العلماء يصنعون مادة جديدة تتمتع بصلابة الماس

2 دقيقة
العلماء يصنعون مادة جديدة تتمتع بصلابة الماس
يُصنع نتريد الكربون بعد تسخين سلائفه إلى درجات حرارة تصل إلى 1,500 درجة مئوية. لانييل وآخرون/مجلة أدفانسد ماتيريالز (حقوق الملكية الفكرية المشتركة CC BY 4.0)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعد الماس مرغوباً فيه لخاصيته المادية والمفيدة جداً المتمثّلة في أنه أصلب مادة على وجه الأرض، وذلك بالإضافة إلى أنه مادة فاخرة. تتراوح متانة هذا المعدن اللامع بين 70 و150 غيغا باسكال، ما يجعله مكوناً أساسياً في لُقمات الثَقب ذات الأداء العالي وأدوات طب الأسنان والأغطية الواقية للمركبات الفضائية.

لكن لسوء الحظ، تعاني عمليتا استخراج الماس وتصنيعه عيوبهما الخاصة، لذلك، سعى خبراء المواد منذ زمن طويل إلى تصنيع مادة منافسة تحمل اسم نتريد الكربون، ولكنهم فشلوا في ذلك مراراً وتكراراً. بعد أكثر من 3 عقود من التعلم بالتجربة والخطأ، انتهت سلسلة الهزائم المتتالية أخيراً بفضل تعاون بحثي بين علماء من جامعة إدنبره وجامعة بايرويت الألمانية وجامعة لينشابينغ السويدية.

نجاح تصنيع نتريد الكربون

فصّل الفريق البحثي الذي قاده خبراء من مركز العلوم في الظروف المتطرفة التابع لجامعة إدنبره النتائج الجديدة في دراسة نشرت في مجلة أدفانسد ماتيريالز (Advanced Materials) تبيّن كيف تمكّن الفريق من تصنيع نتريدات الكربون، وهو إنجاز استعصى على الباحثين منذ عام 1989. وفقاً لما ورد في مجلة نيو ساينتست (New Scientist)، تتمتّع العينات التي تتراوح متانتها بين 78 و86 غيغا باسكال ويبلغ عرضها 5 ميكرومترات وسماكتها 3 ميكرومترات بصلابة أكبر من صلابة ثاني أصلب مادة في العالم، وهي نتريد البورون المكعب، الذي تتراوح صلابته عادة بين 50 و55 غيغا باسكال. على الرغم من أن خصائص عيّنات نتريد الكربون الجديدة تنطبق جزئياً على التنبؤات النظرية الأولية التي توصل إليها باحثو علم المواد (أي إمكانية تصنيع هذه المادة على وجه التحديد)، فإن العينات لا تحل محل الماس باعتباره أصلب مادة معروفة. بالنتيجة، يعتقد الخبراء حالياً أن الماس يمكن أن يظل أقسى مادة في العالم.

اقرأ أيضاً: علماء يثبتون إمكانية استخدام معدن الكروم في صناعة الهواتف الذكية

كيف صنّع الباحثون نتريد الكربون؟

عرّض الباحثون أولاً سلائف الكربون والنيتروجين لنتريد الكربون إلى ضغط جوي يبلغ 700 ألف ضعف من الضغط الجوي الأرضي من خلال كبسها بين قطعتين صغيرتين جداً من الماس. في الوقت نفسه، سخّن الليزر السلائف إلى نحو 1,500 درجة مئوية. ما فعله الباحثون بذلك هو أنهم حاكوا الظروف التي لا تسود إلا على عمق آلاف الكيلومترات تحت سطح الأرض.

بعد ذلك، قيّم الباحثون خصائص عينات نتريد الكربون باستخدام الأشعة السينية العالية الشدّة في 3 مسرعات للجسيمات في أوروبا. وفقاً لإعلان أصدرته جامعة إدنبره بتاريخ 14 ديسمبر/كانون الأول 2023، اكتشف الفريق بذلك أن 3 عينات من المادة الجديدة تحتوي على “العناصر الأساسية اللازمة للتمتّع بالصلابة الفائقة”. بالإضافة إلى ذلك، احتفظت المواد الجديدة بصلابتها بعد تبريدها ووضعها في وسط يتمتع بضغط جوي طبيعي.

قال الزميل في برنامج قادة المستقبل في معهد فيزياء المواد المكثفة والأنظمة المعقدة التابع لكلية الفيزياء وعلم الفلك في جامعة إدنبره، دومينيك لانييل، في إعلان أصدرته الكلية: “كنا نشك في أننا تمكنا بالفعل من تصنيع مادة حلم بها الباحثون على مدى العقود الثلاثة الماضية. تمثّل هذه المواد حافزاً كبيراً لسد الفجوة بين عملية تصنيع المواد العالية الضغط والتطبيقات الصناعية”.

اقرأ أيضاً: علماء يستخدمون جسيمات دقيقة لفحص مفاعلات نووية قديمة

مادة قد تدخل في تصنيع المتفجرات القوية جداً

توصّل الباحثون بعد إجراء الحسابات والتجارب الإضافية إلى أن نتريدات الكربون الاصطناعية يمكن أن تتمتّع أيضاً بخاصية الضيائية الضوئية إلى جانب تمتّعها بكثافة طاقية عالية، ما يعني أنه حتى الكميات الصغيرة جداً منها يمكن أن تخزّن كميات كبيرة نسبياً من الطاقة. وبتعبير أكثر صراحة، يمكن أن يُستخدم نتريد الكربون في تصنيع المتفجرات القوية جداً.

التكلفة العالية هي العامل الوحيد الذي يقف في طريق إنتاج نتريد الكربون بكميات كبيرة حالياً. ويحتاج الباحثون إلى استخدام قطع أكبر من الماس يمكن باستخدامها تطبيق الضغط المطلوب لتصنيع عيّنات أكبر من هذه المادة، لكن الماس هو أداة مخبرية عالية التكلفة.

اقرأ أيضاً: هل ينجح العلماء بإطالة عمر بطارية جهاز تنظيم ضربات القلب؟

مع ذلك، لا يولّد الماس التيار الكهربائي عند تعرضه للضغط، ولا شك في أنه لا يتمتّع بخصائص انفجارية. قد تصبح نتريدات الكربون الاصطناعية يوماً ما “المواد الهندسية المثالية التي تنافس الماس” في العديد من التطبيقات، ولكن فقط إذا كانت جدواها الاقتصادية وجدواها في القطاع مضمونة، وسيتطلب ذلك إجراء المزيد من الأبحاث والتجارب.