باحثون يطوّرون علاجاً جديداً لبعض أنواع البكتيريا المقاومة للأدوية

4 دقيقة
باحثون يطوّرون علاجاً جديداً لبعض أنواع البكتيريا المقاومة للأدوية
نجح باحثون في كلية الطب في جامعة واشنطن في مدينة سانت لويس في تطوير مركّب فعال ضد البكتيريا الرائجة التي يمكن أن تتسبب بأمراض نادرة وخطيرة. تبيّن هذه الصورة مزرعة بكتيرية من بكتيريا العِقدية المقيّحة لم تخضع للعلاج ومليئة بالميكروبات الصحية، موسومة باللون الأخضر (على اليسار). أصبح الطبق مليئاً بالبكتيريا الميتة بعد معالجته بقاتلات البكتيريا الموجبة الغرام (باللون الأحمر على اليمين).

ملخص: تنتشر حالات العدوى البكتيرية التي أصبحت تشكل مشكلة صحية كبيرة بغض النظر عن نوعها، وهي تكتسب على اختلاف أنواعها مقاومة للمضادات الحيوية، ما يعني أن علاجها يصبح أصعب وتبرز الحاجة إلى تطوير مركّبات مضادة للميكروبات أحدث لتحل محل المركّبات التي طوّرت البكتيريا مقاومة لها لمكافحة حالات العدوى هذه. وقد نجح فريق دولي من العلماء في تطوير مجموعة جديدة من المركّبات التي بمقدورها القضاء على العدوى البكتيرية لدى الفئران. واستهدفت المجموعة البكتيريا الموجبة الغرام التي يمكن أن تتسبب بمتلازمة الصدمة السميّة وأنواع مختلفة من حالات عدوى المكورات العنقودية المقاومة للأدوية وأمراض بكتيرية أخرى يمكن أن تتطور إلى أمراض مميتة مثل التهاب اللفافة الناخر، أو مرض أكل اللحم. تتمتّع المركبات بالقدرة على جعل الأغشية البكتيرية نفوذة، وتتلف، كما تقلل هذه المركبات من فرص أن تصبح البكتيريا الموجبة الغرام مقاومة للأدوية. لذلك يجب إجراء الأبحاث العلمية المتعددة التخصصات ودمج مجالات الدراسة المختلفة التي يمكن أن يتوصل فيها العلماء إلى أفكار جديدة تعاونية تساعد المرضى، بالإضافة إلى الوصف الطبي الحذر للمضادات الحيوية.

نجح فريق دولي من العلماء في تطوير مجموعة جديدة من المركّبات التي بمقدورها القضاء على العدوى البكتيرية لدى الفئران. يمكن أن تتسبب بعض هذه الحالات بأمراض "آكلة للحم" خطيرة. يتراوح العدد السنوي لحالات الإصابة بالأمراض الآكلة للحم بين 700 و1,100 حالة في الولايات المتحدة، ويمكن أن تمثّل المجموعة الجديدة من المركّبات أيضاً أساساً لفئة جديدة من المضادات الحيوية، وقد وصفها العلماء في دراسة نشرتها مجلة ساينس أدفانسز (Science Advances) بتاريخ 2 أغسطس/آب 2024.

اقرأ أيضاً: ما هي البكتيريا المفيدة وأنواعها الملائمة للنظام الغذائي في المنطقة العربية؟

مقاومة متزايدة

دقّ الأطباء المعالجون عبر عقود من الزمن ناقوس الخطر بشأن مسببات الأمراض التي أصبحت أكثر مقاومة للأدوية المتاحة حالياً. تجعل هذه المقاومة مسببات الأمراض أخطر، ووفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها، يظهر أكثر من 2.8 مليون حالة عدوى مقاومة للمضادات الحيوية في الولايات المتحدة كل عام. تتسبب هذه الحالات بوفاة أكثر من 35 ألف شخص سنوياً. هناك حاجة إلى تطوير مركّبات مضادة للميكروبات أحدث لتحل محل المركّبات التي طورت البكتيريا مقاومة لها لمكافحة حالات العدوى هذه.

تعاون عالما الأحياء الدقيقة الجزيئية في كلية الطب في جامعة واشنطن في مدينة سانت لويس، سكوت هالتغرِن ومايكل كابارون، وعالم الكيمياء في جامعة أوميو في السويد، فريدريك ألمكفيست، على تطوير المجموعة الجديدة من المركبات التي تحمل اسم "قاتلات البكتيريا الموجبة الغرام" (GmPcides).

تعمل هذه المجموعة من خلال استهداف البكتيريا الموجبة الغرام. يمكن أن يتسبب هذا النوع من البكتيريا بمتلازمة الصدمة السميّة وأنواع مختلفة من حالات عدوى المكورات العنقودية المقاومة للأدوية وأمراض بكتيرية أخرى يمكن أن تتطور إلى أمراض مميتة.

قال كابارون في بيان صحفي: "كانت أنواع البكتيريا الموجبة الغرام التي اختبرناها حساسة لهذا المركّب، وتشمل تلك المكورات المعوية والمكورات العنقودية والمكورات العقدية والمطثية العسيرة، وهي الأنواع الرئيسية من البكتيريا المسببة للأمراض. تتمتع المركبات الجديدة بنشاط واسع النطاق مقاوم للعديد من البكتيريا".

صدفة سارّة

تعتمد المركبات الجديدة القاتلة للبكتيريا الموجبة الغرام على نوع من الجزيئات يسميه العلماء "2-بيريدون منصهر الحلقة" (ring-fused 2-pyridone) طوّره الفريق بما يسميه "صدفة سارّة". طلب كابارون وهالتغرِن من ألمكفيست تطوير مركب كيميائي يتمتع بالقدرة على منع الأغشية البكتيرية من الالتصاق بسطح القثطرات الإحليلية. هذه الأغشية هي من الأسباب الرائجة لالتهابات المجاري البولية التي تحدث في المستشفيات.

يتمتّع المركب الناتج بخصائص مضادة للعدوى التي تتسبب بها عدة أنواع من البكتيريا، وبيّنت الأبحاث السابقة التي أجراها أعضاء الفريق أن قاتلات البكتيريا الموجبة الغرام تمتعت بالقدرة على القضاء على سلالات البكتيريا في تجارب أطباق بتري.

استخدم الفريق في الدراسة الجديدة تجارب أطباق بتري هذه على أنها أساس من خلال اختبار تأثير المركبات في التهابات الأنسجة الرخوة الناخرة. تنتج حالات العدوى السريعة الانتشار هذه من عدة أنواع من البكتيريا الموجبة الغرام عادةً. التهاب اللفافة الناخر، أو مرض أكل اللحم، هو الأكثر شهرة بين هذه الأمراض. يمكن أن يؤدي هذا المرض إلى تلف شديد وسريع في الأنسجة لدرجة أن بتر الأطراف قد يكون ضرورياً في الكثير من الأحيان للسيطرة على انتشاره. يتوفى نحو 20% من المصابين بهذا المرض.

ركّز الفريق على أحد مسببات الأمراض المسؤولة عن نحو 500 ألف حالة وفاة سنوياً، وهو العِقدية المقيّحة. تسبب الباحثون بإصابة مجموعة من الفئران بهذه البكتيريا. ثم عالج هؤلاء مجموعة جزئية من الفئران بقاتلات البكتيريا الموجبة الغرام، في حين لم يعالجوا المجموعة الأخرى بهذه المركبات. كانت الحالة الصحية للفئران التي تلقت العلاج أفضل وفقاً للمقاييس جميعها تقريباً مقارنة بالفئران التي لم تتلقه. فقدت الفئران التي خضعت للعلاج وزناً أقل وتشكّلت لديها تقرّحات أصغر حجماً، كما أنها قاومت العدوى بسرعة أكبر. لاحظ الباحثون أن المناطق المتضررة من جلد هذه الفئران التأمت بسرعة أكبر بعد الإصابة بالعدوى.

على الرغم من أن آلية عمل قاتلات البكتيريا الموجبة الغرام لا تزال غير واضحة في هذه الحالة، بيّن فحص مجهري أن العلاج كان له تأثير كبير في الأغشية الخلوية البكتيرية. هذه الأغشية هي الأغلفة الخارجية للميكروبات.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تبيّن أن فضلات الإنسان قد تساعد على محاربة البكتيريا

قال كابارون: "إحدى وظائف الغشاء هي عزل البكتيريا عن المواد الخارجية. نعلم أنه في غضون 5-10 دقائق من العلاج باستخدام قاتلات البكتيريا الموجبة الغرام، تصبح الأغشية نفّاذة وتسمح للمواد التي تمنع دخولها عادة بالدخول إلى البكتيريا، ما يشير إلى أنها تعرضت للتلف".

يمكن أن يؤثر ذلك في وظائف البكتيريا نفسها، مثل تلك التي تلحق الضرر بالمضيف وتجعل البكتيريا أقل فعالية في تعطيل استجابة المضيف المناعية للعدوى.

من المحتمل أيضاً أن قاتلات البكتيريا الموجبة الغرام أقل عرضة لأن تتسبب بظهور السلالات البكتيرية المقاومة للأدوية. توصل العلماء الذين أجروا التجارب التي هدفت إلى تركيب البكتيريا المقاومة للأدوية إلى أن عدد الخلايا التي تستطيع مقاومة العلاج قليل للغاية؛ يعني ذلك أن احتمالية أن تنقل هذه البكتيريا سماتها المقاومة للأدوية إلى الجيل التالي أقل.

آفاق مستقبلية

وفقاً لكابارون، يجب أن ينجز العلماء الذين يبحثون في قاتلات البكتيريا الموجبة الغرام العديد من الخطوات قبل أن تصبح هذه المركبات متاحة في الصيدليات المحلية. سجّل الفريق براءة اختراع للمركب المستخدم ومنحه ترخيصاً لصالح شركة كيور تك بايو (QureTech Bio)، وهي شركة يمتلك كل من كابارون وهالتغرِن وألمكفيست حصص ملكية فيها. كان الترخيص مشروطاً بنية الباحثين للتعاون مع شركة أخرى تستطيع إدارة عملية تطوير الدواء والتجارب السريرية لطرحه في السوق.

وفقاً للفريق، سيؤدي التعاون العلمي الذي نجح في ابتكار قاتلات البكتيريا الموجبة الغرام دوراً مهماً في حل المشكلات مثل مقاومة مضادات الميكروبات.
قال هالتغرِن في بيان صحفي: "إن حالات العدوى البكتيرية مشكلة صحية كبيرة بغض النظر عن نوعها، كما أنها تكتسب مقاومة للعديد من الأدوية على نحو متزايد، ما يعني أن علاجها يصبح أصعب. تسهّل الأبحاث العلمية المتعددة التخصصات دمج مجالات الدراسة المختلفة التي يمكن أن يتوصل فيها العلماء إلى أفكار جديدة تعاونية تساعد المرضى".

المحتوى محمي