يمكنك صنع حلوى لذيذة بخلط الجيلاتين مع شراب السكر كما كان يفعل الناس في القرن العشرين. لكن هذه الحلوى التي أساسها مادة شبيهة بالهلام يمكن أن تساعد في المستقبل في صنع روبوتات رخيصة وقابلة للانحناء ومستدامة أيضاً.
الجيلاتين في صناعة الروبوتات
صنع العلماء في جامعة يوهانس كيبلر لينز في النمسا إصبعاً آلياً يشبه المجس الذي تمتلكه بعض الحيوانات من خليط من مادة الجيلاتين ومواد أخرى يمكن أن تجدها في أي متجر قريب منك. قام الفريق بمزج المكونات ثم أنشؤوا الإصبع عبر طابعة ثلاثية الأبعاد، ونشروا نتائج عملهم في دورية «ساينس روبوتيكس» في 2 فبراير/شباط 2022.
قد تكون معتاداً على التفكير في الروبوتات على أنها هياكل صلبة مصنوعة من المعدن والسيراميك والمواد الصلبة الأخرى. إنها ذلك النوع من الروبوتات الذي يساعد في صنع السيارات والهياكل الخارجية. ولكن هناك أنواع أخرى من الروبوتات، والتي تُصنع من مواد مرنة أكثر يمكنها الانحناء والتكيف مع محيطها.
إنه عالم الروبوتات الناعمة (أو اللينة) الآخذ في الازدهار. في المستقبل القريب، قد تجد الروبوتات الناعمة طريقها إلى جسم الإنسان، حيث يمكن لمرونتها أن تسمح للأدوات الجراحية بالتكيف مع أشكال الجسم المختلفة على سبيل المثال. قد تحاكي الروبوتات الناعمة الكائنات البحرية وتستكشف أعماق البحر سواء على الأرض أو في العوالم الأخرى البعيدة.
اقرأ أيضاً: شخصي ومنزلي ويهتم بك: سامسونج تُفصح عن روبوتات ذكية
عالم الروبوتات الناعمة الجيلاتينية الواعد
ولكن على الرغم من أن هذه الروبوتات الناعمة يمكن أن تتطور كثيراً لتصبح مثل الأسماك، إلا أن المواد التي تدخل في صناعتها غالباً ما تكون من البوليمرات مثل البلاستيك، والذي لا يُعتبر مادةً متجددة أو صديقةً للبيئة. من ناحية أخرى، يتحلل الجيلاتين بشكلٍ طبيعي ولا يترك أي أثر. لذلك يحاول صانعو الروبوتات، مثل فريق جامعة لينز، تجربة عدة تركيباتٍ قائمةٍ على الجيلاتين لصنع الروبوتات منذ بضع سنوات وحتى الآن.
لكن الجيلاتين يطرح تحديات أخرى قد لا تتوقع ظهورها في مختبر الروبوتات. في الواقع، يميل الجيلاتين إلى جذب الأعفان لأنه في الأساس عبارةٌ عن سكر وبروتين. وعندما يجف المحتوى المائي للجيلاتين- وهو أمر متوقع في البيئات الجافة- يصبح الجيلاتين قاسياً ويصعب التعامل معه.
يقول فلوريان هارتمان، الفيزيائي في مدرسة لوزان الاتحادية للفنون التطبيقية في سويسرا وأحد الباحثين المشاركين في الورقة البحثية الجديدة: «لقد كان الجيلاتين هشاً جداً، بحيث إذا قمت بتمديده قليلاً، فإنه ينكسر بسهولة».
تعالج التركيبة التي توصل إليها فريق جامعة لينز هذه التحديات. بالإضافة إلى الجيلاتين والسكر، قاموا بإضافة حامض السيتريك الذي يغير درجة حموضة المواد، ما يمنع الكائنات الحية الدقيقة من التغذي عليها باكراً وبالتالي إطالة عمرها. كما قاموا بإضافة الجليسرين إلى المزيج، ما ساعد الجيلاتين على الاحتفاظ بالماء. وهكذا، ومع هذه التحسينات، أصبح بالإمكان شد المادة حتى ستة أضعاف طولها الأصلي مع الاحتفاظ بهيكلها. نشر فريق لينز تركيبتهم هذه لأول مرة في عام 2020.
يقول هارتمان: «لقد واصلنا محاولاتنا لصنع روبوتات أكثر تعقيداً تتمتع بأداء أفضل ووظائف أكثر».
واليوم، وعلى العكس من معظم من حاول صنع أجزاء الروبوتات الناعمة من الجيلاتين من خلال استخدام قوالب كما تفعل في المطبخ، قام فريق جامعة لينز بتعديل طابعةٍ ثلاثية الأبعاد لاستخدام تركيبة الجيلاتين التي صنعوها.
لقد كانت تقنية صناعة الروبوتات الناعمة باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد واعدةً جداً، لكن نتائجها لم تكن كذلك. جزء من المشكلة هو أن البوليمرات القليلة التي استُخدمت كانت تستغرق وقتاً طويلاً حتى تستقر وتتصلب، أي أن عملية طباعتها غير مجدية من ناحية الوقت. لكن للجيلاتين ميزة، فبصفته بروتيناً، يمكن أن يتبلور أسرع بكثير من البوليمرات، وبالتالي يختصر المدة التي تستغرقها عملية الطباعة كثيراً.
يقول رمسيس مارتينيز، المهندس في جامعة بوردو وغير المشارك في الورقة البحثية: «أعتقد أن تصنيع شيء قابل للتحلل بشكلٍ طبيعي تماماً باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد مباشرةً نهج مثير جداً للاهتمام».
اقرأ أيضاً: لأول مرة: بناء روبوتات من خلايا الضفادع قادرة على التكاثر الذاتي
تحريك الإصبع
قامت مجموعة لينز بلفه بهيكل خارجي على شكل شرائط مصنوعة من مادة مكونة من الإيثانول والشيلات (اللك)، وهو مادة راتنجية كانت تُصنع منها وسائط التسجيل القديمة جداً كاسطوانات الجراموفون. هذه الشرائط حساسة لكيفية انكسار الضوء أو انحنائه عند مروره بين الإصبع والهواء المحيط به.
أتاح ذلك التحكم في إصبع الجيلاتين المصنوع بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد عن طريق ضخ الهواء المضغوط داخله. غيّر الهواء المتحرك زاوية مرور الضوء عبر الإصبع، ما جعل الشرائط تتأرجح استجابةً لذلك. استطاع الفريق التحكم بالإصبع عن طريق نظامٍ مكون من راسبيري باي (نانو حاسوب) ووحدة تحكم بلاي ستيشن 4، وتمكن الفريق في التجارب من جعل الإصبع تدفع الأشياء بعيداً عن محيطها.
اقرأ أيضاً: هل تعتقد أن البشر اجتماعيون لدرجة مصادقة الروبوتات؟
تحديات الاستخدام خارج المختبر
هارتمان غير متأكد من مدى نجاح هذا الإصبع خارج المختبر، حيث يمكن أن ترتفع درجة حرارة الجيلاتين إلى نحو 60 درجة مئوية قبل أن يبدأ في الذوبان، ولا يزال هناك المزيد من التعديلات التي يجب إجراؤها قبل تجربته في الماء. ولكن الخبر السار هو أنه نظراً لأنه مصنوع من مكونات متوفرة على نطاق واسع، من السهل صنع المزيد من المواد لإجراء مزيد من الاختبارات.
يقول مارتينيز: «أعتقد أن كل ما يتعلق بالبروتينات هو شيء يمكنك استكشاف إمكانياته باستخدام هذه التكنولوجيا. قد يشمل ذلك الأجزاء الآلية المستخدمة في تصنيع الطعام لتجنب مخاطر السلامة التي تمثلها الأجزاء الآلية المصنوعة من مواد غير عضوية». يتوقع هارتمان أيضاً استخدام هذه الروبوتات في الألعاب الآلية أيضاً لتقليل الضرر المحتمل الذي يمكن أن تلحقه الأجزاء الصلبة بالأطفال، وحتى في ديكورات الأعمال الفنية بحيث يمكن التخلص منها بسهولة.
يضيف مارتينيز أنه يمكن استخدام روبوتات الجيلاتين لاستكشاف البيئات الحساسة، مثل المناطق عالية النشاط الإشعاعي، حيث يتعين على المشغلين الموازنة بين الحاجة إلى تقليل الضرر الذي يمكن أن يلحق بهم والحاجة إلى تجنب المزيد من التلوث. ويقول ماتينيز: «لن يكون عليك استعادتها. في مثل هذه الظروف، تحتاج إلى شيء يمكن أن تتركه ليتحلل بشكلٍ طبيعي بالفعل، سيكون هذا مثيراً للاهتمام حقاً».
ربما لن تكون روبوتات الجيلاتين قادرةً على رفع الأوزان الثقيلة كي تُستخدم في صناعة السيارات. ولكن من خلال الإمكانات التي أظهرها هذا الإصبع الفردي، يمكن استخدام هذه الروبوتات في مجالاتٍ أخرى لا تعد ولا تُحصى.