ابتكر عالم من جامعة الشارقة حبة دواء يمكن استخدامها في علاج السموم بمختلف أنواعها وعلى رأسها المبيدات والسموم الكيميائية الناتجة عن غازات يمكن أن تُستخدم في الحروب والأسلحة الكيميائية. هذا الابتكار الذي بدأ يستقطب شركات الأدوية العالمية منذ أصدر الدكتور معتصم قلعجي بحثه الذي قدّم فيه هذا الدواء الجديد، يعتبر ثورة جديدة في ابتكار علاجات السموم وحلاً لمراحل طويلة ومعقدة تُستخدم في علاج الأمراض الناتجة عن التسمم، وكل ذلك بفضل هذا الابتكار العلمي المتمثل بحبة دواء.
وقال الأستاذ ورئيس قسم الصيدلة والتكنولوجيا الصيدلانية في جامعة الشارقة، معتصم (مارك) رواس قلعجي مبتكر الدواء، إن الدواء الجديد هو تركيبة دوائية بديلة ملائمة للمرضى، ومنخفضة التكلفة مقارنة بالحقن المستخدمة حالياً، وتهدف إلى البدء بالعلاج بينما ينتقل المرضى إلى المستشفى.
وأضاف أن الترياق الوحيد الذي يمكن استخدامه خارج المستشفى للسميّة الناجمة عن مبيدات الآفات المستخدمة على نطاق واسع في الزراعة والغازات المستخدمة في الحروب، هو تلقّي عدة جرعات من دواء يحمل اسم كبريتات الأتروبين عبر أجهزة الحقن الذاتي.
هذا الترياق هو علاج معتمد لحالات التسمم الناجمة عن مركبات الفوسفات العضوي، وهي مواد كيميائية صنعها البشر ويستخدمها المزارعون في جميع أنحاء العالم على نطاق واسع لإبادة الحشرات.
اقرأ أيضاً: الطرق الفعالة للتخلص من سموم الجسم
مركبات الفوسفات العضوي هي مواد منخفضة التكلفة بالنسبة للمزارعين ذوي الدخل المنخفض الذين يستخدمونها على نطاق واسع في الزراعة والحدائق والممارسات البيطرية وحتى المنازل.
للأستاذ رواس-قلعجي الكثير من الأبحاث عن التسمم بالفوسفات العضوي وأنواع التسمم الكيميائي الأخرى، ويوضّح أن أجهزة حقن كبريتات الأتروبين الذاتي متوفرة فقط للاستخدام العسكري، ويتطلب استخدامها إجراء عدة عمليات حَقن ذاتي.
حبوب الأتروبين تحت اللسانية سريعة الذوبان
يقدّم الأستاذ رواس قلعجي، المؤلف الرئيسي للبحث الابتكاري الذي نُشر في المجلة الدولية للصيدلانيات (International Journal of Pharmaceutics) في عام 2021، تفاصيل عن التركيب الكيميائي للدواء الجديد وعملية تصنيعه.
هذا الدواء الجديد، الذي أطلق عليه مبتكره اسم "حبوب الأتروبين تحت اللسانية سريعة الذوبان"، موضوع أطروحات الدكتوراة والعديد من المقالات في المجلات الأكاديمية، وقد حصل الأستاذ رواس قلعجي على براءة اختراع للدواء بعد نجاحه في تجارب المرحلة ما قبل السريرية التي نشرت نتائجها في المجلات الأكاديمية الرائدة، ويقول إنه توصّل إلى التركيبة وتقنية التصنيع المطلوبة لإجراء الدراسات السريرية، التي يجب أن تُجرى قبل أن تتمكن الهيئات التنظيمية الدوائية الأميركية أو الأوروبية من الموافقة على استخدام الدواء.
منذ أن نشر الأستاذ قلعجي سلسلة تقاريره البحثية الأكاديمية أول مرة في عامي 2006 و2007 حول تركيبته الدوائية الجديدة تحت اللسانية المخصصة لعلاج مختلف الحالات الطبية الطارئة، استخدم الكثير من الباحثين الأكاديميين هذه التركيبة وتقنية التصنيع التي طوّرها كنقاط انطلاق، ما عزّز النتائج التي توصّل إليها.
اقرأ أيضاً: 6 أمثلة لتداخلات غذائية دوائية يجب تجنبها
العديد من براءات الاختراع
حصل رواس قلعجي على أولى براءات الاختراع من مكاتب براءات اختراع أوروبية وإسبانية في عامي 2019 و2020، ولا تزال طلبات براءات الاختراع الأميركية والكندية معلّقة، كما أنه يشعر بالتفاؤل حيال أهمية "التجارب التي ستُجرى على حبوب كبريتات الأتروبين تحت اللسانية سريعة الذوبان الجديدة هذه"، حسب تعبيره، ويعتقد أن اختراعه قابل للاستخدام بصفته "جرعة يمكن منحها بسهولة" وبديلاً جيداً للعلاج الحالي للتسمم بمركبات الفوسفات العضوي.
وقد ذكر الدكتور الحسين عودة في أطروحة دكتوراة منشورة ومقدّمة لجامعة نوفا ساوث إيسترن في ولاية فلوريدا الأميركية عام 2017، أن الباحثين الأكاديميين "تبنّوا اختراع الأستاذ رواس قلعجي على أنه نقطة انطلاق لتطوير حبوب الأتروبين تحت اللسانية سريعة الذوبان"، ويؤكد رواس قلعجي أن الأبحاث الأكاديمية أثبتت جدوى حبوب الأتروبين تحت اللسانية سريعة الذوبان كدواء على شكل جرعات يمكن استخدامه لعلاج التسمم بالفوسفات العضوي".
حل فعّال
وفقاً للأستاذ في معهد العمل والصحة الألماني، فولفغانغ بوديكر، تُقدّر الإحصاءات الواردة في الأبحاث الأكاديمية أن هناك الملايين من حالات التسمم بالمبيدات الحشرية في جميع أنحاء العالم، "ومنها نحو 11 ألف حالة وفاة" سنوياً.
وكتب بوديكر في دراسته بعنوان "التوزّع العالمي للتسمم الحاد غير المتعمّد بمبيدات الآفات: تقديرات مبنيّة على مراجعة منهجيّة" التي استُشهد بها على نطاق واسع: "استناداً إلى أن عدد السكان الذين يمارسون الزراعة في العالم يبلغ نحو 860 مليوناً، يتعرّض نحو 44% منهم للتسمم بالمبيدات الحشرية سنوياً".
بيّنت أبحاث رواس قلعجي أن الدواء الجديد يمكن أن يمثّل بديلاً فعّالاً للتركيبة الدوائية الحالية القابلة للحقن يمكن استخدامه في أثناء الحروب عندما يعاني كلٌّ من المدنيين والعسكريين من الأسلحة الكيميائية التي تحتوي على الفوسفات العضوي أو السموم العصبية مثل السارين، كما أن الدواء الجديد فعّالٌ في علاج فرط الألعاب، أو سيلان اللعاب، وهي حالة طبية لا يوجد لها دواء فموي معتمد في السوق حتى الآن.
وعن سهولة استخدام الحبوب وسرعة فاعليتها، وضّح رواس قلعجي أن الحبوب الجديدة تذوب في أقل من 10 ثوانٍ دون الحاجة إلى تناول الماء، وتُطلق على الفور الدواء الذي يُمتص في منطقة تحت اللسان ويدخل مباشرةً في الدورة الدموية الكبرى، ما يجعله مناسباً لعلاج الحالات الطارئة، حيث توفّر هذه الحبوب وسيلة أكثر ملاءمة وسرعة لعلاج حالتين طبيتين مختلفتين.
اقرأ أيضاً: إليك أحدث ما توصل إليه العلم في علاج السرطان
حالياً، يستكمل العلماء المزيد من الدراسات على الحيوانات التي ستمكّن شركات الأدوية الدولية من الحصول على الترخيص لمتابعة الدراسات السريرية والحصول على تمويل لإنتاج الدواء على نطاق واسع.
ويقول رواس قلعجي: "أنا واثق بمستوى المعرفة التي اكتسبناها في الأبحاث التحويلية وتطوير المنتجات على مدار سنوات، ونحن قادرون على متابعة هذا الهدف الطموح بمجرد توحيد الجهود".