لماذا لا تُختبر الأدوية التي توصف للأطفال مثل أدوية البالغين؟

9 دقيقة
لماذا لا تُختبر الأدوية التي توصف للأطفال مثل أدوية البالغين؟
لا تلبي أدوية الأطفال نفس المستوى الذي يتوقعه الجميع للبالغين. إي + / جيتي إيماجيس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعمل مارك تيرنر في مجال طب الأطفال منذ أكثر من 30 عاماً، وسئم من إخبار الآباء والأمهات بأن حالة أطفالهم ميؤوسة منها. ووفقاً له، فإن عدد الأدوية التي تُطوّر خصيصاً للأطفال قليل للغاية؛ إذ قال: “إنه وضع صعب للغاية، أن ترى الأطفال مرضى والرضّع يموتون”.

يشير تيرنر إلى النقص في الأبحاث التي تنظر في تأثير الأدوية المختلفة في الأطفال. تُمنح الموافقة على استخدام الأدوية عادة على أساس تأثيرها في البالغين، وينطبق ذلك على الحالات المرضية جميعها تقريباً، مثل اضطرابات الصحة النفسية والسرطان والأمراض النادرة.

اقرأ أيضاً: ما الاحتياطات التي يجب اتباعها عند تناول الأدوية التي تُعطى دون وصفة طبية؟

وصف الأدوية للأطفال لغير غرضها المعتاد

بالنتيجة، توصف للأطفال عادة الأدوية “لغير غرضها المعتاد”، ما يعني أن هذه الأدوية تُستخدم بطريقة مختلفة عما هو مذكور بدقة في النشرة المرفقة بالعبوة. قالت المديرة التنفيذية لمؤسسة آي-أيه سي تي فور تشيدلرن (I-ACT for Children)، وهي مؤسسة غير ربحية تسعى إلى تعزيز قدرة الأطفال على الحصول على الأدوية، فيفيانا غوزمان، إن أغلبية الأدوية الموصوفة لحديثي الولادة توصف لغير غرضها المعتاد، وكذلك الأمر بالنسبة لنحو نصف الأدوية الموصوفة للأطفال الأكبر سناً.

يمكن أن يتسبب ذلك للأطباء والآباء بمعضلة كبيرة. وفقاً لما قاله الخبراء لموقع أندراك، على الرغم من أن الأغلبية العظمى من الأدوية التي تُوصف لغير غرضها المعتاد للأطفال تبدو آمنة، يعرّض غياب الاختبارات المناسبة الأطفال لخطر الإصابة بآثار جانبية أعلى نسبياً من الخطر الذي يتعرض له البالغون. كما أن الأدوية التي تُعدّ فعّالة لدى البالغين قد تكون أقل فاعلية لدى الأفراد الأصغر سناً. بالإضافة إلى ذلك، قد يفتقر الأطباء والآباء في الحالات الصعبة التي تكون فيها الحاجة إلى الدواء مُلحة إلى إمكانية الوصول إلى التجارب السريرية، التي استُثنى منها الأطفال تاريخياً. قال الخبراء إن أسباب ذلك عمليّة وماليّة في الوقت نفسه.

أكدت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال أن وصف الأدوية لغير غرضها المعتاد لا ينطوي بالضرورة على مخاطر كبيرة. بدلاً من ذلك، فهو يعني أن الدواء لا يتوافق مع مبادئ إدارة الغذاء والدواء التوجيهية الأميركية، التي تنصُّ على ضرورة إجراء دراسات على المجموعة التي ستستخدم الدواء، أي الأطفال في هذه الحالة.

في غياب الأدلة التي تبين أمان هذه الأدوية من عدمه، تصوغ المجموعات الطبية إرشادات للجرعات بناءً على إجماع الخبراء. قد يستند هذا الإجماع على مزيج من الخبرات السريرية والمراجعات المنهجية للأدبيات العلمية والمدخلات من الجهات الرقابية أو المنظمات مثل منظمة الصحة العالمية. يقول تيرنر، الذي يشارك في مشروع أوروبي لدعم إجراء التجارب السريرية المخصصة للأطفال، إن تحديد هذه الإرشادات ليس تخمينياً مثل رمي عملة معدنية، لكنه يُضيف قائلاً إن حقيقية أن أدوية الأطفال لا ترقى للمعايير نفسها التي يتوقعها الجميع فيما يتعلق بأدوية البالغين لا تمثّل وضعاً مثالياً.

لماذا استُبعِد الأطفال تاريخياً من تجارب الأدوية؟

طُوّرت الأدوية على أساس ظرفي حتى ستينيات القرن العشرين، عندما أدّت فضيحة مركّب ثاليدوميد إلى إجراء إصلاحات في عملية الموافقة على الأدوية التي تجريها إدارة الغذاء والدواء. بدأت الوكالة باشتراط اختبار فاعلية الأدوية والأجهزة الطبية في حالات معينة ضمن التجارب السريرية قبل أن تُوصف على نطاقٍ واسع. جادل كل من علماء أخلاقيات الطب والجهات الرقابية عبر عقود من الزمن بأنه يجب استبعاد الأطفال من هذه التجارب لأنهم فئة سكانية مستضعفة تُعدّ معرضة لخطر الاستغلال من قبل الباحثين.

يتفق العلماء اليوم على أن الأبحاث آمنة بما يكفي للأطفال، الذين سيستفيدون كثيراً من المشاركة في التجارب السريرية. لكن التغيير بطيء. قالت أستاذة طب الأطفال المساعدة في كلية هارفارد للطب، فلورنس بورجوا: “لا تُطوّر الأدوية خصيصاً للأطفال في معظم الأحيان؛ إذ إنها تطور للبالغين ويُختبر استخدامها لدى الأطفال في بعض الحالات”. يؤدي ذلك إلى انخفاض الثقة في أمان الأدوية وفاعليتها عند استخدامها في فئة الأطفال.

اكتشف العلماء في دراسة استغرقت عقداً من الزمن نظروا فيها في 1.74 مليار زيارة للمرضى الأطفال غير المقيمين في المستشفيات أنه نتج عن نحو 40% من الزيارات وصفة طبية لغير غرض الأدوية المعتاد. كانت مضادات الهيستامين الأدوية الأكثر شيوعاً التي وُصِفت لغير غرضها المعتاد، وتلتها المضادات الحيوية ومضادات الاكتئاب. قال أستاذ طب الأطفال وعلم الأوبئة المشارك في جامعة راتغرز والمؤلف المشارك لهذه الدراسة، دانيال هورتن، إن الأدلة التي تدعم فوائد مضادات الاكتئاب لدى الأطفال أقل من نظيرتها لدى البالغين.

جادل كل من علماء أخلاقيات الطب والجهات الرقابية عبر عقود من الزمن بأنه يجب استبعاد الأطفال من التجارب السريرية لأنهم فئة سكانية مستضعفة وتعد معرضة لخطر الاستغلال من قبل الباحثين.

قال هورتن إن أغلبية مضادات الاكتئاب التي يتلقاها الأطفال، مثل ترازودون وسيتالوبرام وبوبروبيون (الذي يباع باسم “ويلبوترين”)، لم تحصل على الموافقة لعلاج الاكتئاب أو أي حالة أخرى لدى الأطفال، وتشمل آثارها الجانبية المحتملة السلوك الانتحاري والمشكلات القلبية. (أشار هورتن إلى أنه ليس طبيباً نفسياً). أضاف هورتن قائلاً إن واصفي الأدوية هذه يعرفون بعض المخاطر الموثقة، لكن بعض المخاطر ليس معروفاً جيداً.

يوصَف دواء سيرترالين، المعروف أيضاً بالاسم التجاري “زولوفت”، للأطفال والمراهقين المصابين بالاكتئاب غالباً، على الرغم من أنه حصل على الموافقة لعلاج الوسواس القهري لدى الأطفال فقط. قال هورتن في رسالة عبر البريد الإلكتروني إنه على الرغم من أن إحدى الدراسات بيّنت فوائد طفيفة لهذا الدواء لدى الشباب المصابين بالاكتئاب، فإنها كشفت أيضاً عن العديد من الآثار الجانبية. قال هورتن: “أدّى ذلك إلى عدم موافقة الجهات الرقابية على هذا الدواء”.

اقرأ أيضاً: إليك ما نعرفه عن أول دواء لمرض ألزهايمر

غياب الاختبارات على الأطفال أفسح الطريق للكثير من الآثار الجانبية

أشارت الورقة البحثية التي ألّفها هورتن إلى أن طلب الأدوية المستخدمة لغير غرضها المعتاد آخذ في الارتفاع، ما قد يزيد فرص الأخطاء والنتائج غير المتوقعة. تؤدي الأدوية التي وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء إلى ردود فعل سيئة لدى نسبة تتراوح بين 1% و2% من الأطفال الذي يحصلون على الرعاية في المستشفيات دون الإقامة فيها. قال هورتون إن المعدل يرتفع بمقدار نصف نقطة مئوية تقريباً عندما يتلقى هؤلاء الأدوية الموصوفة لغير غرضها المعتاد. لذلك، الخطر الذي يتعرض له الأطفال منخفض، وأحياناً تقتصر ردود الفعل السيئة على الطفح الجلدي المؤقت أو الإسهال. لكن الآثار الجانبية تكون مهددة للحياة أحياناً، مثل عدم انتظام ضربات القلب أو خطر الانتحار. يكون خطر ظهور النتائج السيئة أعلى بالنسبة للأطفال الذين يعانون مرضاً كامناً أو الذين يتناولون عدة أدوية.

درس الباحثون في ورقة بحثية نُشرت عام 2017 ردود الفعل الضارة لدى الأفراد الذين يتناولون مضادات الذُّهان، التي توصف عادة لغير غرضها المعتاد للشباب الذين يعانون العدوانية وغيرها من المشكلات السلوكية. لاحظ الباحثون بفحص بيانات نظام الإبلاغ الرسمي لإدارة الغذاء والدواء أن الأطفال كانوا أكثر عرضة من البالغين لأن يصبحوا عدوانيين ويظهروا سلوكاً غير طبيعي ويعانوا بسبب الأفكار الانتحارية عند تناول هذه الأدوية.

الأطفال معرضون لآثار جانبية أكثر أو آثار مختلفة لأن أجسامهم تختلف للغاية عن أجسام البالغين. فمن إحدى النواحي، هم يزدادون عمراً وينمون بمعدل أعلى نسبياً. يقول الخبراء إنه من المحبّذ أن تقيّم الدراسات العلمية تأثير الأدوية في كل مرحلة من مراحل النمو. الحل ليس في تقسيم الجرعة لاثنتين للمراهقين ولأربعة لحديثي الولادة، بل يجب على الممارسين أن يأخذوا في الاعتبار المدة التي يستغرقها خروج الأدوية الفموية من معِدات المرضى وكيفية تفاعلها مع الكبد والكلى والأحشاء والأمعاء.

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي بعض الأعضاء الوظائف بطريقة مختلفة لدى الأطفال. على سبيل المثال، كلى الأطفال أقل نشاطاً من كلى البالغين، ما قد يؤدي إلى تراكم السموم أو انخفاض فاعلية الأدوية. كما أن أجسام الرضّع والأطفال الصغار تعالج الطعام بسرعة أكبر من أجسام أقرانهم البالغين، ونسبة الدهون فيها أقل. قال تيرنر إن أجسام الأطفال الحديثي الولادة “تحتوي على نسبة أكبر بكثير من الماء ونسبة أقل من الدهون من غيرهم”.

تجعل هذه الحقائق البيولوجية توفير الرعاية الطبية للأطفال في مراكز العناية المركزة لحديثي الولادة صعباً بصورة خاصة. لم تُختبر الأغلبية الساحقة من الأدوية التي يتلقاها الأطفال على البشر الذين يتمتعون بهذا الحجم، ويشمل ذلك الطعام الذي يُحقن وريدياً. قد يكون تمييز أعراض الأمراض عن الآثار الجانبية للأدوية صعباً عند علاج هؤلاء الأطفال. يقول تيرنر إن عدد التفاعلات الدوائية الضارة التي تُبلَّغ إلى نظام الإبلاغ الوطني في المملكة المتحدة سنوياً يبلغ نحو 10 تفاعلات، ولكن هذا الرقم منخفض لدرجة أنه غير قابل للتصديق. عندما أجرى تيرنر وزملاؤه دراسة دقيقة على أحد المستشفيات، اكتشفوا أن 35 من أصل 193 مولوداً جديداً، أي نحو 18% من الأطفال الحديثي الولادة، عانوا التفاعلات الدوائية الضارة. شملت هذه الآثار الحمى وارتفاع معدل ضربات القلب وتراجع وظيفة الكلى.

قال تيرنر إن “عدد التفاعلات الدوائية الضارة لا بُدّ أن يكون” أكبر من العدد الذي أُحصي رسمياً. لا يعرف الأطباء كيفية تحديد هذه التفاعلات على وجه اليقين.

وفقاً لبورجوا، التي درست حالة الأدوية الموصوفة لغير غرضها المعتاد في 52 مستشفى للأطفال في الولايات المتحدة، قد لا يكون الأطباء واثقين من فاعلية الدواء في فئة الأطفال حتى عندما يكون خطر الآثار الجانبية منخفضاً؛ إذ تقول إنهم “يصفون أدوية للأطفال لا تعمل في نهاية المطاف” في الكثير من الحالات.

صعوبة الحصول على العلاجات التجريبية للأطفال

بالإضافة إلى ذلك، يزيد الانخفاض النسبي في معدّل الأبحاث على الأطفال صعوبة حصول الأطفال المصابين بالأمراض النادرة على العلاجات التجريبية، التي تعد متاحة للبالغين المشتركين في التجارب السريرية. أرادت جيليان أرنولد استخدام دواء تجريبي لعلاج ابنها رومان الذي يعاني حالة تحمل اسم “نقص إنزيم السفينغوميليناز الحمضي”. تُصيب هذه الحالة شخصاً من كل 250 ألف شخص في الولايات المتحدة، وتتسبب بالتهابات حادة في الأعضاء الحيوية، ومنها الدماغ. تصف أرنولد في مدونتها الصوتية بعنوان “اعترافات أم يعاني ابنها مرضاً نادراً” (Confessions of a Rare Disease Mama) هذا المرض بأنه نوع من آلزهايمر الأطفال لأنه يتسبب بفقدان المهارات التي اكتسبها المرضى مثل المشي أو الابتسام.

تتذكر أرنولد أن رومان عانى اضطراباً في الجهاز الهضمي وكان يتقيأ 5 أو 6 مرات يومياً أحياناً إضافة إلى الأعراض الإدراكية؛ إذ قالت: “وصلنا إلى مرحلة كنا نضطر فيها للامتناع عن مغادرة المنزل لأن رومان كان يتقيّأ كثيراً”.

كانت خيارات العلاج المتاحة محدودة، ولكن كانت تجرى تجربة سريرية لدواء مصمم لتخفيف أعراض نقص إنزيم السفينغوميليناز الحمضي الهضمية المعوية. لكن المشكلة كانت أن أرنولد فوتت تاريخ التسجيل في التجربة. قالت أرنولد إنها ضغطت على شركة الأدوية كثيراً، ووصفت التجربة التي خاضتها حينها بأنها “مرعبة”. لكنها تمكنت من الحصول على الدواء بعد سنة، وقالت إنه خفف الأعراض الجسدية التي عاناها رومان، كما أنه حسّن حالة ابنتها التي ولدت بعد 8 أشهر من تشخيص رومان وكانت مصابة بالمرض نفسه أيضاً.

قالت أرنولد: “أصف هذا الدواء بأنه دواء معجزة لأنه غيّر حياتنا”.

علمت أرنولد لاحقاً بوجود دواء قد يرمم التلف العصبي الذي يعانيه طفلاها. تناول البالغون المصابون بنقص إنزيم السفينغوميليناز الحمضي هذا الدواء بصفته علاجاً أولياً. ولم يتناوله سوى طفل واحد من قبل. عرضت أرنولد الفكرة على أطبائها وعملت مع مؤسسة خيرية للحصول على الدواء وحضرت اجتماعات مع شركة الأدوية التي طورته. تلقّى رومان الدواء بعد سنة وتلقته أخته بعد سنة من ذلك.

قالت أرنولد متفكرة في تجربتها إن الأطفال المصابين بنقص إنزيم السفينغوميليناز الحمضي يعيشون بضع سنوات فقط أحياناً. ولهذا عملت جاهدة للحصول على علاج تجريبي وكانت فترة الانتظار صعبة للغاية. قالت أرنولد: “أدركنا أن طفلينا سيموتان إذا لم يحصلا على العلاج، وأن هذا سيحدث بسرعة”.

السوق أولاً!

أشار الخبراء الذين تحدثوا مع موقع أندارك إلى سببين رئيسيين لانخفاض عدد الأطفال المشاركين في التجارب السريرية، وهما الحوافز المالية والخدمات اللوجستية.

يُخصّص العديد من الأدوية التي تحقق أعلى الأرباح للحالات التي تصيب البالغين في المقام الأول، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والضمور البقعي المرتبط بالعمر. وفقاً لأستاذ طب الأطفال والطب الداخلي السريري في كلية الطب بجامعة نيفادا في مدينة رينو في ولاية نيفادا الأميركية، ماكس كوبِس، يمثّل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً نسبة 1% فقط من مرضى السرطان. قال كوبس: “هذه نسبة 1% من السوق”. لا تستفيد شركات الأدوية كثيراً من إجراء تجارب إضافية، لذا فهي لا تفعل ذلك. قال كوبس: “هذا هو الواقع”. هذا بالفعل هو الوضع الذي ألّفه أطباء الأطفال.

“أصف هذا الدواء بأنه دواء معجزة لأنه غيّر حياتنا”

هناك أيضاً عقبات غير مالية. يمثّل الأطفال مجموعة تتمتع بصحة أفضل مقارنة بالبالغين، ما يجعل إشراك عدد كافٍ من المرضى الأطفال في التجارب السريرية صعباً بالنسبة للشركات. إذا أراد خبراء أحد المستشفيات إجراء تجربة سريرية على دواء لعلاج مرض نقص إنزيم السفينغوميليناز الحمضي، من المرجح أنهم سيضطرون إلى إشراك المرضى الصغار السن الذين يعيشون خارج الولاية أو حتى في بلد آخر. وقد يستغرق تحديد تأثير العلاج سنوات عندما يتعلق الأمر بحالات النمو العصبي مثل الشلل الدماغي.

يحاول كل من السياسيين والوكالات الحكومية حل هذه المشكلة. أقر الكونغرس الأميركي مشروع قانون باسم “أفضل الصناعات الدوائية للأطفال” (Best Pharmaceuticals for Children Act) في عام 2002، الذي مدد فترة حصرية براءات الاختراع لشركات الأدوية إذا شملت تجاربها السريرية في عملية منح الموافقة على الأدوية الأطفال. وأقر الكونغرس عام 2003 مشروع قانون باسم “الإنصاف في أبحاث طب الأطفال” (Pediatric Research Equity Act)، الذي منح إدارة الغذاء والدواء سلطة إلزام شركات الأدوية بإجراء دراسات أولية معيّنة على الأطفال. جُمعت هذه التدابير في الاتحاد الأوروبي فيما يُدعى “قانون طب الأطفال” (Pediatric Regulation) الذي صدر في عام 2007.

قالت بورجوا إن مشروعات القوانين هذه جميعها لها عيوب. على سبيل المثال، تعالج الأدوية التي تحقق أعلى الأرباح الحالات التي يصاب بها البالغون مثل سرطان الثدي أو البروستاتا عموماً. تستخدم شركة فايزر مكوناً يحمل اسم سيلدينافيل في دواء لعلاج ارتفاع ضغط الدم وفي الفياغرا، العلاج الشائع لضعف الانتصاب. قدمت الشركة وثائق حول صلة هذا المكون بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال وحصلت على براءة اختراع إضافية بمدة تبلغ 6 أشهر لكل من دواء ارتفاع ضغط الدم والفياغرا المربح للغاية على الرغم من عدم ثبوت سلامة هذا المكوّن لدى الأطفال.

كتبت بورجوا في ورقة بحثية نُشرت في مجلة نيو إنغلاند الطبية (New England Journal of Medicine) أن هذه “نتيجة مربحة”. وقالت في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع أندارك إن دراسات الشركة مفيدة وتساعد على إرشاد الأطباء الذين يصفون الأدوية لغير غرضها المعتاد. لكن أضافت بورجوا قائلة إن شركات الأدوية تختار ما ستدرسه “بناءً على الإيرادات الكبيرة للبالغين بدلاً من النظر في حاجات الأطفال”. أشار المتحدث باسم شركة فايزر، أندرو ويدجر، إلى أن الجهات الرقابية هي التي تحدد قيمة الأبحاث المتعلقة بطب الأطفال، وقال في إشارة إلى الورقة التي ألّفتها بورجوا في مجلة نيو إنغلاند الطبية: “لن أعلق على تكهنات الآخرين. يجب أن ننظر إلى كل دواء على حدة، وسندرس الدواء إذا لاحظنا وجود مؤشرات تُبيّن أنه مفيد في مجال طب الأطفال”.

لا تُطبق مشروعات القوانين السابقة الذكر على الأدوية العديدة التي انقضت مدة صلاحية براءة اختراعها. قالت بورجوا: “يصبح تطبيق المشروعات على هذه الأدوية صعباً بمجرد أن تصبح هذه الأخيرة بالصيغة العامة”.

اقرأ أيضاً: تعرّف على الأدوية الحساسة للحرارة وطرق حفظها

يصبح إجراء التجارب حتى على المرضى الأصغر سناً والأضعف مجدياً عندما تتوافق الحوافز. مُنحت مؤخراً الموافقة على علاجين لحالة عينية تُصيب فقط الأطفال المولودين قبل الأوان أو الذين يقل وزنهم عن نحو كيلوغرام ونصف. يتسبب هذا المرض في حالاته الشديدة بتراجع البصر أو حتى العمى. وفقاً لتيرنر، هذه قصة نجاح من النوع الذي يود أن يشهد المزيد منه في المستقبل؛

إذ قال: “ندرك الآن أننا نريد حماية الأطفال من خلال إجراء الأبحاث، ولا نريد حمياتهم من الأبحاث”.