في عام 2010، تلقى 3 مرضى شكلاً تجريبياً من العلاج المناعي لسرطان الدم من خلال تجربة سريرية في جامعة بنسلفانيا. دخل 2 منهما في حالة هَدْأة تامّة (وهي حالة تختفي فيها أعراض المرض تماماً)، وبقيا على هذا النحو.
تمت الموافقة على هذا العلاج، والمعروف باسم «علاج المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية» (أو علاج كار تي-سل اختصاراً)، من قِبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية لعلاج بعض أنواع سرطان الدم. ينطوي العلاج على التعديل الوراثي لخلايا الدم البيضاء الخاصة بالمريض بهدف جعلها تهاجم الخلايا السرطانية، ثم إعادتها إلى الجسم. منذ التجارب السريرية وموافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية، تم بالفعل استخدام هذا العلاج للتعامل مع بعض أنواع السرطان والتخلص منها بنجاح. مع ذلك، لا يؤدي علاج كار تي-سل إلى اختفاء المرض عند كل المرضى، ويمكن أن يتسبب في آثار جانبية خطيرة. يقدم تقرير جديد أدلة حول سبب فعالية العلاج بشكل ملحوظ في بعض الأحيان.
نجاح مرحلي
ظل المريضان اللذان استجابا جيداً للعلاج في عام 2010 خاليين من السرطان لأكثر من عقد من الزمان. أحد الرجال الثلاثة، وهو من كاليفورنيا يُدعى «دوغ أولسون»، يبلغ الآن 75 عاماً. توفي الآخر، «ويليام لودفيغ»، في أوائل العام الماضي بسبب مرض كوفيد-19. تمكّن الباحثون من إيجاد الخلايا المستقبلة الخيمرية التائية عالقة في مجرى الدم عند أولسن ولودفيغ بعد فترة طويلة من اختفاء السرطان، على الرغم من أن أنواع الخلايا المناعية التي بقيت كانت مختلفة قليلاً عما كان متوقعاً، حسبما أفاد الفريق في 2 فبراير/شباط 2022 في دورية «نيتشر».
قال «كارل جون»، الباحث الرئيسي في تجربة جامعة بنسلفانيا، لصحيفة «ذا نيويورك تايمز»: «الآن يمكننا أخيراً أن نقول إن المعالجة بهذه المستقبلات هو علاج».
كان أولسون ولودفيغ من أوائل المتلقين لعلاج كار تي-سل، ما أتاح للأطباء فرصة لتتبع خلايا المرضى وحالتهم على مدار العقد الماضي. يقول «ديفيد مالوني»، المدير الطبي للعلاج المناعي الخلوي في مركز أبحاث العلاج المناعي المتكامل في مركز «فريد هاتشينسون» لأبحاث السرطان في سياتل: «لاستخدام كلمة ’علاج‘، نحتاج حقاً إلى وقت طويل للمتابعة للتأكد من عدم انتكاس المرضى»، ويضيف: «عندما يعيش هؤلاء الأشخاص 10 و11 عاماً بعد العلاج، فإن ذلك يشجعنا على أن نكون أكثر ثقة في القول إنه ربما يتم شفاء المرضى في بعض الحالات».
«ستيفن روزنبرغ»، رئيس فرع الجراحة في مركز أبحاث السرطان التابع للمعهد الوطني للسرطان، أكثر تردداً في الإدلاء بتصريحات مماثلة. عالج هو وزملاؤه أول شخص يتلقى العلاج بالمستقبلات الخيمرية للخلايا التائية في عام 2009، وهو رجل مصاب بسرطان الغدد اللمفاوية المتقدم. مثل أولسون ولودفيغ، تخلص المريض تماماً من المرض وبقي كذلك. مع ذلك، يقول روزنبرغ إنه ليس من المستحيل أن يعود السرطان مرة أخرى بعد هذا الوقت الطويل.
في حين أن روزنبرغ يشعر أنه قد يكون من السابق لأوانه المعرفة على وجه اليقين أن هؤلاء المرضى قد شفوا، إلا أن هذه الحالات كلها مشجعة للغاية. يقول روزنبرغ: «أعتقد أنها خطوة جيدة في هذا الاتجاه»، ويضيف: «من المؤكد أن التعافي يمكن أن يستمر لفترة طويلة جداً، ويوفر حياة طبيعية نسبياً لهؤلاء المرضى».
اقرأ أيضاً: إليك أحدث ما توصل إليه العلم في علاج السرطان
دواء حيّ
تستخدم العلاجات المناعية الجهاز المناعي للفرد لمحاربة السرطان. تلعب خلايا الدم البيضاء المعروفة باسم الخلايا التائية، والتي تشكل أساس العلاج بالمستقبلات الخيمرية للخلايا التائية، مجموعة متنوعة من الأدوار في جهاز المناعة، ومنها مهاجمة الخلايا التي أصيبت بالفيروسات أو تحولت إلى خلايا سرطانية. مع ذلك، فإن الخلايا التائية التي يصنعها جسم الشخص بشكل طبيعي قد لا تكون مجهزة بأدوات التعرف على الأجسام الغريبة، أو قد يكون عددها أقل بكثير من أن تتغلب على السرطان.
الهدف من علاج كار تي-سل هو تعديل الخلايا التائية وراثياً حتى تتمكن من تدمير الخلايا السرطانية بشكل فعال. يتم تعديل الخلايا التائية بطريقة تجعلها تنتج بروتيناً مصمماً مخبرياً يسمى «مستقبل المستضد الخيمري» أو «كار» اختصاراً، على سطحها. يتم تركيب هذا البروتين بشكل يناسب نوع الخلية التي أصبحت سرطانية. يقول مالوني: «نُدخل بشكل أساسي مورثة يمكن أن تجعل جميع الخلايا التائية تتعرف على الشيء نفسه».
بالنسبة للتجارب السريرية التي أُجريت في عامي 2009 و2010، صمم فريق روزنبرغ وباحثو جامعة بنسلفانيا بشكل مستقل مستقبلات خيمرية للخلايا التائية تستهدف جزيئاً يسمى «سي دي 19» موجود في الخلايا البائية المنتجة للأجسام المضادة (وهي خلايا مناعية أخرى معروفة بأنها يمكن أن تصبح سرطانية في بعض أنواع سرطان الدم والأورام الليمفاوية). يقول روزنبرغ إنه بعد حقن المستقبلات، يمكن للخلايا التائية المكافحة للأمراض أن تتكاثر بمعدل يفوق ما سبق بما يصل إلى 10,000 مرة على مدار عدة أسابيع. كنتيجة، يعالَج المريض بخلاياه الخاصة.
يقول روزنبرغ: «إنه عقار حي»، ويضيف: «يمكن للمستقبلات البقاء على قيد الحياة في الجسم لسنوات، ويبدو أنها قادرة على تخليص الجسم من المرض تماماً وبشكل دائم».
يُستخدم علاج كار تي-سل لعلاج أشكال معينة من سرطان الدم والورم الليمفاوي والورم النخاعي المتعدد. لكن، كما ذُكر في صحيفة ذا نيويورك تايمز، فهو أكثر فعالية ضد بعض أنواع سرطان الدم من غيرها. بعض الناس الذين يدخلون في حالة هدأة ينتكسون لاحقاً.
لفهم سبب نجاح هذا العلاج في حالة أولسون ولودفيغ، قام جون وزملاؤه بالتحقيق في مصير الخلايا المعدلة. يقول مالوني: «الشيء المثير للدهشة هو أن أنواع المستقبلات التي بقيت فعلياً بدت مختلفة قليلاً عما كان متوقعاً».
لم تكن الخلايا التي بقيت تلك الخلايا التائية «القاتلة» التي تهاجم الخلايا المريضة، بل كانت الخلايا التائية «المساعدة» التي تشارك عادةً في تنسيق الاستجابة المناعية. اقترحت التجارب المخبرية أنه من المثير للاهتمام أن هذه الخلايا المساعدة احتفظت بقدرتها على قتل الخلايا.
قال «جون إي. ليفين»، أستاذ الطب وعلم الدم والأورام وطب الأطفال في معهد «تيش» للسرطان في ماونت سيناي في نيويورك، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «لقد أدركنا منذ فترة طويلة أنه لا بد من وجود اختلافات بين المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية التي تبقى حية لفترات طويلة وتلك التي تموت في غضون أسابيع إلى شهور»، وأضاف: «تحدد هذه الورقة الآن بعض هذه الاختلافات».
أضاف ليفين إن سبب الاستجابة الدائمة قد يكون أن المستقبلات يتم تحفيزها عن طريق الخلايا البائية التي يتم إنتاجها باستمرار في نخاع العظام. قال ليفين: «توفر هذه الخلايا البائية مصدراً لا نهائياً من الأهداف للعدد القليل من المستقبلات التي لديها القدرة على البقاء بصحة جيدة والعيش لفترة طويلة».
«هذا النهج الجديد تماماً لتركيب دواء للمريض باستخدام خلاياه الخاصة أدى إلى هذه الاستجابات الدرامية طويلة المدى التي أعادت الأشخاص من حالة المرض الشديد إلى الحياة الطبيعية، وهو نهج سيتم اتباعه في المستقبل دون شك». ستيفن روزنبرغ، مركز أبحاث السرطان التابع للمعهد الوطني للسرطان
يمكن أن تساعد النتائج الباحثين في تحديد سمات المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية التي تجب محاكاتها في المستقبل. يقول مالوني: «سيؤدي هذا إلى الكثير من الأبحاث التي تهدف لمعرفة كيف تنشأ هذه الخلايا وتتطور بمرور الوقت بعد حقنها»، مضيفاً أن أطباء الأبحاث يمكنهم «تركيب خلايا لها هذه الخصائص قد ترتبط بنتائج علاجية أفضل».
إحدى المجالات الأخرى المحتملة لأبحاث المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية هي إعادة تهيئة الظروف التي تزيد احتمال نجاح تلك الخلايا المحاربة عندما لا يتم إنتاجها بشكل طبيعي. على سبيل المثال، قال ليفين إنه يمكن للباحثين «توفير مصدر اصطناعي يحاكي التحفيز المستمر لهذه المستقبلات التي يبدو أنها تساعدها في مراقبة الخلايا الخبيثة».
قد يؤدي فهم المزيد حول كيفية عمل هذه العلاجات في النهاية إلى تلقي المرضى العلاج دون الحاجة إلى الانتظار حتى تفشل العديد من خطوط العلاج الأخرى. يقول مالوني: «مع حصولنا على المزيد من البيانات [و] معرفتنا لمدى سلامة هذا العلاج، سنعرف مدى فعالية هذه العلاجات، ويمكننا البدء في تطويرها. قد نستخدم هذه العلاجات في المستقبل في وقت أبكر بكثير في سياق علاج السرطان مما نفعل حالياً».
اقرأ أيضا: قتلت الخلايا السرطانية: تجربة واعدة لفيزياء الكم في علاج السرطان
توسيع المقاربة
وفقاً لروزنبرغ، أحد العوائق الرئيسية للعلاج بالمستقبلات الخيمرية للخلايا التائية هو أنه لم يثبت فعاليته ضد الأورام الصلبة الموجودة في أماكن مثل القولون والمعدة والبروستات والثدي والرحم، والتي تسبب نحو 90% من وفيات السرطان في الولايات المتحدة.
هناك عدة أسباب لذلك، يقول مالوني: «إنها بيئة معادية، حيث يحاول الورم قتل الخلايا التائية ومحاولة إبعادها عن الورم حتى لا تتمكّن بالفعل من مهاجمة السرطان». يضيف مالوني إن الباحثين يعملون على استراتيجيات لجعل الخلايا التائية أكثر مقاومة لذلك.
مشكلة أخرى هي أن المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية تقتل الخلايا السليمة إلى جانب الخلايا السرطانية. عندما تدمر هذه المستقبلات الخلايا البائية لدى الأشخاص المصابين بسرطان الدم، يمكن أن يصبح الجهاز المناعي أكثر عرضة للإصابة بالعدوى. وفقاً لروزنبرغ، للمساعدة في تجنب ذلك، يمكن للمرضى تلقي حُقن من الأجسام المضادة، وقد تتجدد الخلايا البائية التي تصنع الأجسام المضادة بمرور الوقت.
يختلف الأمر تماماً مع الأورام الصلبة. يقول روزنبرغ: «يمكنك العيش بدون الخلايا البائية خلال تلك الفترة عن طريق تلقّي الغلوبولين المناعي، بينما إذا قمت بالقضاء على أنسجة الكبد أو الرئة أو القلب أو الدماغ، فلا يمكنك البقاء على قيد الحياة».
لحسن الحظ، غالباً ما تكون الأورام الصلبة عرضة إلى حد ما للخلايا التائية التي تتكون بشكل طبيعي، والتي تتعرف على البروتينات غير الطبيعية الخاصة بهذه الخلايا السرطانية. يقول روزنبرغ: «لقد طفر الحمض النووي في الخلايا الطبيعية في هذه السرطانات الصلبة ... واتضح أن الخلايا التائية التقليدية تتعرف على نتاج تلك الطفرات».
لقد أمضى روزنبرغ وزملاؤه عدة عقود في البحث عن علاجات مشابهة من حيث المبدأ للعلاج بالمستقبلات الخيمرية للخلايا التائية لمحاربة السرطانات الصلبة.
تتضمن إحدى المقاربات تحديد الخلايا التائية الأفضل في التعرف على السرطان، ومضاعفة هذه الخلايا المحاربة للورم إلى أعداد أكبر بكثير في المختبر، وإعادة نقلها إلى المريض. الورم الميلانيني هو هدف جذاب بشكل خاص لهذا العلاج، وذلك لأنه يميل إلى أن يكون لديه العديد من الطفرات التي يمكن للخلايا التائية التعرف عليها. مع ذلك، فإن العلاج التجريبي يبشّر بالخير لأنواع أخرى من السرطان أيضاً، مثل سرطان الثدي النقيلي.
اقرأ أيضاً: تحرر الخلايا القاتلة الطبيعية: طريقة حديثة لعلاج السرطان
يقوم الفريق أيضاً باختبار تقنيات تستهدف المرضى الذين لا يمتلكون استجابة مناعية قوية بما يكفي من تلقاء أنفسهم. تصُمم الخلايا التائية المستخلصة من أجسام هؤلاء الأشخاص لتحمل نسخاً مخبرية من بروتينات الخلايا التائية التي توجد بشكل طبيعي، والتي ستتعرف على الطفرات الموجودة في الخلايا السرطانية، تماماً مثلما تُجهّز المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية ببروتينات اصطناعية.
يمكن أن يكون تنفيذ هذه العلاجات أكثر تعقيداً من العلاج بالمستقبلات الخيمرية للخلايا التائية، وذلك لأن الخلايا التائية تتعرف على الأورام الصلبة عن طريق الطفرات التي تختلف من مريض إلى آخر، بدلاً من جزيء شائع مثل «سي دي 19». يقول روزنبرغ: «إنه علاج شخصي للغاية، لكننا أظهرنا أنه يمكن أن يكون فعالاً»، ويضيف: «التحدي الرئيسي الذي نواجهه الآن هو تعميمه من الحالات المعزولة إلى العلاجات التي يمكن إدارتها على نطاق واسع».
العلاجات التي يعمل عليها روزنبرغ وفريقه والعلاج بالمستقبلات الخيمرية للخلايا التائية هي أشكال من «العلاج بالخلايا بالتبني»، وهو فرع من العلاج المناعي يتضمن إكثار أو هندسة الخلايا المناعية المستخلصة من المريض لمحاربة السرطان. يرى روزنبرغ أن أكثر السبل الواعدة للعلاج بالخلايا بالتبني سيكون ضد الأورام الصلبة في المستقبل.
يقول روزنبرغ: «هذا النهج الجديد تماماً لتركيب دواء للمريض باستخدام خلاياه الخاصة أدى إلى هذه الاستجابات الدرامية طويلة المدى التي أعادت الأشخاص من حالة المرض الشديد إلى الحياة الطبيعية، وهو نهج سيتم اتباعه في المستقبل دون شك».