يوماً ما؛ يمكن أن تصبح العوامل المضادة للسرطان عبارةً عن خلايا تحتوي على بالونات مجهزة بشكل خاص تنفجر عند وضعها بالقرب من حزمة من الموجات فوق الصوتية؛ ما يؤدي إلى قتل الخلايا السرطانية المحيطة بها. اختبر الباحثون في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا هذه الفكرة في المختبر، ونشروا أحدث أبحاثهم في دورية «نيتشر نانوتكنولوجي» مطلع هذا الشهر.
سر هذه العملية هو فقاعات البروتين الصغيرة التي يسميها علماء الأحياء «حويصلات الغاز». تتمتع بعض البكتيريا والطلائعيات بالقدرة الوراثية على تركيب هذه البنى عند الحاجة: إذا احتاج الميكروب الصعود إلى سطح سائل، فيمكنه تركيب عدد قليل من الحويصلات الغازية؛ ما يجعل جسمه أكثر قدرةً على الطفو ويدفعه إلى الأعلى. وإذا احتاج أن يغرق؛ يمكنه أن يُفجر بضعة حويصلات غازية.
اقرأ أيضاً: تكنولوجيا النانو توفر طريقة جديدة لقتل خلايا السرطان
حويصلات الغاز: من بحار الأرض البدائية
حويصلات الغاز قديمة بالفعل: يعتقد بعض العلماء أنها تطورت في بحار الأرض البدائية منذ 3 مليارات سنة. الآن؛ في القرن الحادي والعشرين، أعاد العلماء بذكاء استخدام حويصلات الغاز لاستخدامها لأهدافهم الخاصة. لقد تمكنوا من تعديل بعض أنواع الميكروبات القادرة على الدخول للجسم وراثياً؛ حيث يمكن تحديد موقعها بواسطة أجهزة الموجات فوق الصوتية مثل تلك المستخدمة أثناء الحمل.
لكن حويصلات الغاز لها قدرات أخرى أيضاً. عادةً؛ عندما تنفجر حويصلة غازية، يتلاشى الغاز الموجود بداخلها؛ ولكن من خلال توجيه هذا الغاز باستخدام موجات فوق صوتية مضبوطة بدقة، تعلّم الباحثون أن بإمكانهم إجبار هذه الفقاعات الغاز على النمو أكثر فأكثر حتى تنفجر بعنف، مولّدةً موجات صدمية.
يسمي العلماء هذه العملية (التجويف القصوري)؛ وهي تعتمد على نفس المبادئ التي تجعل الموجات فوق الصوتية قادرةً على تنظيف المجوهرات. تساءل مؤلفو الدراسة عما إذا كان بإمكانهم استخدام موجات الصدمة الناتجة عن تلك الفقاعات المنتفخة بالموجات فوق الصوتية ضد الأورام. إذا أمكن تعديل الخلايا وراثياً لإنتاج الحويصلات الغازية، فيمكن عندئذ تحويل هذه الحويصلات إلى عامل خامل مفيد للغاية. يكون هذا العامل جاهزاً للتفعيل بواسطة الموجات فوق الصوتية عند الحاجة.
يقول «ميخائيل شابيرو»؛ مهندس كيميائي في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا؛ والذي كان مساهماً في البحث: «الآن أصبحت الخلية هي العامل المتفجر».
الحويصلات الغازية لقتل الخلايا السرطانية
أولاً، كان على الباحثين اختبار قدرة حويصلات الغاز التفجيرية. وضعوا حويصلات غازية في طبق بتري، جنباً إلى جنب مع نوع من خلايا الورم الأرومي الدبقي التي تُستخدم غالباً في أبحاث سرطان الدماغ. بعد أن قاموا بتوجيه الموجات فوق الصوتية على الطبق، وفي غضون ثوانٍ فقط، رؤوا علامات اضطراب واسع النطاق تشير إلى أن الحويصلات الغازية هي سببه.
بعد ذلك؛ اختبر الباحثون العملية على الفئران الحية المصابة بالسرطان. أدخل الباحثون إلى أجسام الفئران بكتيريا الإشريكية القولونية؛ والمعروفة بأنها تميل إلى استعمار الأورام، مع تعديلها وراثياً للسماح لها بتركيب حويصلات غازية.
قال «أفينوام بار-زايون»؛ وهو باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والمؤلف الرئيسي لهذه الورقة البحثية: «الأمر شبيه بنقل العلاج مع هذه الخلايا التي؛ والتي تعرف كيفية الوصول إلى المكان الصحيح».
بعد السماح للبكتيريا بالدوران في مجرى دم الفئران لمدة 5 أيام، قام الباحثون بتشغيل الموجات فوق الصوتية. وبحلول ذلك الوقت؛ وجد الباحثون أن تلك البكتيريا قد أنشأت مستعمرات في الأورام. بعد أسبوعين تقريباً من العلاج بالموجات فوق الصوتية، نمت الأورام التي تم تخريبها بمعدل أبطأ بـ 3 مرات من تلك التي لم تحتوِ على مستعمرات، كما أن الفئران التي تلقت هذا العلاج بقيت على قيد الحياة، لفترة أطول بمقدار تجاوز ضعف عمر نظيراتها في المتوسط.
هذه ليست المرة الأولى التي يتلاعب فيها العلماء بفقاعات صغيرة داخل جسم الإنسان. تم اختبار فقاعات صغيرة بحجم خلية الدم الحمراء، تسمى «الفقاعات الصِغرية»، منذ عقود كطريقة محتملة لتوصيل الأدوية إلى الخلايا، كما أنها ليست المرة الأولى التي يفكر فيها العلماء في استخدام الميكروبات كوسيلة لدخول الجسم. اختبر الباحثون قدرة بعض أنواع البكتيريا على توصيل الأدوية التي يمكن أن تعالج بعض الحالات؛ مثل بعض أمراض الأمعاء؛ لكنهم بعيدون عن الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية، ولا يزال بعض العلماء متشككين في الفكرة بأكملها.
يقول «مارك بوردن»؛ مهندس الطب الحيوي في جامعة كولورادو في مدينة بولدر، والذي لم يشارك في هذا البحث: «بعد عقود، لم أرَ أن هذه الآلية تؤتي ثمارها».
اقرأ أيضا: علاج حبوب القيح في الوجه.
ما الجديد في تقنية قتل الخلايا السرطانية بالبكتيريا الغازية
تقول مجموعة معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا أن نهجها متميّز. يمكن لشخص واحد أن يتحكم في إعداد العملية باستخدام جهاز الموجات فوق الصوتية. ونتيجةً لذلك، فإن علاجهم له قدرة مميزة - نظرياً على الأقل - على أن يتم التحكّم به من خارج الجسم.
يقول بوردن: «تمنح هذه الآلية القدرة على تشغيل العلاج عند الحاجة، ثم استخدامه للفترة المطلوبة»، ويضيف: «يمكننا تشغيله وإيقاف تشغيله رسمياً؛ وهو أمر نادر جداً بالنسبة للعلاجات - على ما أعتقد».
علاوةً على ذلك؛ ليس من السهل دائماً التأكد من وصول علاج السرطان إلى المكان الصحيح؛ لكن مجموعة معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا استخدمت الميكروبات التي تميل بالفعل بشكل طبيعي إلى الانتقال إلى الخلايا السرطانية، وبالتالي فهي تنقل حويصلات الغاز إلى المكان الذي يجب أن تصل إليه.
يقول شابيرو: «يمكن أن تكون الخلايا هي عامل التوصيل الذي يضع الحويصلات في المكان الصحيح».
بالطبع؛ إن جعل هذا البحث قابلاً للتطبيق في المختبر هو أحد التحديات، وإيصاله للأطباء هو تحد أكبر أيضاً، ولا يزال أمام الباحثين طريق طويل. أولاً؛ عليهم التأكد من أن إدخال الميكروبات التي تحتوي على حويصلات غازية في جسم الإنسان لن يؤدي في النهاية إلى تحفيز جهاز المناعة، أو أنها لن تسبب تلفاً للأنسجة خارج الورم، لذلك سيحتاجون إلى مزيد من الاختبارات العلاجية على الحيوانات؛ مثل القوارض والخنازير والرئيسيات غير البشرية.
ولكن إذا نجح الأمر، فقد يمثّل إضافةً إلى مجموعة الأدوات المتنامية باستمرار؛ والتي يمكن استخدامها ضد خطر السرطان. يقول بوردن: «إنها تكنولوجيا رائعة وأعتقد أن لديها الكثير من الإمكانات».