهربائي الهوائي. يتحول الأوكسجين إلى أيونات الهيدروكسيد في القطب الكهربائي الهوائي، ثم يعبر إلى القطب الكهربائي الحديدي، ما يشكّل هيدروكسيد الحديد، والذي يتحول في النهاية إلى صدأ.   

يوضّح تشيانغ: «عندما نعكس التيار الكهربائي في البطارية، فهذا يزيل الصدأ منها. واعتماداً على ما إذا كانت البطارية تُفرّغ أو تُشحن، يتم إما سحب الإلكترونات من الحديد أو إضافتها إليه». يقول تشيانغ إن البطارية يمكن أن توفر كهرباء نظيفة لمدة 100 ساعة بسعر 20 دولاراً فقط للكيلوواط الساعي، وهو أفضل بكثير مما يمكن الحصول عليه باستخدام بطاريات الليثيوم أيون، والتي تصل تكلفتها إلى 200 دولار لكل كيلوواط ساعي.   

لكن الحديد ليس المعدن الوحيد. فمع تسارع وتيرة السباق لتطوير بطاريات معدنية هوائية مستدامة لتخزين الطاقة، تنشغل العديد من الشركات وباحثوها بالاستثمار في بطاريات الزنك الهوائية وبطاريات الألومنيوم الهوائية.  

أعاد علماء المواد في جامعة مونستر في ألمانيا تصميم بطاريات الزنك الهوائية باستخدام كهرل (أيُّ مادة تحتوي على أيونات حرة تشكّل وسطاً لنقل الكهرباء) جديد يتكون من أيونات نافرة للماء. في بطاريات الزنك التقليدية، يمكن أن تكون الكهارل مواد كاوية ذات أس هيدروجيني مرتفع، ما يجعلها أكالة بدرجة كافية لإتلاف البطارية. تغلب الباحثون على هذه المشكلة من خلال التأكد من أن الأيونات النافرة للماء تلتصق بالمهبط الهوائي، ما يمنع الماء الموجود في الكهرل من التفاعل مع الأوكسجين الوارد. يمكن أن تنتقل أيونات الزنك من القطب الموجب إلى القطب السالب بحرية، حيث تتفاعل مع الأوكسجين وتولد الطاقة بشكل متكرر.     

مع اقتراب الباحثين من تطوير بطاريات الزنك الهوائية القابلة لإعادة الشحن، كشفت شركة «زنك 8 إينرجي» الكندية عن منتجاتها. تستخدم الشركة الناشئة بطاريات زنك هوائية مع خزان يحتوي على هيدروكسيد البوتاسيوم والزنك المشحون كهربائياً. تحلل الكهرباء الزنكات إلى زنك وماء وأوكسجين. هذا يجعل جزيئات الزنك تكتسب شحنة كهربائية، وتخزن الكهرباء.     

عندما يأتي وقت نقل الكهرباء إلى الشبكة، يتفاعل الزنك المشحون مع الأوكسجين والماء، ويطلق الكهرباء المخزنة وينتج الزنكات. بعد ذلك، تبدأ العملية كلها مرة أخرى. أعلنت المجموعة عن تقديم بطاريات الزنك الهوائية هذه إلى السوق العالمية من خلال استخدامها في مبنى سكني مغطى بألواح شمسية في كوينز، نيويورك.  

مثل الحديد، يتوفر الزنك على نطاق واسع وله سلاسل إمداد قائمة. يتم استخدام معدن آخر وفير أيضاً، وهو الألومنيوم، في تطوير بطاريات الألومنيوم الهوائية. لكن وفقاً لتشيانغ، على عكس بطاريات الزنك الهوائية، لا يمكن إعادة شحن هذه البطاريات. إن البصمة الكربونية لإنتاج الألومنيوم أعلى أيضاً من الخيارات الأخرى التي يمكن استخدامها في تصنيع البطاريات المعدنية الهوائية.    

بحلول عام 2028، من المتوقع أن تصل قيمة السوق العالمي للبطاريات المعدنية الهوائية إلى 1.1 مليار دولار، وذلك لتوفير حلول لتخزين الطاقة بشكل أساسي. لكن في الوقت الحالي، ينتظر المستثمرون والمحللون والمستهلكون على حد سواء بفارغ الصبر حدوث الخرق الكبير التالي.  

المحتوى محمي