ما هي الفوائد التي يجنيها الأشخاص غير المصابين بالسكري من ارتداء جهاز قياس السكر؟

5 دقيقة
ما هي الفوائد التي يجنيها الأشخاص غير المصابين بالسكري من ارتداء جهاز قياس السكر
حقوق الصورة: بيكسلز

صُممت أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز في الأصل لمساعدة الأشخاص المصابين بداء السكري على تتبع نسبة السكر في الدم (المعروف أيضاً باسم "غلوكوز الدم" [blood glucose]) والتحكم فيها على نحو أفضل. وفي الوقت الحاضر، ليس كل من تراه يرتدي جهازاً منها مصاباً بالسكري. في الواقع، يستخدم نحو 1 من كل 5 أشخاص الجهاز لأسباب أخرى، وفقاً لدراسة جديدة. لكن، هل جهاز المراقبة المستمرة للغلوكوز مفيد حقاً إذا لم تكن مصاباً بداء السكري، أم أنه مجرد بدعة صحية؟

أولاً، من المهم أن نفهم كيف يعمل. فعند إدخال طرف جهاز المراقبة في ذراع الشخص، يستقر مستشعر الجهاز البلاتيني الصغير في السائل الخلالي (السائل الموجود بين الخلايا) تحت الجلد مباشرة. ويتصل بالمستشعر جهاز إرسال صغير يرسل البيانات عن مستويات السكر في الدم إلى هاتف ذكي أو جهاز استقبال.

وخلافاً لاختبارات وخز الإصبع التقليدية، توفر أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز قراءات مستمرة طوال النهار والليل، ما يوفر تصوراً في الزمن الحقيقي عن مستويات السكر في الدم، ويساعد مرضى السكري على إدارة حالتهم بصورة أفضل. إضافة إلى أنها تقضي على الإزعاج والألم المرتبطين باختبارات وخز الإصبع المتكررة. قال الدكتور المختص بالغدد الصماء في مركز لانغون هيلث الصحي بجامعة نيويورك، مايكل (مايك) ناتر، والمصاب بداء السكري من النوع الأول، في حديث مع مجلة بوبيولار ساينس: "يمكن لهذه الأجهزة أن تغير مجرى حياتنا في الواقع".

 اقرأ أيضاً: ما هي أنواع اختبارات مستوى السكر في الدم؟ ومتى يُستخدم كل منها؟

هل يمكن أن يساعد على الوقاية من داء السكري؟

لا يحدث داء السكري من النوع الثاني بين عشية وضحاها. إنه نتيجة معاناة الجسم في تنظيم السكر الذي يشكل المصدر الرئيسي الذي يمده بالطاقة. وعادة ما تنهار هذه العملية تدريجياً، وغالباً ما يحدث ذلك قبل ظهور أي أعراض بوقت طويل. في الواقع، يمكن لارتفاع نسبة السكر في الدم بصورة مزمنة أن يشكل علامة تحذير مبكرة على وجود خلل ما.

يوضح أستاذ الطب السريري في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو ورئيس جمعية تكنولوجيا إدارة داء السكري، الدكتور ديفيد كلونوف، قائلاً: "يمكن لارتفاع نسبة الغلوكوز في الدم بعد تناول الوجبات أن يتنبأ بمقدمات السكري (pre-diabetes) أو السكري بدقة أكبر من الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي (Hemoglobin A1c) [وهو مؤشر حيوي تقليدي لمرض السكري] لدى بعض الأشخاص". هذا أمر مهم لأن اكتشاف المشكلة في وقت مبكر يعني أنه لا يزال هناك متسع من الوقت لتغيير الأمور. من خلال إجراء تغييرات رئيسية في نمط الحياة -مثل تعديل النظام الغذائي وممارسة الرياضة- يمكن للأشخاص المعرضين للخطر تأخير الإصابة بمرض السكري أو حتى الوقاية منه تماماً.

هل يمكن أن تكون أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز هي المفتاح لاكتشاف ارتفاع نسبة السكر في الدم قبل أن يتحول إلى داء السكري؟ يعتقد الدكتور ناتر أن هذه الأجهزة لديها إمكانات، لكن ثمة مشكلة تتعلق بالتكلفة. فإذا كانت التكلفة تقدر بنحو 100 دولار كل أسبوعين، فقد تكون هذه الأجهزة بعيدة المنال بالنسبة إلى الأفراد أصحاب الدخل المنخفض، وهم الفئة الأكثر عرضة للخطر.

وهناك أيضاً مشكلة تفسير البيانات، فقد وجدت دراسة أجريت على 8,315 شخصاً بالغاً غير مصاب بالسكري (تتراوح أعمارهم بين 40 و70 عاماً) أن مستويات السكر في الدم تتقلب بشدة من يوم لآخر، ما يجعل تفسير بيانات جهاز المراقبة المستمرة للغلوكوز أمراً صعباً دون سياق مناسب. وقال الدكتور ناتر إنه عندما يسيء الناس تفسير اتجاهات السكر في الدم لديهم، فإن ذلك يؤدي إلى الكثير من القلق والتوتر غير الضروريين.

اقرأ أيضاً: 8 أصناف من الأدوية الشائعة تسبب زيادة الوزن

هل يمكن أن يساعد على إنقاص الوزن؟

يسمح لك جهاز المراقبة المستمرة للغلوكوز بمعرفة كيفية تفاعل جسمك مع الأطعمة المختلفة والنشاط البدني. فإذا كنت تتناول وجبة غنية بالكربوهيدرات، راقب ارتفاع نسبة السكر في الدم. وإن كنت ذاهباً لممارسة الجري، راقب انخفاضه. الفكرة ببساطة هي أن توفير هذه القراءات في الوقت الحقيقي يحث المستخدمين على تقليل تناول الكربوهيدرات وممارسة النشاط البدني الحركي بصورة أكبر، ما يؤدي إلى إنقاص الوزن.

لكن هل تساعد أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز على إنقاص الوزن بالفعل؟ تبدو الأدلة محدودة حتى الآن.

في دراسة صغيرة أجريت في عام 2022، قسم الباحثون 40 شخصاً بالغاً ممن يعانون زيادة الوزن ولا يعانون داء السكري إلى مجموعتين: تلقت المجموعة الأولى نصائح غذائية عادية، بينما تلقت المجموعة الأخرى هذه النصائح نفسها بالإضافة إلى جهاز المراقبة المستمرة للغلوكوز. بعد 8 أسابيع، فقد الأشخاص الذين يرتدون أجهزة مراقبة الغلوكوز 3.1 كيلوغرامات في المتوسط، مقارنة بـ 2.3 كيلوغرام في المجموعة الأخرى. تشير النتائج إلى أن أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز قد تساعد الأشخاص على تحسين نظامهم الغذائي، لكن الفرق في فقدان الوزن لم يكن كبيراً.

هناك جانب سلبي أيضاً: توفير الكثير من البيانات دون توفير السياق المناسب يمكن أن يضر أكثر مما ينفع.

وقد حذر الدكتور ناتر من أنه عندما يغرق الناس في البيانات ولا يحصلون على الإرشادات التي تساعدهم على تفسيرها، "فهناك خطر كبير بأن تتعرض صورة بعض الأطعمة الصحية للتشويه"، وهو ما يجعل الدكتور ناتر يخشى أن يسهم هذا الأمر في زيادة سلوكيات الأكل المضطربة (disordered eating). يقول الدكتور ناتر: "خير مثال على ذلك هو أن بعض أنواع الفاكهة، مثل العنب، قد يؤدي إلى ’ارتفاع‘ نسبة السكر في الدم، لكن ما يجب أن نفهمه هو أن الارتفاع الطفيف في نسبة الغلوكوز أمر طبيعي (حيث يصل إلى 140 ميليغراماً/ديسيلتر تقريباً) ومتوقع بعد تناول بعض الكربوهيدرات".

 هل يمكن أن يساعد على الوقاية من المشاكل الصحية؟

 لا يتفاعل الجميع مع الطعام بالطريقة نفسها، حيث يمكن لشخصين أن يتناولا الوجبة نفسها، ومع ذلك قد ترتفع مستويات السكر في الدم لديهما بنسب مختلفة. ويوضح الدكتور كلونوف أن أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز تكشف عن هذه الأنماط الشخصية، ما يساعد الأشخاص غير المصابين بالسكري على ضبط أنظمتهم الغذائية لتحسين صحتهم الأيضية.

تتمثل الفكرة الأساسية هنا في أن تقليل حالات ارتفاع السكر في الدم قد يعني تقليل خطر الإصابة بمشاكل صحية على المدى الطويل. ولكن هل استقرار نسبة السكر في الدم يقي بالفعل من الأمراض؟ لم يقدم العلم إجابة قاطعة حتى الآن.

يشير بعض الأبحاث إلى أن ارتفاع نسبة السكر في الدم فترات طويلة لدى الأشخاص غير المصابين بالسكري مرتبط بزيادة خطر الإصابة بمشاكل القلب والأوعية الدموية. لكن هناك مشكلة واحدة، وهي أن الارتباط لا يعني السببية. فعلى الرغم من أن الباحثين لاحظوا هذا الارتباط، لم تثبت أي دراسة أن ارتفاع السكر في الدم يسبب أمراض القلب بصورة مباشرة.

لذا، فعلى الرغم من أن أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز قد تقدم معلومات قيّمة، فإن دورها الفعلي المساعد في الوقاية من المشاكل الصحية الكبرى يظل سؤالاً مفتوحاً.

 اقرأ أيضاً: هل يسبب الخمول البدني الإصابة بالسكري؟

هل يمكن أن يساعد على تحسين الأداء الرياضي؟

بالنسبة إلى الرياضيين المصابين بداء السكري، تمثل أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز تغييراً جذرياً، حيث تساعدهم على تجنب حدوث انخفاض خطير في نسبة السكر في الدم خلال التدريبات المكثفة. أما الآن، فإن بعض الرياضيين غير المصابين بداء السكري يستخدمون هذه الأجهزة، آملين بضبط استراتيجياتهم في الحصول على الطاقة والارتقاء بمستوى أدائهم.

ويوضح الدكتور ديفيد كلونوف قائلاً: "سيرتدي بعض الرياضيين من النخبة جهاز المراقبة المستمرة للغلوكوز في الدم لتحديد إذا ما كانوا يعانون نقص السكر في الدم، وإذا ما كان الوقت قد حان لتناول الكربوهيدرات للحفاظ على المستوى الأمثل من عمليات الأيض".

تشير الأبحاث المبكرة إلى الفوائد المحتملة. فقد وجدت دراسة أجريت على 7 عدائين في سباقات الماراثون أن ارتفاع مستويات السكر في الدم كان مرتبطاً بسرعات الجري الأعلى، وأن أولئك الذين استهلكوا المزيد من الطاقة والكربوهيدرات كانوا يميلون إلى تقديم أداء أفضل عموماً. وهذا يشير إلى أن أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز قد تساعد الرياضيين الذين يمارسون رياضات التحمل على تحسين تناول الكربوهيدرات للحصول على طاقة مستدامة.

لكن قبل أن تصبح أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز أداة تدريب لا غنى عنها، هناك علامة استفهام كبيرة: كيف ينبغي للرياضيين تفسير البيانات؟ لا يوجد إجماع واضح حول المستويات المثالية للسكر في الدم التي تعزز الأداء الأمثل، ومن دون إرشادات محددة جيداً، من الصعب معرفة كيفية استخدام المعلومات بصورة فعالة.

خلاصة القول

في الوقت الحالي، لا يوجد دليل قاطع على أن أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز تقدم فوائد واضحة للأشخاص غير المصابين بداء السكري، على حد قول الدكتور ناتر.

هذا لا يعني أنها لن تكون مفيدة في المستقبل، لكن العلم لم يصل إلى هذه المرحلة بعد. وأضاف الدكتور ناتر أن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لفهم كيفية استخدام الأشخاص غير المصابين بالسكري لهذه التكنولوجيا الفعالة. 

المحتوى محمي