كيف أدى انتشار خطأ الوصفات الطبية إلى ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية؟

4 دقيقة
كيف أدى انتشار خطأ الوصفات الطبية إلى ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Fahroni
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تخيل عالماً يمكن أن يقتلك فيه جرحٌ بسيط، وحيث يمكن أن تتحول العدوى الشائعة إلى مرض مميت، وتصبح الجراحة محفوفة بالمخاطر للغاية. هذا ليس سيناريو لفيلم رعب أنتجته هوليوود، بل هو تهديد حقيقي يمكن أن يؤثّر في ملايين الأشخاص في المستقبل القريب. إنه الخطر المتمثل في مقاومة المضادات الحيوية.

في جلسة المنتدى الاقتصادي العالمي حول “مواجهة عالم بدون مضادات حيوية”، التي عُقِدت في 16 يناير/كانون الثاني عام 2024 في دافوس بسويسرا، أفاد الخبراء بأن أكثر من 1.3 مليون شخص قد لقوا حتفهم عام 2019 قبل الوباء نتيجة وصفات طبية خاطئة، حيث تمكّنت مسببات الأمراض غير المعنية بالوصفة من تطوير مقاومة للمضادات الحيوية، وتوقعوا أن يصل العدد إلى 10 ملايين حالة وفاة عام 2050.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: الاستخدام الطويل الأمد لمضادات الحساسية يسيء للذاكرة

ما أسباب وعواقب هذه الظاهرة؟ وكيف يمكننا الوقاية منها والتأكد من الحصول الجميع على العلاج المناسب لاحتياجاتهم الصحية؟ 

ما هي المضادات الحيوية؟

المضادات الحيوية، هي مواد تنتجها البكتيريا أو الفطريات يمكنها القضاء على أنواع أخرى من البكتيريا حصراً. أول مَن اكتشفها هو عالم البكتيريا الاسكتلندي ألكسندر فليمينغ (Alexander Fleming)، عندما لاحظ تراجع نمو مستعمرات البكتيريا التي تنمو على صفيحة استزراع بعد تلوثها بعفن البنسيليوم (Penicillium notatum)، واستنتج أنها تفرز مكوناً قادراً على قتل البكتيريا، وهو البنسلين

لاحقاً تمكن الباحثون من إضافة مجموعات كيميائية مختلفة إلى جوهر جزيء البنسلين لتوليد نسخ شبه اصطناعية، يمكنها القضاء على أنواع مختلفة من البكتيريا، وعزلوا أنواعاً أخرى من المضادات الحيوية مثل الستربتومايسين والسيفالوسبورينات. ومنذ ذلك الحين أحدثت المضادات الحيوية ثورة في علاج الالتهابات البكتيرية لدى البشر والحيوانات، إلّا أنها غير فعّالة ضد الفيروسات. 

ثمة نوعان رئيسيان من المضادات الحيوية:

  • المضادات الحيوية الواسعة النطاق: تهاجم مجموعة واسعة من البكتيريا، بما في ذلك البكتيريا المفيدة لنا، مثل مثل التتراسيكلين والكلورامفينيكول والاريثروميسين.
  • المضادات الحيوية الضيقة النطاق: وهي متخصصة للغاية بحيث تكون فعّالة فقط ضد أنواع معينة من البكتيريا، مثل البنسلين والأموكسيسيلين.

تستهدف المضادات الحيوية البكتيريا بطريقتين رئيسيتين:

  • منع تكاثر البكتيريا، بإيقاف تكرار حمضها النووي.
  • قتل البكتيريا بآليات مختلفة، مثل إيقاف الآلية المسؤولة عن بناء جدران خلاياها، أو منع تخليق البروتين فيها.

اقرأ أيضاً: دليلك لاستخدام الأدوية المُستهلكة الأكثر شيوعاً

ما هي مقاومة المضادات الحيوية؟ 

على الرغم من أن اكتشاف فليمينغ للمضادات الحيوية تمكّن من إنقاذ ملايين البشر، فإنه حذّر من أنه “ليس من الصعب جعل الميكروبات مقاومة للبنسلين في المختبر”، أي يمكن للبكتيريا أن تطوّر مقاومة للمضاد الحيوي (Antimicrobial resistance) أو (AMR).

في حالات معينة، وبعد استخدام العلاج بالمضادات الحيوية، قد يتبقى عدد أو نوع كامل من البكتيريا الأقل حساسية وراثية للمضاد الحيوي، فتستمر هذه البكتيريا في التكاثر في ظل تراجع عدد منافسيها الأكثر ضعفاً بتأثير المضاد الحيوي، وتنقل مقاومتها إلى أنواع أخرى عبر عملية تبادل الجينات.

 بالنتيجة، تتطور سلالة بكتيرية لا يمكن القضاء عليها بالمضادات الحيوية المعروفة. بعبارة أخرى، يصبح علاج الأمراض أكثر صعوبة نتيجة لمقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، ما يؤدي إلى استمرار المرض حتى النقطة التي يموت فيها المريض.

أفادت دراسة نُشرت عام 2019 في دورية ذا لانسيت (The Lancet)، بوفاة 1.27 مليون شخص بسبب العدوى ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، حيث أصبحت إصاباتهم غير قابلة للعلاج، وأكبر من عدد الوفيات الناتجة عن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) (864 ألف حالة وفاة) أو الملاريا (643 ألف حالة وفاة). على وجه التحديد، كانت أكثر أجزاء الجسم إصابة بعدوى البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية هي الصدر ومجرى الدم والبطن.

نظراً للعواقب الوخيمة التي تتسبب بها مقاومة المضادات الحيوية، فقد وصفته منظمة الصحة العالمية بالجائحة الصامتة، واعتبرتها واحدة من التهديدات العشرة الأكثر خطراً على الصحة العامة خلال القرن الـ 21.

ما الذي يؤدي إلى انتشار مقاومة المضادات الحيوية؟ خطأ الوصفات الطبية متهم

بداية لا بُدّ أن نعلم أنه لنجاح العلاج بالمضادات الحيوية يجب أن تتوافر عدة شروط:

  • تحديد نوع البكتيريا الممرضة لاستخدام المضاد الحيوي الحساسة له.
  • استخدام المضاد الحيوي بتركيز مناسب وبما يكفي ليكون فعَالاً، ولكن من دون أن يسبب آثاراً جانبية.
  • استخدام المضاد الحيوي فترة زمنية كافية لضمان القضاء على العدوى تماماً.

وفي حال غياب أحد هذه العوامل، تتطور المقاومة للمضادات الحيوية لدى البكتيريا، وهو ما يندرج تحت مسمى الخطأ في الوصفة الطبية من حيث تحديد نوع المضاد الحيوي والجرعة ومدة استخدامه.

تتسبب الوصفات الطبية الخاطئة بتطور مقاومة المضادات الحيوية لدى البكتيريا كما يلي:

الخطأ في تحديد المضاد الحيوي

طوّرت منظمة الصحة (WHO) نظام تصنيف للمضادات الحيوية (AWaRe) يهدف إلى التشجيع على الاستخدام المناسب للمضادات الحيوية، والتخفيف من تطوير البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية.

يتضمن التصنيف ثلاث مجموعات للمضادات الحيوية: 

  • مجموعة (الوصول): خط الدفاع الأول، وعادة ما تكون لعلاج حالات العدوى السائدة والشديدة، وتمتاز بانخفاض القدرة على مقاومتها.
  • مجموعة (المراقبة): عادة ما تكون أكثر قابلية للمقاومة، ما يستلزم المراقبة للحد من ظهور مقاومة المضادات الحيوية. 
  • المجموعة (الاحتياطية): خط الدفاع الأخير، وتُستخدم عندما تفشل العلاجات الأخرى.

اقرأ أيضاً: أوجمنتين: ماذا تعرف عن واحد من أشهر المضادات الحيوية؟

لكن بحثاً نُشر في مجلة جاما الطب الباطني (JAMA Internal Medicine)، وجد أنه من بين أكثر من 44 مليون مريض تلقوا وصفات مضادات حيوية لعلاج التهابات الجيوب الأنفية، والتهابات الأذن الوسطى، والتهاب البلعوم (التهاب الحلق)، اتبع فقط 52% منهم نظام (AWaRe)، أي تلقوا خط الدفاع الأول مثل البنسلين أو الأموكسيسيلين (مجموعة الوصول)، بينما عولج البقية بمضادات حيوية واسعة النطاق مثل أزيثروميسين (مجموعة المراقبة)، وهي نتيجة تمثّل مشكلة على عدة مستويات؛ إذ عندما يحصل الأشخاص على مضاد حيوي خاطئ، لا يقتصر الأمر على عدم شفائهم في كثيرٍ من الأحيان فحسب، بل إن ذلك يساعد على تطور سلالات بكتيرية مقاومة للأدوية.

على وجه العموم، قد يستخدم البعض المضادات الحيوية غير الموصوفة بشكلٍ سيئ، لعلاج بعض الحالات الناتجة عن عدوى فيروسية وليس بكتيرية، مثل:

  • عدوى الأذن الوسطى غير القيحية.
  • التهاب الشعب الهوائية.
  • الإنفلونزا.
  • عدوى الجهاز التنفسي العلوي الفيروسية أو ما يُعرف بنزلات البرد.

على سبيل المثال، وضحت الدراسة المنشورة في مجلة الطب السريري (eClinical Medicine)، أنه وُصِفت المضادات الحيوية لنحو 75% من مرضى كوفيد-19 خلال الفترة ما بين 2020- 2023، إلّا أن العامل المسبب لمرض كوفيد هو فيروس وليس بكتيريا، وعدد قليل منهم فقط لا تتجاوز نسبته 10% يعاني عدوى بكتيرية.

استخدام تركيز غير مناسب من المضادات الحيوية

وضح مختص الأمراض المعدية، الطبيب ديفيد هيون (David Hyun)، أن بعض الأطباء قد يرضخ لمطالبات المرضى لوصف مضادات حيوية لهم حتى عندما لا توجد حاجة إليها، أو عندما لا تكون العلاج المناسب. على سبيل المثال، قد يقول المريض عبارات مثل: “لقد جعلني العلاج السابق في أفضل حال”، ما يؤدي إلى الإفراط في تناول المضادات الحيوية، وتطوير بعض الأنواع البكتيرية غير المستهدفة مقاومة للمضاد الحيوي. 

اقرأ أيضاً: ما مخاطر أدوية تخفيف الوزن الرائجة؟

مدة الاستخدام

في المقابل، قد لا ينهي بعض المرضى كامل الكورس العلاجي للمضاد الحيوي، لاعتقادهم بأن تحسنهم البسيط يعني شفاءهم التام، ما يمنح البكتيريا الضعيفة الوقت لاستعادة قوتها وتطوير مقاومة للمضاد الحيوي.