ارتبطت الكثير من الأخبار حول محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا مؤخراً بمسألة ما إذا كانت المنشأة قادرة على الوصول إلى خطوط الكهرباء الخارجية أم لا. وشارك تحديث صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) في 13 سبتمبر، أخباراً سارة بحذر: أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا لديها ثلاثة خطوط مختلفة تربطها بالكهرباء الخارجية، بعد أن تم فصلها جميعاً.
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن الوضع يتمثل في أن أحد هذه الخطوط يمنح المحطة الطاقة الكهربائية التي تحتاجها بينما يعمل الخطان الآخران كخطوط احتياطية. وعلى الرغم من أن ذلك يعتبر تطوراً جيداً، وكذلك حقيقة أن المفاعلات النووية الستة في المحطة قد أُغلقت، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تزال تتوخى الحذر. وأكد المدير العام للوكالة، رافائيل ماريانو غروسي، "مرة أخرى، أن وضع السلامة النووية والوضع الأمني في المحطة -التي تسيطر عليها القوات الروسية ولكن يديرها موظفون أوكرانيون في وسط منطقة حرب- لا يزال محفوفاً بالمخاطر". وقال غروسي إن القصف "ما زال مستمراً على مساحة أكبر".
إن مسألة ما إذا كانت المحطة تمتلك الكهرباء التي تحتاجها للحفاظ على تشغيل أنظمتها أم لا هي مسألة رئيسية، وتُتيح فرصة للبحث في المقومات الأساسية لعمل محطات الطاقة النووية، وكيف تظل آمنة، كما نأمل، حتى في المواقف الحرجة.
اقرأ أيضاً: خطر الذخائر غير المنفجرة: شبح مخيف يهدد أوكرانيا بعد الحرب
المقومات الأساسية لعمل محطة الطاقة النووية
تعتبر محطة الطاقة النووية الحديثة منشأة معقدة ومكلفة، لكن المقومات الأساسية لعملها بسيطة من الناحية النظرية. يوضح الأستاذ المساعد في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، نورمان كليمان، والذي يبحث في آثار الإشعاع المؤين على الأشخاص والحيوانات: "تعمل أي محطة للطاقة النووية عن طريق تحلل اليورانيوم إلى عناصر أخرى، وفي هذه العملية تطلق الطاقة على شكل حرارة. ويتم استخدام هذه الحرارة لغلي الماء وإنتاج البخار وتشغيل العنفات وتوليد الكهرباء".
وبشكل أكثر تحديداً، فإن محطة الطاقة النووية زابوريجيا في أوكرانيا، ومعظم الأسطول النووي في الولايات المتحدة، هي مفاعلات ماء مضغوط. ما يعني أن الماء في المفاعل يصبح حاراً بسبب وجود قضبان الوقود، وهذا الماء يسخّن ماء آخر -دون أن يختلط به- يكون على شكل بخار، ويشغّل العنفات. (نوع آخر يسمى مفاعل الماء المغلي).
ويضيف كليمان: "هناك الكثير من الحرارة التي يتم إنتاجها. وإذا لم يتم تبريد هذه الحرارة فإنها يمكن أن تؤدي إلى انصهار المواد في محطة الطاقة النووية، أي قضبان الوقود نفسها، والأغلفة المعدنية التي يوجد فيها الوقود، ومكونات أخرى. لذلك تحتاج إلى طريقة لتبريد المحطة".
وبطبيعة الحال، هذا يتطلب الكهرباء، كما هو الحال مع أنظمة المحطة الكثيرة الأخرى. تقول جيسيكا لوفرينج، المديرة التنفيذية لجمعية "غود إنيرجي كوليكتيف" (Good Energy Collective)، وهي مؤسسة تنادي بالطاقة النووية (التي لا تنتج أي انبعاثات كربونية) من منظور تغيّر المناخ: "تحتاج محطات الطاقة النووية الحالية إلى الكهرباء بشكل دائم للحفاظ على دوران المبرد في المحطة. إنهم بحاجة إلى مضخات أو شيء ما لدفع المياه عبر قلب المفاعل للحفاظ على برودتها، حتى لا تصبح ساخنة جداً وتسبب حادثاً. وإذا تم إغلاقها، فإنها تحتاج إلى تبريد أقل بكثير".
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لتوليد الطاقة من توربينات المد والجزر أن يساهم في تقليل الانبعاثات؟
تمتلك زابوريجيا ستة مفاعلات نووية. وأشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن هذه المفاعلات "في حالة إغلاق من أجل التبريد". ولكن "ما زالت بحاجة إلى الكهرباء للحفاظ على وظائف السلامة الضرورية".
من أين تأتي المفاعلات النووية بالطاقة الكهربائية اللازمة لعملها؟
يمكن أن تأتي هذه الطاقة الكهربائية من عدة مصادر. وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حالة زابوريجيا حالياً، تأتي هذه من خطوط الكهرباء الاحتياطية، ولكنها قد تأتي أيضاً من مولدات الديزل في الموقع. كما استخدمت المحطة المفاعل الأخير الذي كان يعمل، وهو المفاعل السادس، لتوفير الكهرباء التي يحتاجها. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي نقلاً عن مقابلة مع بترو كوتين، مدير شركة الطاقة الوطنية الأوكرانية "إنيرجواتوم". أن هذه الممارسة تسمى "وضع الجزيرة"، لكنها تشير إلى أنه من المفترض ألا يتم ذلك لفترة طويلة تزيد على 60 دقيقة.
اقرأ أيضاً: ما هي كمية الطاقة التي يمكن توليدها دون أن نفقد السيطرة؟
تقول لوفرينج: "بشكل عام إن مشكلة المبرّد هي المحور الرئيسي. فمعظم الحوادث النووية التي شهدناها في جميع أنحاء العالم كانت بسبب فقدان المبرّد، بشكل أو بآخر". وتعد كارثة فوكوشيما في اليابان مثالاً مأساوياً.
تقول لوفرينج: "من المحتمل أنها في مكان جيد الآن، لكن الجانب السلبي هو أنها لا تولد الكهرباء لأوكرانيا وأيضاً لأوروبا". ومع ذلك، فإنها تعرب أيضاً عن قلقها إزاء مولدات الديزل، من حيث كمية الوقود التي تمتلكها المنشأة في الموقع إذا ما انقطعت توصيلاتها بالكهرباء الخارجية مرة أخرى. كما أنها قلقة بشأن سلامة العمال في الموقع.
وتضيف: "لا نريد أن نرى قصفاً حول محطة للطاقة النووية، لكن الأمر ليس مقلقاً الآن بعد أن تم إغلاقها".
الوقود المستنفد
تقول العالمة النووية، شيريل روفر، والتي أمضت أكثر من ثلاثة عقود في العمل في مختبر لوس ألاموس الوطني، وكتبت مؤخراً عن الوضع في أوكرانيا لمجلة "نيوزويك" (Newsweek)، إنها تعتقد أن الوضع الحالي للمحطة "مستقر". وتضيف "أن وجود اثنين من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيساعد في الحصول على صورة أكثر دقة لما يجري هناك".
ومع ذلك، بعيداً عن المفاعلات المغلقة، يجب علينا التفكير حول موضوع الوقود المستنفد. أولاً، يبقى الوقود المستنفد لمدة من الوقت في أحواض التبريد، وفي بعض الحالات يدخل أيضاً في العزل في شيء يسمى تخزين البراميل الجافة. تقول روفر إن المياه الموجودة في أحواض التبريد ينبغي أن تدور أيضاً، وهو سبب آخر لحصول محطة الطاقة النووية على كهرباء يمكن الاعتماد عليها حتى لو تم إغلاق المفاعلات.
اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر الحرب على البرنامج الفضائي الأوكراني؟
تقول: "أعتقد أنهم إذا استهدفوا أحواض الوقود [عن طريق القصف]، فسوف تكون هناك مشكلة، وسيتطلب ذلك بعض عمليات التطهير، لكنني أعتقد أنه يمكن القيام بذلك. سيكون ذلك أمراً سيئاً، وسيكون أسوأ مما يحدث الآن".
لكن مجمع الوقود المدمَّر يختلف عن محطة الطاقة النووية التي تتعرض لانهيار كامل. وتضيف: "لن يكون ذلك انهياراً حقاً. في هذه الحالة، سيكون الإخلاء محلياً".
وفي الوقت نفسه، لا تزال الخطة قائمة للحفاظ على المحطة في وضع خارج الخدمة: ذكرت الإذاعة الوطنية العامة "NPR" في 15 سبتمبر، أن أوكرانيا تخطط لعدم تشغيل المحطة مرة أخرى حتى مغادرة القوات الروسية.