ملخص: تتسبب لدغات الثعابين السامة بملايين حالات التسمم سنوياً، وهي تمثّل تهديداً صحياً على مستوى العالم. لكن طوّر الباحثون أداة جديدة تحمل اسم "فينوم كاب" يمكن استخدامها لكشف السموم الحيوانية على المستوى الجيني، ومن ثَم تحديد الثعابين التي تمتلك السموم القاتلة. تكشف هذه الأداة الجينات التي تركّب السموم في عائلة ثعابين كاملة دفعة واحدة. تختلف وظيفة السم باختلاف نوعه، ما يعني أن تحديد مكوناته يساعد على تطوير مضادات السموم. تتألف هذه الأداة من مجموعة من المجسات التي تلتقط جزيئات تحمل اسم "الإكسونات" وترتبط بالجينات التي تؤدي دوراً في تركيب السموم. تمثّل هذه الأداة طريقة أسرع لتحديد إن كان جسم الثعبان يحتوي هذه الجينات ولتحديد أنواعها. كشفت الدراسات السابقة العديد من الجينات المركّبة للسموم في الثعابين، ونجحت أداة فينوم كاب في مطابقة نتائج هذه الدراسات بدقة متوسطها 76%، وقد تساعد مستقبلاً على تطوير علاجات أكفأ للدغات الثعابين السامة.
على الرغم من أن نحو 10% فقط من أنواع الثعابين المعروفة التي يبلغ عددها نحو 4 آلاف نوع يمتلك سماً حيوانياً يؤذي الإنسان، يُفيد استخدام علم الوراثة لتحديد الثعابين التي قد تكون قاتلة في تسريع عملية تطوير علاجات أكفأ للدغات هذه الحيوانات. يمكن أن تساعد أداة جديدة تحمل اسم "فينوم كاب" (VenomCap) العلماء على كشف السموم الحيوانية على المستوى الجيني، ما يمكّنهم من تحديد الثعابين التي تمتلك السموم القاتلة. وصف الباحثون آلية عمل الأداة الجديدة في دراسة نشرتها مجلة موارد علم البيئة الجزيئي (Molecular Ecology Resources) بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول 2024.
قالت الأمينة المساعدة لقسم علم الزواحف في متحف فيلد (Field Museum) في شيكاغو والمؤلفة المشاركة للدراسة، سارة روان، في بيان صحفي: "طورنا أداة تكشف الجينات المنتجة للسموم الحيوانية في عائلة ثعابين كاملة دفعة واحدة".
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة توضّح سبب التنوع الهائل بين أنواع الثعابين
أنواع السموم الحيوانية
يحتوي كل كائن حي جزيئات الحمض النووي، التي تحتوي بدورها الجينوم، وهو مجموعة التعليمات التي تحدد آلية عمل الوظائف جميعها في جسم الكائن الحي. يحتوي جينوم الثعابين نحو 18-23 ألف جين، ويعتمد عدد الجينات على النوع. تشارك الآلاف من هذه الجينات في تركيب السموم الحيوانية، كما تستخدم أنواع مختلفة من الثعابين تركيبات وأنواع متعددة من الجينات لتركيب السموم.
قالت روان: "من المهم أن نعرف ما يتألف منه سم الثعبان لأن وظيفة السم تختلف باختلاف نوعه؛ إذ إن بعض السموم يؤثر في الجهاز العصبي وبعضها يؤثر في جهاز الدوران، بينما تؤثر أنواع أخرى في وظيفة الخلية. يساعد تحديد محتويات نوع معين من السم على تطوير مضاد خاص به يعالج ذلك النوع المحدد من لدغات الثعابين".
بالإضافة إلى ذلك، استخدم الخبراء بعض المركبات في سموم الثعابين لصنع الأدوية المخصصة للبشر؛ على سبيل المثال، طوّر العلماء أول دواء مثبط للإنزيم المحول للأنجيوتنسين لعلاج ارتفاع ضغط الدم باستخدام مركّب مستخرج من سم أفعى الحفر البرازيلية.
تقول روان: "نستطيع الاستفادة من فعالية المركبات المميتة بطريقة متحكّم بها".
آلية عمل الأداة الجديدة
هناك الآلاف من الجينات التي تركّب السموم، ويحتوي الجينوم الكامل لكل ثعبان عشرات الآلاف من الجينات، ما يجعل تحديد الجينات التي تحتوي عليها السموم صعباً. لذا، طوّرت روان وفريقها أداة فينوم كاب لتسهيل هذه العملية وكشف جينات السموم الحيوانية.
تتألف هذه الأداة من مجموعة من المجسات التي تلتقط مجموعات من الجزيئات تحمل اسم "الإكسونات"، المصممة لتتفاعل مع مجموعة معينة من الجينات. ترتبط هذه المجسات بالجينات المعروفة بأنها تؤدي دوراً في تركيب السم في الثعابين، والتي يبلغ عددها آلاف الجينات. فبدلاً من تحديد سلسلة جينوم الثعبان بأكمله (وهي عملية تكلّف الكثير من الوقت والمال) والبحث في أكثر من ألفي جين من الجينات التي قد تركّب السموم، تمثّل أداة فينوم كاب بديلاً أسرع وأسهل يستطيع العلماء استخدامه لتحديد إن كان جسم الثعبان يحتوي هذه الجينات ولتحديد أنواعها أيضاً.
اختبر الفريق في الدراسة الجديدة قدرة أداة فينوم كاب على الارتباط مع الجينات المركبة للسموم، واستخدم الباحثون عينات الأنسجة من 24 نوعاً من الثعابين من عائلة الرحيّات (Elapidae). تحتوي هذه العائلة نحو 400 نوع من الثعابين، منها ثعابين المرجان والكوبرا والمَمبة، وهي مهمة طبياً لأن لدغاتها قد تدمر الأنسجة وتتسبب بالعمى وتوقّف القلب وغيرها من المشكلات الصحية.
اقرأ أبضاً: كيف يمكن حل مشكلة لدغات الثعابين السامة؟
كشفت الدراسات الجينومية السابقة العديد من الجينات المركّبة للسموم في ثعابين عائلة الرحيّات. ووفقاً للدراسة الجديدة، نجحت أداة فينوم كاب في مطابقة نتائج هذه الدراسات بدقة بلغت 76% في المتوسط. يعتقد الفريق أنه يمكن استخدام هذه الأداة لفحص الأنسجة المستخرجة مسبقاً من أي مكان في جسم الثعبان، بدلاً من الأنسجة المستخرجة مباشرة من غدد السموم.
قد يسهّل استخدام الأداة أيضاً دراسة العلاقة بين الثعابين في عائلة الرحيّات وأنماط حياتها وأنواع السموم التي تركّبها.
قالت روان: "إذا كان عالم ما مهتماً بأنواع من الثعابين المتقاربة جينياً والمتباينة ظاهرياً، وتعيش في بيئات مختلفة وتتغذّى على أطعمة مختلفة، فيستطيع استخدام فينوم كاب لمقارنة السموم التي تركبها هذه الثعابين، ما قد يساعد على الإجابة عن أسئلة أعم تتعلق بتحديد إن كانت السموم تتطوّر للتكيّف مع أنماط حياة الثعابين أم إن أنماط حياة هذه الحيوانات تتغير للتكيّف مع السموم التي تركّبها".
تهديد عالمي للصحة
قد يساعد استخدام أداة مثل فينوم كاب العلماء على تطوير أساليب أكفأ لعلاج لدغات الثعابين القاتلة. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يتعرض نحو 5.4 ملايين شخص للدغات الثعابين سنوياً، مسببة ما يتراوح بين 1.8 مليون و2.7 مليون حالة تسمم و81,410 إلى 137,880 حالة وفاة سنوياً.
قالت روان: "لدغات الثعابين هي أمراض مُهملة على مستوى العالم. لا يتعرض الكثيرون في الولايات المتحدة للدغات الثعابين السامة، ويحصل الأشخاص عادة على العلاج الطبي العالي الفعالية عندما يحدث ذلك؛ كما أن احتمال وفاتهم بسبب هذه اللدغات شبه معدوم إذا دخلوا المستشفى على الفور".
اقرأ أيضاً: خلافاً للاعتقاد الشائع: الثعابين قادرة على سماع أصوات البشر
ومع ذلك، تنتشر الثعابين السامة بكثرة في مناطق أخرى من العالم. تحتوي أستراليا مثلاً أكثر أنواع الثعابين السامة شهرة في العالم، تليها الهند، ثم العديد من دول شمال إفريقيا. قد يتعرض الأشخاص إلى اللدغات في مناطق نائية لن يتمكنوا فيها من الحصول على الرعاية الطبية، وقد لا تتوافر لدى المستشفيات الأنواع المناسبة من مضادات السموم أيضاً بسبب نقص الإمدادات.
قالت روان: "أي بحث ينظر في سموم الثعابين ويساعدنا على تحديد السموم التي تمتلكها أنواع مختلفة من هذه الحيوانات مهم للغاية لتوفير بيانات أساسية يمكن استخدامها لتطوير علاجات فعالة".